تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في ظل الارتفاع المتزايد لمعدلات الإصابة بسرطان الرئة في مصر، يشهد هذا المرض تحوّلًا جذريًا في أساليب التشخيص والعلاج، مع الانتقال من العلاج الكيماوي التقليدي إلى الطب الجزيئي والعلاج المناعي الموجه، يؤكد الخبراء أن الكشف المبكر والفحص الجيني الشامل أصبحا حجر الأساس لرفع فرص الشفاء وتحسين نسب النجاة.
الفحص الجزيئي
أكدت الدكتورة علا خورشيد، أستاذ علاج الأورام بالمعهد القومي للأورام بجامعة القاهرة، أن الفحص الجزيئي الشامل أصبح حجر الأساس في علاج سرطان الرئة، مشددة على أنه لا يجب بدء أي خطة علاجية قبل التعرف على الطفرات الجينية الخاصة بالمريض، وموضحة أن الاختيار الصحيح للعلاج يبدأ من الفهم الدقيق للورم على المستوى الجيني.
وشددت على أن الكشف المبكر لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة وطنية، مشيرة إلى أن التصوير المقطعي منخفض الجرعة قادر على اكتشاف الأورام في مراحلها الأولى، بل وقبل ظهور الأعراض بسنوات، مما يترجم إلى فرص شفاء أعلى ونسب نجاة أفضل للمرضى.
وأوضحت أن العلاج المناعي والعلاج الموجه لم يعودا رفاهية علاجية، بل يمثلان تحولًا حقيقيًا في السيطرة على المرض، ويجب أن يكونا متاحين لكل مريض يستحقهما.
كما أشارت إلى أن التقنيات الجراحية الحديثة، كالجراحة الروبوتية والعلاج الإشعاعي الدقيق (SBRT)، تُسهم في تحسين نتائج العلاج، وتقليل الألم والمضاعفات، وتسريع التعافي، مؤكدة أن الرعاية الداعمة وإدارة الألم جزء أساسي من الخطة العلاجية وليست مرحلة تكميلية.
سجل قومي للسرطان
أكدت د. علا، على أن الخطوة الأهم للمستقبل تتمثل في إنشاء السجل القومي لسرطان الرئة كقاعدة بيانات وطنية شاملة ومرقمنة بالكامل، تتيح تخطيطًا صحيًا دقيقًا ورصدًا فعليًا لنتائج العلاج على مستوى الدولة، مؤكدة أن مصر تمتلك الكفاءات والإمكانات لقيادة هذا التحول، وأن ما تم الاتفاق عليه خلال مؤتمر سرطان الرئة 2025 يمثل خطوة مهمة في هذا المسار.
ولفتت إلى إجماع العلماء عالميًا على أن المعركة ضد سرطان الرئة انتقلت من مفهوم "العلاج الكيماوي الشامل" إلى "الطب الجزيئي الفردي"، موضحة أن القواعد الجديدة للعلاج تعتمد على تحليل الشفرة الجينية للورم واستهدافها بدقة عالية، وتوافق العلماء المصريون والأجانب على أن مستقبل علاج سرطان الرئة يكمن في الطب الشخصي القائم على الفهم العميق للبنية الجينية والمناعية لكل ورم.
وأضافت أن الهدف الأساسي يتمثل في تحويل أحدث إنجازات العلم إلى حلول علاجية قابلة للتطبيق داخل النظم الصحية محدودة الموارد، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، مؤكدة على فاعلية استخدام الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة في خفض وفيات سرطان الرئة، إلى جانب دور الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة الفحص، وإمكانات المؤشرات الحيوية.
وذكرت أن سرطان الرئة لا يزال الأكثر فتكًا عالميًا، ويحتل المرتبة الرابعة بين أكثر السرطانات شيوعًا بين الرجال، مع تسجيل نحو 26 ألف حالة إصابة جديدة سنويًا في مصر، وأكثر من 2.4 مليون حالة جديدة عالميًا خلال عام 2022.
العلاجات الذكية
من جهته، أوضح الدكتور يسري رستم، أستاذ علاج الأورام بجامعة الإسكندرية، أن طرقًا علاجية جديدة ظهرت خلال الفترة الأخيرة تعتمد على ما يُعرف بـ "العلاجات الذكية"، مشيرًا إلى إدخال أجهزة إشعاعية متقدمة وظهور الجيل الثاني من العلاجات الموجهة، مؤكدًا أهمية الفهم العميق للبيولوجيا الجزيئية للورم في اختيار العلاج الأمثل.
وأشار إلى أن العلاج المناعي أحدث تحولًا حقيقيًا في علاج سرطان الرئة المتقدم، موضحًا أن الاستراتيجية الواعدة لمواجهة مقاومة بعض الأورام للعلاج تتمثل في الدمج بين العلاجات المناعية المختلفة أو إضافة علاجات جديدة.
كما أكد أن العلاج المناعي والعلاج الموجه غيّرا خريطة علاج سرطان الرئة بشكل جذري، لافتًا إلى الأهمية المتزايدة للخزعة السائلة كطفرة نوعية في التشخيص والمتابعة، حيث تساعد في اختيار العلاج الموجه، وتحديد الطفرات التي قد تمنح مقاومة لبعض الأدوية.
الذكاء الاصطناعي شريك في التشخيص
وفي سياق متصل، أشار الدكتور حازم أبو العباس، مساعد رئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة، إلى أن الجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والخبرة البشرية أصبح السلاح الأساسي في مواجهة الأورام، لافتًا إلى التحول الكبير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، حيث انتقل من مجرد أداة مساعدة إلى شريك حقيقي في التشخيص الدقيق، ووضع الخطط العلاجية، وتحقيق مفهوم الطب الشخصي المبني على الجينات والخصائص الفردية لكل مريض. وشدد على أن الانفتاح على الخبرات العالمية ودمج الذكاء الاصطناعي أصبحا ضرورة لا غنى عنها للارتقاء بمنظومة علاج الأورام في مصر.
الحل.. مبادرة رئاسية
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور حسين خالد، رئيس المعهد القومي للأورام ووزير التعليم العالي الأسبق، أن سرطان الرئة يشهد ارتفاعًا مستمرًا في معدلات الإصابة داخل مصر وفقًا لبيانات السجل القومي للأورام، على عكس الاتجاه العالمي الذي يشهد انخفاضًا، مشيرًا إلى أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع يعود إلى الانتشار الواسع للتدخين بكافة أنواعه داخل المجتمع المصري.
وأوضح أن هناك زيادة ملحوظة في معدلات تدخين الشيشة بين السيدات، إلى جانب الانتشار المتزايد للسجائر الإلكترونية "الفيب" بين المراهقين وطلاب المدارس، مما يضاعف خطر الإصابة بسرطان الرئة.
واستعرض د. حسين، قصص نجاح الدولة المصرية في مكافحة أمراض ارتبطت بسرطانات خطيرة، مشيرًا إلى القضاء على البلهارسيا خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الإصابة بسرطان المثانة، فضلًا عن الإنجاز التاريخي بالقضاء على فيروس سي، الذي من المتوقع أن ينعكس خلال السنوات المقبلة على خفض معدلات الإصابة بسرطان الكبد.
ودعا إلى تكرار هذه النجاحات في ملف سرطان الرئة من خلال إطلاق مبادرة رئاسية قوية للوقاية من المرض، ترتكز على الحد من التدخين ومحاربة مسبباته، مع تطبيق جميع محاور الاستراتيجيات العالمية والوطنية لمكافحة الأورام، بما يشمل الوقاية، والاكتشاف المبكر، والتشخيص الدقيق، والعلاج المتكامل.
وأشار إلى أن علاج سرطان الرئة يعتمد على الجراحة والإشعاع والأدوية، موضحًا أن العلاج الكيماوي يحقق نسب استجابة جيدة، بينما تمثل العلاجات المناعية والموجهة تطورًا كبيرًا في تحسين نتائج المرض رغم ارتفاع تكلفتها، مؤكدًا سعي الدولة لإتاحتها من خلال منظومة التأمين الصحي الشامل، إلى جانب تحديث الإرشادات العلاجية عبر المجلس الصحي المصري وفق أحدث البيانات والإحصائيات.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية