تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مع حلول شهر رمضان، تواجه العديد من الأسر تحديًا في إعداد وجبات الإفطار، خاصة مع ضيق الوقت وكثرة الالتزامات اليومية، مما دفع البعض إلى البحث عن حلول بديلة، في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة "الطباخات السريّات"، وهن سيدات يعملن من منازلهن في تحضير الوجبات المنزلية، معتمدات على الطلبات المسبقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعضهن ربات بيوت يسعين إلى تحقيق دخل إضافي، وأخريات محترفات في الطهي ولديهن قاعدة زبائن دائمة.
هذه الظاهرة، التي لاقت رواجًا واسعًا، تطرح عدة تساؤلات حول تأثيرها الاقتصادي، مدى جودتها، وتأثيرها الصحي.
مشروع اقتصادي واعد
يرى الدكتور أحمد عزت، الخبير الاقتصادي، أن انتشار مشاريع الطهي المنزلي يعكس تحولًا في سوق العمل، حيث يمنح النساء فرصة للعمل بمرونة دون الحاجة إلى استثمارات كبيرة، ويضيف:
"لم يعد الأمر مقتصرًا على إعداد الطعام، بل أصبح نموذجًا لريادة الأعمال المنزلية، إذ تلجأ العديد من السيدات إلى تقديم خدمات متنوعة، مثل تجهيز الولائم الرمضانية وإعداد الوجبات الصحية."
ولضمان استدامة هذه المشاريع، يقترح د. عزت مجموعة من الإجراءات يجب اتباعها وهي:
1- إنشاء منصات مرخصة لتوثيق الطباخات ومراجعة أدائهن.
2- تعاون الجهات الحكومية مع الجمعيات الأهلية لتقديم تدريبات في معايير النظافة وإدارة المشاريع.
3- تعزيز الوعي لدى المستهلكين حول معايير اختيار الطعام المنزلي.
فوفقًا لتقديرات الخبراء، ارتفع الطلب على الوجبات المنزلية في رمضان بنسبة 30% مقارنة بالسنوات الماضية، مدفوعًا بالرغبة في تناول طعام صحي ومجهز بعناية، وتشير دراسة حديثة في 2025 إلى أن 85% من المصريين يفضلون الطهي المنزلي خلال رمضان، ما يعكس استمرار العادات الغذائية التقليدية رغم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
مخاطر صحية محتملة
على الرغم من مزايا الطعام البيتي، تحذر الدكتورة شيرين زكي، استشاري سلامة الغذاء، من غياب الرقابة على بعض هذه المشاريع، مما قد يؤدي إلى مشكلات صحية، وتؤكد على ضرورة أ، يتأكد المستهلك من نظافة الطعام ومصادر المكونات، خاصة مع عدم وجود رقابة رسمية على معظم هذه المطابخ من خلال:
1- التأكد من السمعة عبر توصيات الأقارب أو تقييمات الإنترنت.
2- طلب عينة مسبقة لاختبار الجودة قبل الالتزام بوجبات لفترات طويلة.
3- متابعة طرق التحضير عبر الصور أو الفيديوهات التي تعرضها الطباخات.
ظاهرة اجتماعية جديدة
يقول الدكتور وليد رشاد، أستاذ علم الاجتماع، إن انتشار الطباخات السريّات يعكس تحولات اجتماعية واقتصادية، ويمكن فهمها من خلال عدة عوامل:
- تغير دور المرأة: مع زيادة نسبة النساء العاملات، أصبح من الصعب التوفيق بين العمل وتحضير الطعام.
- التحولات الاقتصادية: تسارع وتيرة الحياة وارتفاع تكاليف المعيشة جعلا بعض الأسر تفضل دفع تكلفة وجبات جاهزة بدلًا من قضاء ساعات في المطبخ.
- التطور التكنولوجي: منصات التواصل الاجتماعي سهلت تسويق هذه الخدمات، حيث تعتمد معظم الطباخات على مجموعات "فيسبوك" و"واتساب" للترويج لأنفسهن.
- التغيرات الثقافية: مع العولمة، ظهرت أنماط استهلاكية جديدة تركز على الراحة والسرعة، مما عزز انتشار مشاريع توصيل الطعام البيتي.
قصص من داخل المطبخ
وراء كل مشروع طهي منزلي قصة كفاح وتحدٍ تقول أم محمد، المقيمة في المطرية، أنها تبدأ يومها قبل الفجر بشراء المكونات الطازجة لتحضير وجبات الإفطار لعشرات الأسر، وهي بدأت المشروع لمساعدة الأسر المشغولة وتحقيق دخل إضافي، وتقول: "سمعتي هي رأس مالي، لذلك أحرص على تقديم طعام نظيف ولذيذ."
ولقد بدأت سحر عبد الرحمن بمصر الجديدة مشروعها بطهي المكرونة البشاميل والبطاطس باللحمة لصديقاتها العاملات، ثم انتشر الأمر عبر "فيسبوك"، وعن أسباب لجوء الأسر إلى الطباخات السريّات، ترى سحر أن ضغط العمل جعل الكثير من النساء العاملات لا يجدن وقتًا كافيًا للطهي، كذلك الرغبة في الأكل البيتي الصحي، أما في رمضان فتلجأ العائلات إلى الطباخات لتجهيز كميات كبيرة من الطعام في العزومات.
أما منى سعيد، فقد بدأت بطهي وجبات لخمس أسر فقط، لكنها اليوم تدير فريقًا من 6 سيدات ويصل إنتاجها إلى 100 وجبة يوميًا، وتطمح لتحويل مشروعها إلى مطبخ يحمل علامتها التجارية.
من جانبها، استطاعت هدى محمد، رغم إعاقتها الجسدية، تحويل مهاراتها في الطهي إلى مشروع ناجح، حيث أصبحت متخصصة في إعداد وجبات صحية لمرضى السكري والضغط، وتؤكد: "أردت أن أوفر خيارات غذائية تناسب من يعانون من مشكلات صحية، ونجحت في تكوين قاعدة زبائن مخلصين."
مبادرات مصرية
استجابة لهذه الظاهرة، أطلق المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع مؤسسة "حياة كريمة" ووزارة الأوقاف مبادرة "مطبخ المصرية... بإيد بناتها" ضمن المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية.
وتهدف المبادرة إلى تدريب السيدات على مهارات الطهي الاحترافي، الإدارة الاقتصادية للمكونات، ومعايير الجودة وسلامة الغذاء، مما يساعدهن على دخول سوق العمل بمهارات تنافسية.
وتوضح الدكتورة نسرين البغدادي، نائب رئيسة المجلس، أن المبادرة تنتشر في مختلف المحافظات، حيث يحصل المشاركات على تدريب عملي مكثف، إلى جانب تقديم وجبات غذائية للأسر الأكثر احتياجًا، في خطوة تعزز التكافل الاجتماعي وتفتح آفاقًا جديدة للمرأة المصرية في مجال ريادة الأعمال الغذائية.
اعتراف رسمي
رغم التحديات، تبدو "الطباخات السريّات" جزءًا متناميًا من الاقتصاد غير الرسمي في مصر، يجمع بين تمكين المرأة وريادة الأعمال المنزلية، وبينما تستمر الأسر في البحث عن حلول عملية تلائم نمط الحياة السريع، تبقى جودة الطعام المنزلي، والنظافة، والاعتراف الرسمي بمثل هذه المشاريع، عوامل أساسية لضمان استدامة هذه الظاهرة وتطورها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية