تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في ظل اتجاه العالم نحو الطب التكاملي والبحث عن حلول طبيعية مستدامة، تعود نبتة الشيح إلى الواجهة بشكل قوي، لكن هذه المرة بدعم من الأبحاث الحديثة والمعايير العلمية الصارمة، هذه النبتة التي ارتبطت بأساطير الطب الشعبي منذ آلاف السنين، بدءًا من بردية إبيرس المصرية (1550 ق.م)، تحولت اليوم إلى مادة بحثية تثير اهتمام كبرى شركات الأدوية.
بين أوراقه الخضراء ورائحته النفاذة، يختبئ تاريخ طويل جعل الشيح أحد أشهر النباتات الطبية في الطب الشعبي حول العالم، هذا العشب الذي ارتبط في الذاكرة الشعبية بمواجهة الديدان المعوية وتسكين آلام المعدة، تحول اليوم إلى مادة بحثية تثير اهتمام العلماء، بعد أن كشفت الدراسات عن احتوائه على مركبات فعالة في مكافحة الطفيليات والالتهابات، بل ووصف بعضها بقدرة استثنائية على مهاجمة الخلايا السرطانية، ومع ذلك، يبقى الوجه الآخر للنبتة حاضرًا، إذ يحمل في مكوناته مواد قد تصبح سامة إذا استخدمت بجرعات عالية أو لفترات طويلة، ما يضعه بين خانة الدواء والغموض، وبين إغراء الفوائد الطبية المثبتة ورهبة المخاطر المحتملة، يبرز سؤال مصيري: كيف يمكن الاستفادة من الشيح بأمان دون الوقوع في فخ مخاطره الخفية؟
الوجه العلمي للشفاء
يؤكد الدكتور كريم علي، أخصائي علوم السموم، أن نبتة الشيح ليست مجرد وصفة تراثية، بل كنز دوائي أثبتت الدراسات الحديثة فعالياته المتعددة فمركباته، وعلى رأسها "الأرتيميسينين"، دخلت في أكثر من 77 دراسة سريرية حول العالم، منها 35 ركزت على مكافحة الطفيليات و16 تناولت دوره في مقاومة السرطان، إلى جانب 12 دراسة بحثت تأثيراته المضادة للالتهابات.
ويوضح د. كريم، أن الشيح يستخدم كمضاد قوي للطفيليات المعوية والبلهارسيا، كما أظهرت التجارب المخبرية أنه قادر على تقليص بقاء بعض الخلايا السرطانية بنسبة تجاوزت 90% خلال 24 ساعة فقط، أما على مستوى الصحة اليومية، فيعتبر مشروب الشيح مساعدًا للهضم، مقللًا للغازات والانتفاخات، وله تأثيرات محتملة في تحسين وظائف المخ بفضل خصائصه المضادة للأكسدة.
وفيما يتعلق بالدورة الدموية، يوضح د. كريم أن بعض الأبحاث أظهرت أن الشيح قد يساهم في تنشيط الدورة الدموية ورفع مستويات الطاقة، إضافة إلى دعمه لصحة الكبد من خلال دوره في المساعدة على التخلص من السموم.
ويضيف، أن للشيح استخدامات جلدية في علاج الصدفية وبعض التهابات البشرة، لكن رغم هذه الفوائد، يشدد على أن احتواءه على مركب "الثوجون" قد يجعله سامًا إذا استهلك بجرعات مرتفعة أو لفترات طويلة.
الشيح والقولون
يقول الدكتور عماد سلامة، أخصائي التغذية العلاجية، إن الشيح يعد من الأعشاب التي تلعب دورًا مهما في دعم صحة المعدة والقولون، إذ يساعد على تخفيف أعراض عسر الهضم والمغص والانتفاخات، كما يسهم في تنظيم حركة الأمعاء والتقليل من الإمساك أو الإسهال، وهو ما يجعله خيارًا طبيعياً لمشاكل القولون الشائعة.
كما أن بعض الدراسات ربطت بين تناول مشروب الشيح والقدرة على تهدئة الجهاز العصبي، مما ينعكس في تقليل الأرق واضطرابات النوم والصداع، غير أن هذه الفوائد تحتاج إلى ضبط الجرعات لتفادي أي آثار جانبية.
وعد لم يكتمل بعد
كان لمشتقات "الأرتيميسينين" وهي المادة المستخلصة من الشيح، التي تعد حجر الزاوية في العلاجات المركبة المضادة للملاريا، دور محوري في خفض معدل الوفيات العالمية بالملاريا بنسبة 47% تقريبا على مدى عقدين من الزمن، وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية.
ولقد أجريت دراسات عديدة على مادة "الأرتيميسينين" والتي أظهرت قدرة على تثبيط نمو خلايا سرطان القولون في التجارب الحيوانية، عبر تحفيز الجهاز المناعي لمنع تكاثر الأورام.
إلا أن معظم هذه الأبحاث لم تصل إلى مرحلة التجارب السريرية على البشر، مما يجعل النتائج غير كافية لاعتماد الشيح كعلاج فعلي للسرطان حتى الآن، ومع ذلك، يراهن العلماء على إمكانية دمجه مستقبلًا مع العلاج الكيماوي لزيادة فعاليته.
قيمة اقتصادية متنامية
أما على الصعيد الاقتصادي، تحولت النبتة إلى سلعة عالمية بامتياز، حيث بلغت قيمة سوق "الأرتيميسينين" نحو 1.2 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.8 مليار دولار بحلول 2028، هذا النمو الكبير يضع النبتة في صلب التنافس بين الاستخدامات الدوائية القائمة على الأبحاث والتوجهات التجارية التي قد تطغى أحيانا على الجوانب العلاجية.
بينما يظل تناول الشيح كشاي ضمن جرعات محدودة وآمنة ممارسة مقبولة، فإن اللجوء إليه كبديل عن العلاجات الطبية الموثوقة للأمراض المستعصية - دون إشراف طبي - قد يؤدي إلى عواقب صحية جسيمة، ومع تسارع الأبحاث لاستكشاف إمكانات هذه النبتة، يصبح الفيصل بين تراثها الشعبي وتطبيقاتها العصرية هو "الدليل العلمي"، فمستقبل الشيح مرهون بالقدرة على تحويل أسطورتها الشعبية إلى بروتوكولات علاجية دقيقة، تليق بتاريخها العريق وتفي بوعودها المستقبلية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية