تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : الفاشر تحترق.. دارفور تواجه تطهيرًا عرقيًا يعيد كوابيس الماضي
source icon

سبوت

.

الفاشر تحترق.. دارفور تواجه تطهيرًا عرقيًا يعيد كوابيس الماضي

كتب:د. نسرين مصطفى

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، مأساة إنسانية متواصلة تُوصَف بأنها شكل من أشكال التطهير العرقي الممنهج، في مشهد يعيد إلى الأذهان ذروة حرب دارفور الأولى مطلع الألفية الثالثة، فالصراع الذي بدأ بأبعاد سياسية واقتصادية انزلق سريعًا نحو حروب الهوية، حيث تداخل الانتماء القبلي مع المواقف السياسية، واختفى التنوع الذي ميز الإقليم لسنوات، ليحل محله انقسام دموي عمّق الجراح وأفشل فرص التعايش السلمي.

وفي ظل الحرب السودانية المندلعة منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تفاقمت أزمة العيش المشترك، بعدما انهارت الروابط التقليدية التي كانت تجمع المجموعات السكانية المختلفة عبر الأعراف والوساطات القبلية.

انسحاب الجيش يشعل الفوضى العرقية
ومع تصاعد الخطاب العرقي وتراجع مؤسسات الدولة عن دورها في حماية الأمن وإرساء العدالة، تحولت دارفور إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات على أساس الهوية، وبرز ذلك بوضوح في الفاشر، حيث تشير التقارير إلى عمليات قتل جماعي واستهداف منظم للمدنيين.

وجاء إعلان الجيش السوداني انسحابه من المدينة بعد حصار دام 18 شهرًا ليشكل نقطة تحول خطيرة، إذ فتح المجال أمام تعزيز قوات شبه عسكرية إضافية بعد سيطرة الدعم السريع على المدينة، وسط تحذيرات منظمات حقوقية من موجة جديدة من العنف العرقي.

وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن أزمة السودان باتت تُعدّ أكبر حالة نزوح في العالم، إذ يواجه أكثر من 12 مليون شخص واقع التهجير القسري بعيدًا عن ديارهم، وهو عدد يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السودانيون.

مغالطات تاريخية
قال الدكتور سيد فليفل، العميد الأسبق لكلية الدراسات الأفريقية، إن بيان الأمم المتحدة بشأن الوضع في الفاشر والسودان جاء متأخرًا جدًا، مشيرًا إلى أنه كان من الواجب صدوره منذ فترة طويلة، نظرًا لما تعاني منه المنطقة من أطماع خارجية وأحداث مفتعلة.

وأكد د. فليفل، أن الفاشر وإقليم دارفور لم يتعرضا من قبل لمجازر حقيقية، وأن ما يُشاع حول تلك الأحداث هو مغالطات تاريخية تهدف إلى تصوير الإقليم على أنه غير آمن، موضحًا أن هذا المصطلح مستحدث، وما حدث تاريخيًا لا يتعدى صراعات قبلية لا ترقى إلى مستوى المجازر.

وأضاف أنه يجب الانتباه إلى استخدام هذا المصطلح، فهو مصطلح غربي في الأساس، إذ عانت أوروبا من المجازر في تاريخها، وكذلك منطقة أفريقيا الوسطى، بخلاف المجتمع السوداني المعروف بالتراحم والتواصل ورعاية الطرق الصوفية.

وشدد د. فليفل على أن السودان عمومًا والفاشر خصوصًا لم يتعرضا طوال تاريخهما لمجازر كتلك التي تحدث الآن، مشيرًا إلى أن الأحداث الجارية في السودان تُعد الأولى من نوعها، إذ إن الحضارة العربية الإسلامية الأفريقية لا تعرف هذا النوع من العنف الجماعي أو الإبادة.

مخطط خارجي
وتابع عميد كلية الدراسات الأفريقية الأسبق قائلاً إن ما تتعرض له السودان والفاشر هو مخطط خارجي تورط فيه الغرب، الذي يسعى إلى استعادة نفوذه في القارة الأفريقية، وخاصة في السودان، موضحًا أن هذا المخطط فشل في أحداث دارفور السابقة.

وأرجع د. فليفل السبب في ذلك إلى أن إقليم دارفور كان سلطنة عريقة امتد عمرها إلى خمسة قرون، ما جعل المنطقة راسخة في الوجدان العربي والإسلامي منذ قرون طويلة.

وشدد على أن الثروات التي يتمتع بها السودان ودارفور هي السبب الرئيسي وراء ما تتعرض له المنطقة من مؤامرات وتدخلات خارجية، لافتًا إلى أن جبل عامر، وهو جبل ذهب معروف، يجذب المستثمرين والمستشرقين الغربيين لما يحتويه من ثروات معدنية هائلة.

 كارثة إنسانية كبرى
تقول الدكتورة أماني الطويل، الخبيرة في الشئون السودانية وعضو المجلس المصري للشئون الأفريقية، إن ما يجري في الفاشر اليوم ليس معركة عسكرية فحسب، بل كارثة إنسانية كبرى تعكس انهيار مؤسسات الدولة السودانية، وتهدد بتحول دارفور إلى ساحة صراع مفتوح يتجاوز حدود السودان.

وأضافت أن سقوط مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يعد حدثًا فارقًا في مسار الحرب السودانية، فهو يتجاوز كونه مجرد تحول ميداني ليصبح نقطة انعطاف كبرى في تاريخ الصراع السوداني الحديث.

وأوضحت أن الفاشر، التي مثّلت آخر معاقل الدولة في إقليم دارفور، أصبحت اليوم مسرحًا لمآسٍ إنسانية مروعة، وهو مؤشر خطير على حجم الانهيار الشامل الذي يعيشه السودان على المستويين العسكري والسياسي.

انهيار مؤسسات الدولة 
لم يكن سقوط الفاشر مجرد نتيجة لتفوق تكتيكي لقوات الدعم السريع، بل تجسيدًا لانهيار هيكلي عميق في مؤسسات الدولة، بعد أن عجز الجيش السوداني عن تأمين خطوط إمداده الممتدة عبر مناطق شاسعة من الغرب، وتراجعت قدرته على إدارة معارك متعددة الجبهات، وفي المقابل، أثبتت قوات الدعم السريع تفوقًا في المرونة والحركة والمعلومات الاستخباراتية، مما مكّنها من السيطرة على المدينة بسرعة لافتة.

الوجه الحقيقي للحرب 
وأكدت د. أماني، أن الكارثة الحقيقية لا تتمثل في الجانب العسكري وحده، بل فيما تلا سقوط المدينة من انتهاكات واسعة ومجازر مروعة ضد المدنيين، فالتقارير الميدانية والشهادات الإنسانية المتواترة تشير إلى أن الفاشر تشهد منذ سقوطها عمليات قتل جماعي ونهب واسع وتهجير قسري تُدار في إطار واضح من التطهير العرقي والانتقام القبلي.

وترى الطويل أن ما يحدث يوضح أن الحرب في السودان لم تعد بين مؤسستين عسكريتين، بل انزلقت إلى حرب شاملة ضد المدنيين تهدد النسيج الاجتماعي والوجود الإنساني في دارفور.

وأضافت أن ما جرى في الفاشر يعكس مرحلة جديدة من تفكك الدولة السودانية، حيث تفقد السلطة المركزية سيطرتها الفعلية على الأطراف، وتتحول الأقاليم إلى كيانات شبه مستقلة تهيمن عليها الميليشيات المسلحة، مما يُعد مؤشرًا خطيرًا على تعدد مراكز السلطة والسلاح وغياب الدولة.

مرحلة جديدة من الاستنزاف 
وأشارت الخبيرة إلى أنه رغم سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، فإن ذلك لا يعني نهاية قدرة الجيش على الصمود أو الرد، فالمؤسسة العسكرية ما زالت تحتفظ بقدرات نارية وتحالفات ميدانية مع بعض الحركات المسلحة التي أعادت تموضعها في مواجهة الدعم السريع.

لكن هذه التحالفات تظل هشّة ومحدودة الأثر، لأنها تقوم على مصالح محلية ومناطقية أكثر من كونها رؤية وطنية موحدة، وفي الوقت نفسه، تتداخل الحسابات السياسية مع الميدانية بصورة معقدة، إذ تحاول الحركات المسلحة والقوات المشتركة حماية مناطق نفوذها ومكتسباتها دون الانجرار الكامل إلى جانب الجيش أو الدعم السريع، مما يجعل حسم الصراع عسكريًا شبه مستحيل في المدى القريب، ويفتح الباب أمام حرب استنزاف طويلة تستهلك ما تبقى من موارد الدولة.

وأضافت أن سقوط الفاشر سيترك آثارًا عميقة ومفصلية على مستقبل الكيان السوداني كدولة، فسيطرة قوات الدعم السريع على هذه المدينة الاستراتيجية تعني دخول الحرب مرحلة جديدة وخطيرة من التفكك الجغرافي، حيث لم تعد العاصمة الخرطوم مركز الثقل الوحيد الذي تتنازع عليه القوى المتصارعة، بل بدأت تظهر مراكز ثقل إقليمية جديدة تفرض نفسها على الخارطة السودانية.

تداعيات إقليمية خطيرة
أما على الصعيد الإقليمي، فإن تداعيات سقوط الفاشر والمجازر الجارية فيها لا تتوقف عند حدود السودان، فالدول المجاورة، مثل مصر وتشاد وليبيا، تتابع بقلق بالغ تطورات الميدان خشية امتداد الفوضى عبر الحدود.

ويُعد الموقع الجغرافي للفاشر بوابة استراتيجية حساسة يمكن أن تتحول إلى ممر لتدفق السلاح والمقاتلين، الأمر الذي يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن هذه الدول واستقرارها الداخلي.

من الحرب العسكرية إلى صراع الهوية والموارد
من جانبها، تقول الدكتورة سوزي أباظة، أستاذ التاريخ بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، إن ساحة النزاع أصبحت مفتوحة على مصراعيها في إقليم دارفور، خاصة في ظل تشابك الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية مع ما يُسمّى التطهير العرقي.

فبينما تبدو المواجهة ظاهريًا نزاعًا عسكريًا بين أطراف مسلحة، تكشف المعطيات الأخيرة أن السيطرة على الأرض والموارد والهوية تحولت إلى أدوات محورية في رسم معادلة العنف.

وأضافت أن مدينة الفاشر السودانية، تواجه فصلًا من أخطر فصول التطهير العرقي، خاصة في ظل تقارير حقوق الإنسان التي تشير إلى أن قوات الدعم السريع تستهدف السكان بناءً على أُسس عرقية، في سياق حصار طويل ترافقه عمليات قتل ونهب وتحويل المدينة إلى ميدان للهيمنة.

أجندات للسيطرة على الموارد
وأكدت أستاذة التاريخ أن الأمر لا يتوقف عند القتل المباشر أو التهجير، بل يمتد إلى مصالح كبرى مرتبطة بالأرض والموارد، فالفاشر تمثل حلقة وصل بين موارد الإقليم وجدار الدولة، مما يجعل التطهير العرقي أداة استراتيجية لتنفيذ أجندات القوى الأجنبية.

وقالت إن الهوية العرقية أصبحت تُستخدم كذريعة للتصعيد والسيطرة، بينما الغاية هي إخضاع السكان وإفراغهم من وجودهم المدني والاقتصادي لصالح الميليشيات أو القوى المسيطرة على الأرض.

وأضافت أن ما يحدث في الفاشر هو أكثر من مأساة إنسانية؛ إنه اختبار لقدرة المجتمع الدولي على التعامل مع واقع يتداخل فيه العنصر العرقي مع المصالح السياسية والاقتصادية.

وأشارت إلى أن النزاع لم يعد مجرد صراع بين قوتين عسكريتين، بل تحول إلى مأساة بشرية تمس حياة الملايين، حيث تتفاقم الأزمات الصحية والغذائية ومشكلات المأوى، بينما تعجز المنظمات الإنسانية عن الوصول إلى كثير من المناطق بسبب استمرار العنف وانهيار الخدمات الأساسية، مما يجعل الأزمة السودانية من أخطر التحديات الإنسانية في العصر الحديث.

أطماع داخلية وخارجية
واختتمت د. أباظة حديثها بالإشارة إلى أن منطقة الفاشر تتمتع بثروات طبيعية ضخمة، منها مخزون كبير من المعادن كالذهب واليورانيوم والحديد والكروم والزنك والرصاص، خاصة في جبل عامر الذي يُعد من أهم مناجم الذهب في المنطقة.

وأضافت أن المنطقة غنية بالمياه الجوفية وبها بحيرات محتملة الوجود، فضلًا عن موقعها الجغرافي الذي يجعلها نقطة ارتكاز بين الصحراء والسهول، مما يمنحها إمكانيات زراعية وتجارية كبيرة.


 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية