تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في قلب غرف الطوارئ، وبين أروقة العيادات اليومية، لا يخوض أطباء الأطفال معركتهم ضد الأمراض فحسب، بل يواجهون كل يوم أخطارًا من نوع مختلف، نتائج كارثية لقرارات خاطئة اتخذها الأهل بحسن نية، لكنها قادت إلى مضاعفات خطيرة، بل ومميتة في أحيان كثيرة، ما بين وصفات متوارثة، ومعلومات مغلوطة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتكرر مشاهد مأساوية ضحاياها رضع لا يملكون وسيلة للدفاع عن أنفسهم.
نرصد شهادات ميدانية من أطباء متخصصين في طب الأطفال وحديثي الولادة، يكشفون عن أشهر الأخطاء المنزلية التي تهدد سلامة الأطفال، مدعومة ببيانات ودراسات حديثة، وننتهي بمجموعة من النصائح الوقائية الضرورية لحماية حياة الرضع من خطر "النية الطيبة حين تغيب المعرفة".
عسل قاتل
يروي الدكتور أحمد فوزي، أخصائي طب الأطفال، قصة صادمة لطفل لم يتجاوز عمره شهرين، جُلب إلى المستشفى في حالة حرجة يعاني من ضعف في الحركة والتنفس، بعد فحص دقيق واستجواب الأم، تبين أنها كانت تضيف العسل إلى زجاجة الحليب لإرضاء طفلها، استجابة لنصيحة من جارة كبيرة في السن.
يحذر الطبيب من أن العسل يُمنع تمامًا للأطفال تحت سن العام، لأنه قد يحتوي على بكتيريا "كلوستريديوم بوتولينوم" المسببة لتسمم البوتولينوم، وهو نوع نادر لكنه قاتل من التسمم الغذائي، يمكن أن يؤدي إلى شلل عضلي وصعوبات في التنفس، وقد ينتهي بالوفاة إذا لم يُعالج سريعاً.
تسمم الماء
تحذر الدكتورة منى عبد الرحمن، طبيبة أطفال وحديثي الولادة، من عادة شائعة لدى بعض الأمهات، تتمثل في تخفيف الحليب الصناعي بكمية زائدة من الماء، سواء لتقليل الإمساك أو من باب التوفير، وتذكر حالة طفلة أُحضرت إلى العيادة وهي تعاني من خمول شديد وقيء متكرر، وتبين لاحقًا إصابتها بنقص حاد في الصوديوم، نتيجة "تسمم الماء".
توضح الطبيبة أن هذا النوع من التسمم ناتج عن اختلال توازن الأملاح والسوائل في الجسم، ما قد يؤثر مباشرة على الجهاز العصبي المركزي، ويهدد حياة الطفل خلال ساعات قليلة إذا لم يُتدارك.
وتدعم هذه المعلومة دراسة حديثة أجرتها شركة Perrigo Nutrition، أظهرت أن نحو 21% من الأمهات يخففن الحليب الصناعي بكميات مياه أكبر من الموصي بها، إما بدافع اقتصادي أو اعتقادًا بجدوى ذلك على صحة الطفل، وهي ممارسة تؤثر سلبًا على توازن السوائل.
وفي سياق متصل، كشفت دراسة أمريكية موسعة نُشرت في مجلة Pediatrics، أن نحو 38% من الأسر تشجع أطفالها على إنهاء زجاجة الحليب حتى بعد الشعور بالشبع، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالسمنة في الطفولة بنسبة تصل إلى 69%، خاصة لمن اعتادوا على إنهاء الزجاجة قسرًا خلال أولى شهور عمرهم.
الأعشاب ليست دائما طبيعية
من أكثر الأخطاء شيوعاً أيضاً، استخدام الأعشاب كبديل للأدوية، يروي الدكتور ياسر الشافعي، استشاري طب الأطفال، حالة رضيع تعرض لتشنجات قوية بعد أن أعطته والدته مشروباً عشبيًا لتسهيل نومه، كانت الوصفة مأخوذة من مجموعة على "فيسبوك"، ولم تكن الأم على دراية بمكونات المشروب.
يؤكد د. ياسر أن "الطبيعي" لا يعني دائمًا "آمن"، فبعض الأعشاب تحتوي على مهدئات أو مركبات سامة تؤثر سلبًا على الجهاز العصبي والهضمي للرضيع، بل إن بعضها أكثر خطورة من الأدوية نفسها، نظرًا لعدم وجود جرعة واضحة أو رقابة على جودتها.
سموم في متناول اليد
قصة أخرى أكثر خطورة يرويها الدكتور هاني عصام، أخصائي الأطفال، عن طفل يبلغ عامين أُحضر إلى الطوارئ بأعراض غير معتادة؛ احمرار شديد في العين، دوخة، نهم للطعام، تسارع في ضربات القلب، وبرودة في الأطراف، بعد الفحص والتحاليل، تبين أنه تناول قطعة من مادة يُشتبه أنها "حشيش"، كانت في متناول يده في منزل أحد الأقارب.
يؤكد د. هاني أن محاولات الأهل العفوية لإعطائه الحليب أو المطهرات المعوية لم تساعد، بل أدت إلى تأخر في العلاج، هذه الحالات تستدعي نقلًا فوريًا إلى مركز السموم، ومراقبة دقيقة في العناية المركزة لمدة لا تقل عن 48 ساعة، إذ إن التأخير قد يتسبب في تلف دائم بالمخ أو توقف مفاجئ للقلب.
التسمم الصامت
تحذر الدكتورة رانيا لطيف، طبيبة أطفال، من أخطاء يومية تتعلق بسوء استخدام الأدوية، تذكر حالة ابتلاع طفلة لكمية من كريم فرد الشعر، ما تسبب في آلام بالفم وانتفاخ البطن وفقدان القدرة على الرضاعة، في حالة أخرى، تسببت جرعة زائدة من دواء خافض للحرارة في إصابة طفل بتسمم باراسيتامول، نتيجة استخدام 5 سم من النقاط بدلًا من الشراب، بناء على اعتقاد الأم أن النقاط "أخف".
تشرح د. رانيا أن تركيز النقاط أعلى من الشراب بمرتين، وأن الجرعة الصحيحة تحسب بدقة حسب وزن الطفل؛ نقطة إلى نقطتين لكل كيلو جرام، ونصف سم لكل كيلو للشراب، وتحذر من الاعتماد على الاجتهاد الشخصي أو نصائح غير مختصين عند إعطاء الدواء.
الجذور العميقة للأزمة
يرى الدكتور عماد فوزي، طبيب الأطفال، أن جذور هذه الأخطاء ترجع إلى غياب الثقافة الطبية الأساسية لدى الكثير من الأمهات، بالإضافة إلى الانتشار الواسع للمعلومات المضللة على الإنترنت، لا سيما في مجموعات التواصل الاجتماعي.
ويقول: "كثير من الأمهات يعتبرن نصائح الأقارب أو جروبات الفيسبوك بديلاً مجانيًا عن زيارة الطبيب، فيتأخر التدخل المناسب، خصوصًا في حالات التسمم أو الجفاف، حيث تكون كل دقيقة حاسمة".
ويضيف أن التكاليف المادية ليست دائما السبب، بل في أحيان كثيرة يعود الأمر إلى اعتقاد راسخ بأن "الخبرة الشعبية" تكفي.
ويقترح دمج التثقيف الطبي ضمن برامج متابعة الحمل والولادة، وإطلاق مبادرات إعلامية توعوية موجهة بلغة بسيطة تستهدف الأمهات، مع تعزيز الثقة في المؤسسات الصحية.
خريطة الوقاية
في ضوء الحالات السابقة، يضع الدكتور عماد فوزي مجموعة من النصائح العملية لحماية الرضع:
-لا تعطِ طفلك أي طعام أو شراب قبل التأكد من ملاءمته لمرحلته العمرية، بما في ذلك العسل والأعشاب.
-لا تستخدمي الأدوية بناء على تجارب الأمهات أو منشورات الإنترنت.
- راجعي تعليمات الجرعة بعناية، واستشيري الطبيب أو الصيدلي عند أي شك.
- خزني الأدوية والمواد الكيميائية والكريمات بعيدًا عن متناول الأطفال.
- خصصي وقتًا منتظماً للتثقيف الذاتي من مصادر موثوقة مثل مواقع وزارات الصحة أو الجمعيات الطبية المعتمدة.
قبل أن يبدأه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية