تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "السم في المياه".. مخاطر التخلص من البلاستيك في النيل
source icon

سبوت

.

"السم في المياه".. مخاطر التخلص من البلاستيك في النيل 

كتب:محمود جودة

رغم أن نهر النيل هو شريان الحياة في مصر، إلا أنه يواجه تهديداً مضاعفًا بفعل التلوث، خاصة من النفايات البلاستيكية التي تحوله تدريجيًا من مصدر للنماء إلى بيئة طاردة للحياة، وبين مخلفات صناعية وزراعية، وبلاستيكية، بات النهر محاصرًا بأزمة بيئية متعددة الأوجه، تهدد صحة الإنسان والاقتصاد معًا، في ظل إدارة غير فعالة للنفايات، وجهود حكومية ومجتمعية لازالت تحاول الإنقاذ من الخطر.

خطر متزايد
حذر الدكتور حازم محمود، استشاري الدراسات البيئية، من أن البلاستيك أصبح ثاني أخطر تهديد بيئي بعد الاحتباس الحراري، مشيرًا إلى أن معدلات التلوث ستتضاعف 3 مرات خلال العقد المقبل، ما لم تتخذ خطوات رادعة.

المصانع والتلوث الصناعي
وقال د. حازم، أن 67% من النفايات الصلبة في مصر لا تدار بشكل آمن، بل تحرق أو تلقى في مكبات مكشوفة أو تصرف في المياه، وفي المناطق الريفية، لا تتجاوز نسبة جمع النفايات 15%، مما يجعل النيل مستودعاً مفتوحاً لنفايات المنازل والمصانع، وخاصة البلاستيك أحادي الاستخدام، والذي يعتبر من أخطر أنواع الملوثات.

خسائر اقتصادية وبيئية
وتتحمل البيئة والاقتصاد عبئًا متزايداً بسبب التلوث، فقد خسر البحر المتوسط، وفق دراسة أوروبية عام 2019، ما قيمته 641 مليون يورو سنويًا في قطاعات السياحة، الصيد، والصناعة نتيجة التلوث البلاستيكي.

أما في مصر فحسب استشاري الدراسات البيئية، تقدر تكلفة تلوث الموارد المائية بـ 3.55 مليار جنيه سنوياً، وهذه التكلفة معرضة للارتفاع لتصل إلى 9.5 مليار جنيهاً إذا استمر الوضع بنفس وتيرة التلوث الحالي، كما انخفض إسهام نهر النيل في الإنتاج السمكي من 6.5% عام 2010 إلى 3.9% في 2022، مع اختفاء أنواع كاملة من الأسماك النيلية.

مبادرات مكافحة التلوث
لمواجهة خطر التلوث البلاستيكي الذي يهدد نهر النيل، بدأت الحكومة المصرية والمجتمع المدني في اتخاذ خطوات متصاعدة، للحد من هذه الأزمة البيئية، ويوضح الدكتور حامد سيد، خبير التنمية المحلية، أن وزارة الري كثفت جهودها لرفع المخلفات من مجرى النهر، حيث يتم رفع ما يقرب من 10 أطنان من المخلفات البلاستيكية شهرياً، في محاولة للحد من تراكم النفايات العائمة، كما أسفرت مبادرة نفذتها الوزارة في جزيرة القرصاية بالقاهرة وحدها، عن جمع نحو 200 طن من البلاستيك.

موسوعة جينيس
وأطلقت وزارة البيئة حملات توعوية، وتنظيف بيئي في عدد من المحافظات الساحلية، من بينها "الغردقة خضراء"، و32 حملة لتنظيف شواطئ الإسكندرية، بينها حملة دخلت موسوعة "جينيس" كأكبر حملة تنظيف للشواطئ، شارك فيها متطوعون من مختلف الأعمار.

 كما وضعت البيئة حسب د. حامد، هدفًا استراتيجيًا، يتمثل في خفض استهلاك الأكياس البلاستيكية إلى 50 كيس للفرد سنويا بحلول عام 2030، بالتوازي مع تشجيع بدائل أكثر استدامة.

تفعيل الرقابة
وتشريعيًا، أصدرت الدولة قانون تنظيم إدارة المخلفات رقم 202 لسنة 2020، الذي يهدف إلى ضبط منظومة جمع النفايات، وتشجيع الاستثمار في مجال إعادة التدوير، ودمج القطاع غير الرسمي الذي ظل لعقود طويلة خارج إطار الاقتصاد الرسمي، ويمثل هذا القانون نقلة في إدارة النفايات، لكنه ما زال بحاجة إلى تفعيل ورقابة ميدانية.

فري نايل
وقال خبير التنمية المحلية، أن المجتمع المدني والقطاع غير الحكومي كان لهما دوراً فاعلاً، حيث برزت مبادرة مثل "فري نايل" كمثال حي، وتمكنت من جمع نحو 225 ألف زجاجة بلاستيكية خلال 45 يوما فقط من مجرى النهر، وأطلقت برامج توعية بيئية استهدفت الأطفال والشباب، إلى جانب مبادرة "الصيادين" التي وفرت دخلا بديلا لنحو 55 صيادا، من خلال منحهم حوافز مادية مقابل جمع البلاستيك من النهر.

مبادرات نسائية
وأسهمت مبادرات نسائية في تحويل البلاستيك إلى مصدر دخل، من خلال ورش حرفية لصناعة منتجات منزلية لإعادة تدوير المخلفات، وتم تصدير بعض هذه المنتجات إلى الخارج، أبرزها مشروع أرسل كميات من البلاستيك إلى إسبانيا لإعادة تدويره.

وتعتبر هذه المبادرات وغيرها، نواة لحلول بديلة تقوم على تقليل الاستهلاك للبلاستيك، وتوفير حوافز للمواطنين مقابل تسليم المخلفات، لكن التحدي لا يزال كبيرا، حيث تبقى هذه الجهود بحاجة إلى توسيع نطاقها، وربطها باستراتيجية وطنية شاملة، تدمج بين التوعية، والتشريع، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر.

القرصاية والفرص الخضراء
في جزيرة القرصاية وحدها، أسهم مشروع لتدوير البلاستيك في توفير عشرات فرص العمل الدائمة والموسمية، وإشراك 4500 متطوعا في أنشطة بيئية وتدريبية، تستهدف إنشاء مصائد بلاستيكية، وخطوط إنتاج خضراء تعمل بالطاقة الشمسية.

حلول دائمة
ويوصي الخبراء باعتماد نظام الاقتصاد الدائري، الذي يركز على تقليل الاستهلاك وإعادة الاستخدام والتدوير، وتشير التقديرات إلى أن القيمة السوقية للبلاستيك المدفون في مصر تصل إلى 7.2 مليار دولار، ما يجعل من الاستثمار في هذه النفايات فرصة اقتصادية واعدة، كما تعطي التقنيات الحديثة، مثل الإنزيمات القادرة على تحليل البلاستيك، بارقة أمل نحو حلول أكثر استدامة.

ومع اقتراب دخول الاتفاقية العالمية لمكافحة التلوث البلاستيكي، حيز التنفيذ العام الجاري 2025، فإن التحدي الأكبر لا يزال قائما، وهو كيف نوقف السم قبل أن يتحول شريان الحياة إلى نهر موت؟

السلسلة الغذائية لا يمكن علاجها
ويحذر الدكتور أحمد فاروق، أستاذ الكيمياء، من خطورة استمرار التخلص من النفايات البلاستيكية في نهر النيل، مؤكداً أن البلاستيك لا يتحلل بالكامل، بل يتكسر إلى جزيئات دقيقة تعرف بالميكروبلاستيك، وهي جسيمات لا ترى بالعين المجردة، لكنها تدخل مباشرة إلى السلسلة الغذائية، ويضيف أن هذه الجزيئات تصل إلى الإنسان عبر مياه الشرب أو الأسماك النيلية، ما ينذر بتراكم مواد سامة في الجسم تؤثر على الكبد والكلى، وتسبب اضطرابات هرمونية، وأمراض مزمنة يصعب الاكتشاف المبكر لها.

ويؤكد د. فاروق، أن المياه الملوثة بالبلاستيك لا يمكن معالجتها بالطرق التقليدية وحدها، بل تحتاج إلى تقنيات متطورة أكثر تكلفة، محذرا من أن الاستمرار في تجاهل حجم هذه الجزيئات في النيل، قد يجعلنا أمام أزمة صحية صامتة، لا تقل خطورة عن أزمة الفيروسات.

الاقتصاد الدائري.. الحل
كما أوضحت إيمان الطوخي، باحثة في مجال الاقتصاد الأخضر، أن مشكلة التلوث البلاستيكي في النيل، لا يمكن حلها فقط بالحملات المؤقتة أو المشروعات الصغيرة، بل تحتاج إلى إدماج حقيقي لمفهوم الاقتصاد الدائري في السياسات العامة، وتشير إلى أن العديد من المبادرات الشعبية أثبتت إمكانية تحويل النفايات إلى فرص اقتصادية، لكنها تواجه تحديات لوجيستية وتشريعية تعيق انتشارها على نطاق أوسع.

وأضافت، أن التخلص من البلاستيك يجب أن يقترن ببدائل حقيقية في السوق، وتحفيزية للمستهلك والمصنع على السواء، وهذا لن يتحقق بدون دعم مؤسسي واضح، وتمويل مشروعات إعادة التدوير، وربطها بمصانع وطنية قادرة على تشغيل هذه الكميات بدلا من تصديرها للخارج.

رصد الصحة العالمية
دعت منظمة الصحة العالمية المجتمعات، في اليوم العالمي للبيئة، لإيجاد حلول دائمة لمكافحة التلوث بالبلاستيك، وذلك لحماية الكوكب والصحة العامة للبشر.

وقالت المنظمة أن التلوث بالبلاستيك يصل لإمدادات المياه ومصادر الغذاء والهواء، وحتى في لبن الأم، وتوقعت وصول الاستهلاك العالمي من البلاستيك إلى 516 مليون طن العام الحالي، ووصول الاستهلاك إذا استمر نفس النمط الحالي إلى 1.2 مليار طن سنويا بحلول 2060، وأكدت المنظمة أن 13 مليون إنسان يتوفون سنويًا بسبب العوامل البيئية، نصفهم بسبب تلوث الهواء.

وأكدت أن 9% فقط من النفايات البلاستيكية يعاد تدويرها في العالم، وأن 21% فقط من البلاستيك يمكن إعادة تدويره بشكلٍ مجدي اقتصادياً.

حجم التلوث البلاستيكي في النيل
تلفت الدراسات البيئية، إلى تصريف نحو 2.6 مليار متر مكعب من المخلفات الصناعية سنويًا في نهر النيل، عبر أكثر من 100 مصرف ومنشأة تصب فيه دون معالجة كافية، ما يؤدي إلى انتشار الطحالب والسموم وتراكم البلاستيك.

ورغم أن معدل استهلاك الفرد للبلاستيك في مصر منخفض نسبيًا، إلا أنها تتصدر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تسريب النفايات البلاستيكية إلى البحار، وتحتل المرتبة السابعة عالمياً، بحسب تقرير صادر عن البنك الدولي، ويقدر أن 74 ألف طن من النفايات البلاستيكية التي تلوث البحر الأبيض المتوسط تأتي من مصر، و70% منها عبر نهر النيل.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية