تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : العادات والتقاليد المصرية.. تراث يذوب في زحام العصر
source icon

سبوت

.

العادات والتقاليد المصرية.. تراث يذوب في زحام العصر

كتب:د. نسرين مصطفي

تُعد العادات والتقاليد مرآة صادقة تعكس هوية الشعوب وخصوصيتها الثقافية؛ فهي ليست مجرد طقوس اجتماعية أو مظاهر احتفالية، بل تمثل منظومة متكاملة من القيم والممارسات التي تشكّلت عبر أجيال، وترسّخت في وجدان الناس، فصار لها حضور في تفاصيل الحياة اليومية، وفي الوعي الجمعي للمجتمع.

في مصر، حيث تتعانق الحضارات ويتقاطع التاريخ مع الحاضر، شكّلت العادات والتقاليد عمودًا فقريًا للهوية الوطنية، بل وأداةً لحفظ التماسك الاجتماعي، من لَمّة العائلة، إلى طقوس الميلاد والزواج والموت، إلى المأكولات والمناسبات والاحتفالات الشعبية.

ومع تسارع وتيرة التغيّر العالمي، وانفتاح المجتمعات على أنماط حياة مختلفة، بفعل العولمة والتكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة، بدأت ملامح هذا التراث تتغير تدريجيًا، إن لم تكن تتلاشى. فمن طقوس "السبوع" التي كانت تُقام في بهجة جماعية، إلى زيارات الأهل المتبادلة في رمضان، ومن تقاليد العزاء والمواساة، إلى مشاركة الطعام مع الجيران في الأفراح والمآتم كل ذلك بات جزءًا من الذاكرة، لا من الواقع المعاش.

حين تختفي "القُلّة" من الشرفات، وتغيب أطباق الضيافة عن البيوت، وتتحوّل المجالس العائلية إلى محادثات رقمية سريعة، ندرك أن ثمّة خللًا أصاب نسيجنا الاجتماعي. فهل نحن أمام تطوّر طبيعي تفرضه معطيات العصر الحديث؟ أم أننا بصدد فقدٍ تدريجي لهويتنا الثقافية؟

في هذا السياق، تتعدد الآراء وتتنوع القراءات، فالبعض يرى في هذا التغير حتمية لا مفر منها، بينما يحذر آخرون من طمس متدرج لجذورنا المجتمعية. 

في هذا التقرير، نحاول أن نرصد أبرز العادات التي اندثرت أو تغيرت، ونحلل أسباب هذا التحوّل، من خلال عدسة علم الاجتماع، وبالاستعانة بآراء الخبراء، لنطرح السؤال الجوهري: كيف نحافظ على ما تبقى من هويتنا الثقافية في زمن يتغير فيه كل شيء؟

جزء من الثقافة العامة
ترى الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها، أن العادات والتقاليد جزء من الثقافة العامة، فالمفهوم الدارج للثقافة هو القدرة على الاطلاع والمعرفة، أما المفهوم العلمي فهو يشمل العادات والتقاليد والقيم وكل ما يتصل بنشاط الإنسان باعتباره عضوًا في جماعة.

 وبالتالي، فالمَلبس والطعام والتعاملات وأسلوب الحياة كلها ثقافة، بكل ما تشمله من عادات وتقاليد وقيم وأفعال وتوقع ردود أفعال وتصرفات وتوقّع تأثير التصرفات على الآخرين.

إرث عظيم
تواصل د. هالة قائلة إن المجتمع المصري، نتيجة لإرثه التاريخي الكبير والممتد، لديه إرث ثقافي كبير من العادات والتقاليد والقيم، لأن من سمات الثقافة الاستمرارية والانتقال من جيل إلى جيل، بالإضافة إلى أنها متغيرة تترك أشياء وتكتسب أخرى على مدار التعامل في الحياة الإنسانية. 

فلو نظرنا إلى العادات والتقاليد المصرية نجد أن جزءًا منها يعود إلى أيام الفراعنة، مثل الاحتفال بسبوع المولود أو مراسم العزاء ومرور 40 يومًا على المتوفى، وكلها عادات فرعونية انتقلت لنا من جيل لجيل، وكلها لها أسباب.

العولمة والميديا
وأضافت أن التاريخ المصري منذ الفراعنة مرورًا بالدولة الفاطمية والقبطية والعثمانيين وحتى أثناء الاحتلال، شهد عادات وتقاليد موجودة في نسيج الشخصية المصرية، ولكن كانت مقاومة الشخصية المصرية للدفاع عن عاداتها وتقاليدها كبيرة. ومع ظهور العولمة والسوشيال ميديا وانتشار أدوات الميديا، والنظر للثقافة الغربية وكأنها الثقافة الأجدر والأقوى، ظهرت الانهزامية عند بعض الناس والتخلي عن بعض العادات والتقاليد رغبة في الانصياع للمنطق الغربي أو للتشبّه بالقيم الغربية، على اعتبار أنها قيم الطبقة العليا، بداية من اللغة حتى الممارسات والعادات. 

فهنا حدث نوع من التأثير القوي على العادات والتقاليد المصرية خلال الثلاثين سنة الماضية، وفقدت العادات والتقاليد قوتها، بل بالعكس، اختفى الحوار الثقافي وظهر الصراع الثقافي، خاصة أننا كمجتمع ننتقي الممارسات التي تتماشى مع الأهواء، كعادات الطعام والتعامل وحتى عادات النوم، مما أحدث تخبطًا في العادات والتقاليد المصرية.

المحشي وأكلات أخرى
وتقول د. هالة، إن العولمة والثقافة الغربية أحدثتا تخبطًا حتى على مستوى الطعام، فانتشرت البرجر والوجبات السريعة، والبيتزا، وهي غريبة على الثقافة المصرية وارتبطت بجيل معين. 

فبدأ طعام المنزل يختفي، خاصة المحشي والرقاق والبط، وهي أنواع من الطعام تحتاج إلى مجهود في الإعداد ومجهود في تناولها أيضًا، بالإضافة إلى سيطرة المنظومة العالمية ممثلة في العولمة، وبدأنا نعتبر الطعام نوعًا من الطبقية.

البحث عن الطبقية
وعن أشهر الاحتفالات التي اختفت، تقول إن سبوع المولود وأعياد الميلاد كلها احتفالات اختفت، وأصبح الهدف هو البذخ وليس السعادة، وأصبح الهدف هو الاستعلاء الطبقي. لذا، أوجه رسالة إلى كل المصريين: ابحثوا عن السعادة من خلال العودة إلى عاداتكم وتقاليدكم، وهو الأمر الذي سيمنحكم قيمة اجتماعية وراحة نفسية أكثر من التطلع الطبقي.

وأكدت أن هناك عددًا من الطقوس التي كانت تسبب البهجة والسعادة وللأسف اختفت من عاداتنا، منها على سبيل المثال عمل الكحك في المنزل والعزومات التي كانت تمنح البهجة والسعادة بسبب التجمع العائلي وتبادل الأطباق بين الجيران والأقارب.

العودة للعادات والتقاليد
وأشارت أستاذة علم الاجتماع إلى أن الإعلام له دور كبير في إحياء العادات والتقاليد التي اندثرت، من خلال دراما هادفة تعزز أنماطًا من العادات الإيجابية وتضعف أنماطًا أخرى سلبية. وأضافت أن أهم تلك العادات هي التجمعات العائلية، فهي لها بعد نفسي واجتماعي لابد أن نؤكد عليه ونعزّزه، ونؤكد أنه النموذج الأصلح والأفضل.

الاحتفال طبقًا للعصر
تقول الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن العادات والتقاليد المصرية تتغير نتيجة تغيّرات مختلفة في المجتمع ورتم الحياة وطبيعة التطور، ولكن الاحتفال لا يزال موجودًا ولكن بطريقة مختلفة.
 
فعلى سبيل المثال، سبوع المولود ما زال يُحتفل به حتى الآن، وكذلك الاحتفال بالعروس ومنحها الهدايا، ولكن طريقة الاحتفال اختلفت نظرًا لطبيعة العصر، فمثلًا أصبحت هناك طرق أخرى للاحتفال بالمولود، خاصة مع ظهور الكهرباء، مما أدى إلى اختفاء الشموع على سبيل المثال. لكن إعطاء "النقطة" للمولود وللعروس لا زال موجودًا، بل في السابق لم تكن هناك محلات للحلويات والشوكولاتة أثناء زيارة الأقارب، وهكذا. فالتطور أخفى بعض العادات في مقابل ظهور عادات أخرى، ولكن طبقًا للعصر.

ثقافة مختلفة
وأضافت، لو تحدثنا عن الاحتفال بعيد الفطر وعمل الكحك في المنزل، نجد أنه تطور، فالثقافة المصرية أصبحت مختلفة، لأنه في السابق كانت توجد ربات البيوت، أما الآن، فالمرأة أصبحت مرتبطة بعملها، بالإضافة إلى اختفاء ظاهرة الخادمات التي كانت منتشرة في المنازل.

 فأصبح من الأسهل والأيسر على المرأة شراء الكحك، خاصة في ظل انتشار محلات الحلويات بشكل كبير، وهو أمر لم يكن في السابق، حيث كان أشهر محل هو "جروبّي" فقط. 

وكانت القُلّة منتشرة في البيوت لأنه لم تكن هناك ثلاجات، أما الآن، فالوضع مختلف حيث أصبحت هناك ثلاجة في كل بيت، لذا تم الاستغناء عن القُلّة، وهكذا.

الأكلات الشعبية
ويقول الشيف أحمد فؤاد، توجد العديد من الأكلات الشعبية التي تعتبر الآن من الفلكلور الشعبي وليست منتشرة بالشكل المطلوب، رغم احتوائها على قيمة غذائية مرتفعة، ومنها:
الويكة: من الأكلات التاريخية التقليدية التي توارثتها الأجيال في صعيد مصر، وتفنّن أهل الصعيد في تقديمها.
الخبيزة: من الأكلات المصرية الصميمة المعروفة منذ العصر الفرعوني، وهي من أهم الأكلات النباتية اللذيذة والغنية بالعناصر الغذائية.
الفول النابت: وجبة اقتصادية تساهم في بناء العضلات وتحتوي على معادن مفيدة.
البصارة: أكلة فرعونية غنية بالألياف الغذائية والبروتينات.

ويواصل فؤاد، اختفاء تلك الأكلات المهمة يرجع إلى عدة أسباب، على رأسها انتشار الوجبات السريعة، ولجوء الشباب إلى مطاعم الوجبات الغربية، بالإضافة إلى السوشيال ميديا التي لها دور كبير في انتشار الأفكار الغربية، والتي أثرت على رتم الحياة السريع بصرف النظر عن القيمة الغذائية، مما انعكس على صحة الأجيال الشابة القادمة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية