قال الشاعر أحمد شوقي : " الصوم حرمان مشروع ، وتأديب بالجوع ، وخشوع لله وخضوع ولكل فريضة حكمة ، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة ، يستثير الشفقة ، ويحض على الصدقة ، ويكسر الكبر ، ويعلم الصبر ، ويسن خلال البر ، إذا جاع من ألف الشبع ، وحرم المترف أسباب المتع ، عرف الحرمان كيف يقع ، والجوع كيف ألمه إذا لذع " .

طالما تأملت هذه الأبيات الشعرية خاصة جملة "لكل فريضة حكمة"، فهل الهدف من الشعور بالجوع والعطش هو الشعور بالفقراء فقط، وهل الصيام يقتصر على الجوانب الروحية والنفسية، أم أن له أهمية على صحتنا الجسدية .

الصيام في الأديان

تقول دائرة المعارف البريطانية: "إن أغلب الأديان، فرضت الصيام وأوجبته، فهو يلازم النفوس حتى في غير أوقات الشعائر الدينية ، يقوم به بعض الأفراد استجابة للطبيعة البشرية".

وفي القرن العشرين ظهر عدد من الكتب الطبية في أمريكا وأوروبا تتحدث عن فوائد الصوم الطبي ، فكان هناك " التداوي بالصوم " لشلتون،  وكتاب " الصوم الطبي : النظام الغذائي الأمثل " لآلان كوت ، و " الصوم أكسير الحياة " لهنرك تانر ، و " العودة إلى الحياة السليمة بالصوم الطبي " للوتزنر"

مواجهة ضغوط الحياة

"يولد الصيام القدرة على تحمل ومواجهة ضغوط الحياة وبالتالي يساعد في الوصول إلى الاستقرار النفسي، كما أنه يبعث الشعور بالأمل ويبعد المريض النفسي عن عزلته،  إذا اقترن بالتواصل خاصة وأنه يحقق توازن في هرمونات ومشاعر الصائم"، كانت تلك الكلمات وصفا لأثر الصيام على الإنسان للدكتورة ثناء جبريل، أستاذ علم النفس الاجتماعي في حديثها معي، مؤكدة أنه يخفف من حدة أعراض القلق والغضب والأرق، نتيجة استغلال الجسم لطاقته الداخلية في القيام بعملياته ووظائفه الحيوية.

وأكدت أن الصيام فرصة رائعة للمرضى الذين يعانون من مختلف أشكال الإدمان وأهمها التدخين، كما أنه يساهم في تهذيب النفس ويمنح الفرد قوة الإرادة والصبر والتحكم في الغضب ليكون قادراً على تغيير حياته نحو الأفضل.

فائدة صحية بشروط

أما عن فوائد الصيام الجسدية فتحدث عنها الدكتور محمد عبد الآخر مدرس الباطنة، بكلية الطب جامعة الأزهر قائلا: "بداية وقبل الحديث عن فوائد الصيام على الصحة البدنية علينا الإشارة إلى أن هذه الفوائد لا تتحقق إلا من خلال نمط يوم صحي متكامل، فيجب أن تكون وجبة الإفطار والسحور بكميات معتدلة، وتحوي تنوع غذائي صحي وأن يمارس الصائم نشاطاً بدنياً معتدلاً، بعيداً عن كثرة النوم والخمول بالاضافة إلى الامتناع عن السلوكيات الضارة مثل التدخين والنرجيلة والسهر طوال الليل".

وأوضح أن الصيام يحافظ على الصحة العامة للجسم عبر التوازن وإعادة التنشيط الذي يؤدي على سبيل المثال إلى إيقاف الالتهابات ومحفزات أمراض القلب والسرطان، حيث يخلّص الجسم من الخلايا التالفة والقديمة، ويستبدلها بخلايا صحية جديدة، قبل أن يستطرد مضيفا: كما أنه  يساعد بالدرجة الأولى على حرق الدهون للحصول على الطاقة خلال فترة الصيام، وهو ما يساعد الجسم في التخلص من السموم المخزنة في الدهون  وبالتالي المساهمة في إنقاص الوزن دون إحداث أي أضرار على صحة الجسم، مثل تلك التي تحصل في حالات الصوم الطويل المتواصل المتّبعة لعلاج أمراض السمنة واضطرابات التغذية.

تحسين صحة الدم

وأشار الدكتور عبد الآخر، إلى أن للصيام أيضا تأثير على تحسين صحة الدم من خلال زيادة عدد كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية ، وتخفيض ضغط الدم، متابعا: ويؤثر أيضا على هرمونات جسم الصائم بصورة كبيرة وإيجابية، حيث يصاحب الصيام تغيرات هرمونية تهدف للحفاظ على إمداد خلايا الجسم بالطاقة اللازمة لأداء الوظائف الحيوية والفسيولوجية المختلفة. فعلى سبيل المثال تنخفض مستويات هرمون الأنسولين، بعد ساعات من تناول وجبة السحور. فيرتفع هرمون الجلوكاجون، للحفاظ على الجلوكوز في الدم عند مستويات طبيعية عبر تحلله في العضلات والكبد. ويحفز كل من هرموني الجلوكاجون والكورتيزول الجسم على إنتاج الطاقة، عبر التحول إلى أكسدة الأحماض الدهنية الموجودة في الأنسجة. فيلجأ جسم الصائم إلى تحليل بروتينات العضلات للحصول على الأحماض الأمينية المنتجة للجلوكوز، وهو ما يسبب شعور الوهن.

ولفت إلى أن فائدة الصيام، تظهر بشكل جلي عند المصابين بالالتهابات الهضمية المزمنة ، وفي طليعتها: الالتهاب المعدي المزمن ، وعسر الهضم ، وتلبك الأمعاء إذ يحمل إلى هؤلاء راحة قد تتجاوز الشهر، وأثر كبير في شفائهم،  كما أن المصابين بتشنج القولون كثيرا ما يستفيدون من الصيام، مؤكدا أن راحة الجهاز الهضمي أمر أساسي للخلاص السريع من بعض حالات الارتيكاريا والحكة التي قد تنتج عن بعض الأغذية.

فوائد صلاة التراويح

وذكر الأستاذ بكلية طب الأزهر،  أن للصيام فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب ، وذلك لأن 10 % من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم ، وتنخفض هذه الكمية أثناء الصوم حيث لا توجد عملية هضم أثناء النهار ، وهذا يعني جهدا أقل وراحة أكبر لعضلة القلب.، موضحا فائدته في علاج ارتفاع ضغط الدم ، فإنقاص الوزن الذي يرافق الصيام يخفض ضغط الدم بصورة ملحوظة ، كما أن الرياضة البدنية من صلاة التراويح والتهجد وغيرها تفيد في خفض ضغط الدم المرتفع .