تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : الطلاق الرمادي.. أزمة صامتة تهدد استقرار الأسرة بعد سن الخمسين
source icon

سبوت

.

الطلاق الرمادي.. أزمة صامتة تهدد استقرار الأسرة بعد سن الخمسين

كتب:مروة علاء الدين

 كان يُعتقد لوقت طويل أن تجاوز الزوجين لسن الخمسين هو بمثابة حصن منيع يحمي العلاقة من الانهيار، وأن سنوات العمر الطويلة بما حملته من خبرات وتحديات كفيلة بترسيخ الاستقرار العاطفي والأسري، غير أن الواقع يكشف عن مفارقة صادمة؛ فمرحلة ما بعد الخمسين لم تعد دائمًا عنوانًا للسكينة، بل باتت مسرحاً لظاهرة متنامية عُرفت في الأدبيات الاجتماعية باسم "الطلاق الرمادي"، أي الانفصال المتأخر بعد عقود من الحياة المشتركة.

الأرقام والدراسات تؤكد أن هذه الظاهرة لم تعد استثناءً عابراً، بل اتخذت منحى تصاعديًا لافتاً، فقد أشارت دراسة أمريكية بعنوان "ثورة الطلاق الرمادي" أن معدلات الطلاق بين من تجاوزوا الخمسين عامًا تضاعفت منذ بداية التسعينيات، حتى باتت اليوم تمثل نحو ثلث حالات الطلاق المسجلة، ما يكشف عن تحول لافت في طبيعة الانفصال الأسري المتأخر.

هذه المعطيات تضع خبراء الاجتماع والأسرة أمام تساؤلات ملحة حول أسباب تفشي الظاهرة وسبل مواجهتها.

ضغوط متراكمة
يؤكد الدكتور وليد محمد، أستاذ علم الاجتماع، أن الطلاق بعد سن الخمسين نادراً ما يكون قراراً مفاجئاً، بل هو القشة التي قصمت ظهر بعمر من التراكمات، ويوضح: "هذا القرار هو محصلة لسنوات طويلة من الإهمال العاطفي وغياب التواصل الفعّال بين الزوجين، فمع مغادرة الأبناء المنزل لتكوين أسرهم الخاصة، يجد الزوجان نفسهما أمام ما يُعرف بمرحلة "الأعشاش الفارغة"، وجهاً لوجه مع صمت مطبق وروتين خانق، فتظهر فجأة الفجوة العاطفية التي طالما تم تجاهلها.

تحولات جسدية واجتماعية 
يلعب العمر وحتمية التغيرات المصاحبة له دوراً كبيراً في تأجيج الخلافات، فخلال مرحلة انقطاع الطمث، تعيش العديد من النساء حالة من المراجعة الشاملة لحياتهن، ويعبرن عن رفضهن لتحمل الضغوط أو السلوكيات التي كن يتجاهلنها سابقا، في المقابل يميل بعض الرجال، مع تحسن صحتهم الجسدية أحيانًا بفضل الأدوية المحفزة، إلى خوض تجارب جديدة أو البحث عن إثارة، مما قد يفتح الباب أمام نزعات تزيد من حدة الخلافات.

ويضيف د. وليد، "دخول مرحلة التقاعد يعيد ترتيب أولويات الحياة ويكشف عن فجوات في التوافق لم تكن واضحة في سنوات الانشغال بالعمل وتربية الأبناء، كما أن ارتفاع نسب الزواج الثاني، الذي تُظهر الدراسات أنه يحمل مخاطر أكبر للانفصال، يساهم في الظاهرة، ولا ننسى تغير الأدوار الاقتصادية، فاستقلال المرأة المالي يجعلها أكثر جرأة في اتخاذ قرار الانفصال إن شعرت بأن العلاقة فقدت معناها وقيمتها".

تبعات عميقة
لا يقتصر أثر الطلاق الرمادي على الجانب العاطفي، بل يخلف وراءه دمارًا اقتصاديًا واجتماعياً طويل الأمد، وتشير الدراسات إلى أن النساء يتأثرن اقتصادياً بشكل أكبر، حيث ينخفض مستوى معيشتهن بنسبة تصل إلى 45% مقارنة بـ 21% فقط لدى الرجال، وهو ما يعكس هشاشة الوضع المادي والاجتماعي للمرأة في هذه المرحلة العمرية الحساسة.

ويشرح د. وليد، أن مشكلة السكن تبرز كأحد أكبر التحديات، في ظل ارتفاع أسعار العقارات، مما يضطر البعض للعودة للعيش مع الأبناء أو الانتقال إلى سكن مشترك، مما يفرض أعباء مالية إضافية، كما يفقد المطلقون جزءًا من مكانتهم الاجتماعية ويواجهون عزلة نسبية، خاصة مع البعد الجغرافي عن دوائرهم الاجتماعية، مما يصعب عملية إعادة الاندماج ويضاعف من الشعور بالوحدة.

أزمة هوية
توضح الدكتورة زينب مهدي، أستاذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية، أن الطلاق الرمادي لا يترك أثره على الوضع المعيشي والاجتماعي فقط، بل يفتح الباب أمام أزمة نفسية عميقة قد تُشبه في بعض جوانبها فقدان الهوية، فبعد سنوات طويلة من لعب دور الزوج أو الزوجة، يجد أحد الطرفين نفسه فجأة بلا هذا الدور المركزي، مما يولّد شعورًا بالتيه والوحدة، وتضيف أن بعض المطلقين بعد الخمسين يدخلون في دوامة من القلق والاكتئاب، بينما يحاول آخرون تعويض هذا الفراغ بعلاقات سريعة وغير مستقرة، وهو ما قد يزيد من تفاقم الأزمة بدلا من حلّها.

الوجه العربي
لم تعد الظاهرة حكرًا على المجتمعات الغربية، بل بدأت ملامحها تتضح في المنطقة العربية، تشير الدكتورة ميرفت رجب، الاستشارية الأسرية والتربوية، إلى أن الاستقلالية المالية للمرأة العربية لعبت دورًا رئيسيًا في ذلك، فمع تزايد أعداد النساء العاملات وامتلاكهن مصادر دخل ثابتة، أصبحت لديهن حرية أكبر في اتخاذ قرار الانفصال إذا شعرن بأن العلاقة فقدت قيمتها، كما ساهم تغير النظرة المجتمعية تجاه الطلاق، خاصة في المدن الكبرى، في كسر حاجز "الوصمة" الذي كان يمنع كثيرات من الإقدام على هذه الخطوة، وتضيف أن التأثيرات الثقافية والإعلامية وانتشار الوعي بقضايا الصحة النفسية والحقوق الفردية جعلت العديد من الأزواج والزوجات أكثر جرأة في مواجهة أزماتهم بدلا من الاستسلام لعلاقة غير مُرضية.

تأثير ممتد
ترى المستشارة الأسرية سارة ممدوح، أن تأثير الطلاق الرمادي يمتد ليصيب الأبناء البالغين وحتى الأحفاد بارتباك نفسي واجتماعي رغم أن الأبناء في هذه المرحلة يكونون راشدين، إلا أنهم يشعرون بصدمة عاطفية عند انهيار صورة "البيت الآمن" التي نشأوا عليها، كما أن هذا الانفصال يربك العلاقات الممتدة داخل الأسرة، ويضعف من مكانة الجد والجدة كرموز للاستقرار العائلي، وتشير ممدوح إلى أن معالجة هذه التداعيات تتطلب وعيا جماعيا ودعما نفسيا واجتماعيا، حتى لا يتحول الطلاق الرمادي إلى حلقة من الانفصال العاطفي المتكرر عبر الأجيال.

الحلول الممكنة
وتشدد سارة ممدوح على أن الحل لا يكمن فقط في تشخيص الأسباب، بل في العمل على الوقاية عبر حلول عملية، منها:
- التواصل المستمر: فغياب الحوار يفتح الباب أمام الفجوة العاطفية التي تتسع مع الزمن.
- تجديد العلاقة: من خلال إعادة اكتشاف الاهتمامات المشتركة، سواء بأنشطة جديدة أو رحلات.
- طلب المساعدة المتخصصة: فالتوعية بجدوى الاستشارات الأسرية أو العلاج النفسي أمر حيوي، إذ يساعد الأزواج على التعامل مع الخلافات في بدايتها قبل أن تتفاقم وتصل إلى نقطة اللاعودة.

فالطلاق الرمادي لم يعد شأناً خاصًا يخص أطراف العلاقة فحسب، بل تحول إلى ظاهرة اجتماعية تستدعي وقفة جادة من المختصين والمؤسسات المعنية لتقديم الدعم والاستشارات التي يمكن أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من العلاقات، وتخفف من وطأة الآثار على من يفترقون بعد مسيرة طويلة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية