تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هل شعرت يوماً وأنت تدخل مكانا جديدًا أو تتحدث مع شخص لأول مرة، وكأنك قد عايشت هذه اللحظة من قبل؟ هذه التجربة الغريبة تعرف باسم "الديجافو"، وهي كلمة فرنسية تعني حرفياً "شوهد من قبل"، ورغم أن نحو 60 - 70% من البشر يختبرون هذا الشعور خلال حياتهم، فإنه لا يزال لغزاً محيرًا للعلماء والفلاسفة على حد سواء.
الديجافو هو إحساس مؤقت بالألفة تجاه موقف جديد لم يحدث سابقًا، وكأن الذاكرة تعيد ترتيب الأحداث بطريقة غير متوقعة، صاغ الفيلسوف الفرنسي إميل بويرك هذا المصطلح عام 1876، ومنذ ذلك الحين تعددت التفسيرات بين الفلسفة وعلم النفس والطب العصبي لمحاولة فك رموز هذه الظاهرة.
أظهرت دراسة أجرتها جامعة كولورادو الأمريكية أن ظاهرة الديجافو قد تنشأ عندما يتشابه موقف جديد مع تجربة سابقة من دون أن يدرك الشخص ذلك بوعي كامل، فمثلًا، رؤية غرفة جديدة تحمل تصميمًا مشابهًا لغرفة زارها الشخص في طفولته يمكن أن تثير شعوراً بالديجافو، وهو ما يعرف بـ "نظرية التماثل المكاني".
بين العلم والدماغ
يُظهر الديجافو الطبيعة المعقدة للدماغ البشري، يشرح الدكتور أحمد العوضي، أستاذ علم النفس المعرفي، أن الظاهرة قد تحدث نتيجة تأخر لحظي في تنسيق المعلومات بين الفص الصدغي الأيمن والأيسر في الدماغ، ما يؤدي إلى معالجة المعلومة مرتين بشكل متقارب جدا، فيخيل للدماغ أنها تجربة مألوفة.
ويضيف د. العوضى، الديجافو يعكس الطبيعة الديناميكية للدماغ البشري، فهو ليس مجرد آلة لتسجيل الأحداث، بل شبكة معقدة لمعالجة المعلومات، أحياناً يخلق الدماغ هذا الوهم من الألفة لمساعدة الفرد على التعامل مع المواقف الجديدة وتقليل شعور الغربة، ويؤكد أن ظاهرة الديجافو ليست مرضًا بحد ذاتها لمعظم الأشخاص، وإنما هي تجربة طبيعية في غالبية الحالات.
الفئات الأكثر
كشفت الدراسات والإحصاءات عدة حقائق مهمة حول الفئات الأكثر عرضة للظاهرة:
- الشباب: يحدث الديجافو بشكل أكثر تكرارًا بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 - 25 عاماً، حيث يكون نشاط الدماغ في ذروته.
- المسافرون والمتعلمون: ترتبط الظاهرة بشكل أكبر بالأفراد ذوي التعليم العالي، والذين يسافرون بشكل متكرر، ويتمتعون بخيال نشط.
- القادرون على تذكر الأحلام: يبدو أن هناك صلة بين وضوح الأحلام وتكرار تجارب الديجافو.
تحذير طبي
ويوضح الدكتور أحمد مجدي، أستاذ طب الأعصاب، الدماغ يعمل كجهاز معقد يعيد معالجة المعلومات بشكل مستمر أحيانًا يحدث خلل بسيط في ترتيب البيانات أو مسار معالجتها، فيشعر الشخص بالتكرار، لكن إذا تكررت الظاهرة يومياً، أو أصبحت بشكل مفرط، أو ارتبطت بنوبات فقدان وعي أو تشنج، فيجب مراجعة طبيب أعصاب فورًا فقد تكون مؤشرًا مبكرًا لصرع الفص الصدغي، ويضيف د. مجدي أن أسباب الديجافو متعددة وتشمل:
- الضغط العصبي والإرهاق: التوتر والإرهاق النفسي يزيدان من احتمالية حدوث الظاهرة.
- الأدوية والتأثيرات الكيميائية: بعض الأدوية أو المواد الكيميائية قد تؤثر على الدماغ وتزيد من فرص ظهور الديجافو.
- الحالات العصبية النادرة: في بعض الحالات، يرتبط الديجافو بأمراض عصبية محددة مثل الصرع.
نصائح لصحة الدماغ
ويقدم د. مجدي مجموعة إرشادات عملية لدعم صحة الدماغ، مشيرًا إلى أن العوامل التي ترهق الجهاز العصبي تزيد من احتمالية حدوث هذا الخلط المؤقت في الذاكرة ونصائحه هي:
1. جودة النوم هي الأساس: النوم العميق والمنتظم ليس رفاهية، فهو ضروري لعملية 'صيانة' الدماغ حيث يتم تثبيت الذكريات في مكانها الصحيح وتنظيف المعلومات غير الضرورية، مما يقلل بشكل كبير من فرص حدوث التشويش الذي يؤدي إلى الديجافو.
2. إدارة التوتر بفاعلية: الجهاز العصبي المتوتر أكثر عرضة للأخطاء، أنصح بممارسة أي نشاط يهدئ النظام العصبي، ولو لدقائق قليلة يوميا، مثل تمارين التنفس العميق أو التأمل، لما له من تأثير مباشر في تقليل الضغط النفسي وتحسين دقة معالجة المعلومات.
3. الحفاظ على نشاط الدماغ: الدماغ كالعضلة يحتاج إلى التمرين، القراءة المركزة، تعلم لغة جديدة، أو حل الألغاز تحفز وتقوي الوصلات العصبية، مما يزيد من كفاءة الدماغ ويقلل من الأخطاء المعرفية.
4. مراقبة نمط الحياة: التغذية المتوازنة الغنية بأوميجا 3 ومضادات الأكسدة، وشرب الماء بكثرة، وتقليل المنبهات مثل الكافيين خاصة في المساء، كلها عوامل تدعم البيئة الكيميائية الصحية للخلايا العصبية.
5. الراحة الذهنية: الانفصال عن الضغوط والتوقف عن تعدد المهام لفترات قصيرة خلال اليوم يمنح الدماغ فرصة لإعادة التشغيل والتعامل مع المعلومات الجديدة بتركيز أعلى.
العوامل النفسية والصحية
توضح الدكتورة زينب مهدي، أستاذة علم النفس، أن الظاهرة تتأثر بشكل كبير بالعوامل النفسية والفسيولوجية اليومية، التي تؤثر على كفاءة الدماغ في معالجة المعلومات وأبرزها: الضغط العصبي والإرهاق النفسي، قلة النوم أو عدم انتظامه، والتعب الذهني الشديد.
وتقول: هذه العوامل تقلل من قدرة الدماغ على تنسيق واسترجاع الذكريات بشكل صحيح، مما يزيد من احتمالية حدوث ذلك الخلط المؤقت الذي نسميه ديجافو.
لذلك أنصح الشباب بالاهتمام بالنوم المنتظم، وممارسة الرياضة بانتظام، والانخراط في أنشطة ذهنية، لأنها تعزز التركيز وتقلل من تكرار الديجافو، فالصحة النفسية والدماغية مرتبطة ارتباطًا وثيقا، وأي خلل في التوازن النفسي قد يزيد من احتمالية ظهور هذه الظاهرة.
كما تضيف د. مهدي أن إدارة التوتر والتقليل من الضغوط اليومية يساعدان الدماغ على التعامل مع المعلومات الجديدة بشكل أكثر سلاسة، ويقللان من الوهم المؤقت بالألفة الذي يسببه الديجافو.
وتضيف، جانب آخر لا يقل أهمية هو الارتباط بين الديجافو والتجارب العاطفية المكبوتة أو الصدمات النفسية غير المعالجة، أحيانًا يظهر الديجافو كاستجابة لا واعية لمحاولة الدماغ الربط بين موقف جديد وتجربة سابقة تركت أثرًا عاطفيًا قويًا، حتى وإن لم يتذكرها الشخص بوضوح، في هذا السياق، يمكن النظر إلى الديجافو كإشارة من العقل الباطن إلى وجود ملف نفسي لم يغلق بعد، لذلك، فإن جلسات العلاج النفسي أو التفريغ العاطفي قد تساعد بعض الأشخاص على تقليل تكرار الظاهرة أو فهم جذورها بشكل أعمق.
في النهاية، الديجافو ليس ظاهرة غامضة أو رسالة من عالم آخر، كما يصورها البعض في الأفلام، بل هو دليل على تعقيد ودقة الدماغ البشري في معالجة المعلومات، وبينما يواصل العلم كشف أسراره، يبقى الأهم هو فهم أن هذه التجربة جزء طبيعي من تجربة معظم البشر، وأن الانتباه إلى صحتنا النفسية والعصبية هو أفضل وسيلة للتعايش معها، فقط عندما يصبح التكرار مفرطا وغير طبيعي، يصبح من الضروري طلب المشورة الطبية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية