تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "الستين مش نهاية".. رحلة ذهبية تبدأ بعد التقاعد
source icon

سبوت

.

"الستين مش نهاية".. رحلة ذهبية تبدأ بعد التقاعد

كتب: محمود جودة

بعد سن الستين، يشعر الإنسان بانخفاض طاقته، ويبدأ في البحث عن الراحة، خاصة بعد خروجه على المعاش إذا كان موظفًا. وتبدأ مرحلة جديدة في حياته، قد تكون مليئة بالعزلة والملل والشعور بالفراغ. فبعد التقاعد وانشغال الأبناء، يجد كثير من كبار السن أنفسهم أمام فراغ يومي، قد يؤثر سلبًا على صحتهم النفسية والجسدية، وهنا تبرز أهمية وجود أنشطة متنوعة تحافظ على نشاطهم العقلي والبدني، وتمنحهم شعورًا بالإنجاز والانتماء.

وعلى النقيض من ذلك، نجد آخرين فوق الستين بدأوا حياة جديدة ثرية بالطموحات، استكمالًا لمسيرة مليئة بالخبرات والثقافات، سواء بتأسيس مشروع جديد، أو تدشين جمعية أهلية، أو العمل كمستشار أو مدرب أو باحث، أو ممارسة القراءة والأبحاث. أعمال تفتح أمامهم مستقبلًا جديدًا يساهمون خلاله في التنمية ويدعمون الشباب بخبراتهم العملية، فيتحولون من العزلة والفراغ إلى التأثير الإيجابي والانشغال بمسؤوليات جديدة تملأ وقتهم وتمنحهم شعورًا بالقيمة.

إن إشغال وقت كبار السن ليس مجرد وسيلة لقتل الفراغ، بل هو استثمار في صحتهم وسعادتهم، وضمان لحياة أكثر توازنًا وطمأنينة. لذلك تُعرف هذه المرحلة بـ "الذهبية"، لأنها مليئة بالحيوية والإنجاز.

بداية وليست نهاية
حين دق جرس التقاعد، شعر ياسر أ.، الموظف السابق بإحدى الإدارات الصحية، أن صفحة طويلة من عمره طُويت بعد أكثر من ثلاثين عامًا قضاها بين الأوراق والملفات، في روتين يومي يبدأ مع الفجر وينتهي عند الغروب، ومع لحظة الخروج على المعاش، تملكه فراغ لم يعرفه من قبل، فقرر أن يقلب المعادلة، ويكتب فصلًا جديدًا من حياته، لا مكان فيه للعزلة أو انتظار الأيام.

لم يتعامل ياسر مع المعاش كنهاية، بل كبداية مختلفة، استعاد مدخراته وجلس يخطط لما تبقى من العمر، فاختار الدخول في مجال تجارة الأراضي، الذي يحتاج إلى صبر وخبرة في التعامل مع الناس، لم يكن دافعه ماديًا فقط، بل رغب في أن يظل منتجًا، قادرًا على الوفاء بالتزامات أسرته الكبيرة، من تجهيز بناته للزواج إلى الحفاظ على مستوى حياة يليق بسنوات كفاح طويلة.

اليوم، يقف أمام مشروعه بخطوات واثقة، يتعلم ويخطئ ويصيب، لكن الأهم أنه لم يستسلم لفكرة التقاعد السلبي، يرى نفسه شابًا في الستين، يستثمر خبراته في بناء غدٍ مختلف، ويمنح أسرته أمانًا نفسيًا واقتصاديًا، وبالنسبة له لم يعد المعاش نهاية الرحلة، بل بداية لطريق جديد يثبت فيه أن العمر بعد الستين يمكن أن يكون مساحة للعطاء لا محطة توقف.

حب العمل ودفء العائلة
مرت خمس سنوات منذ أن أنهت الحاجة ر.م. عملها الإداري في أحد المعاهد الأزهرية بالقاهرة، كانت تبدأ يومها بنشاط وحب، محاطة بزملاء يقدرون إخلاصها، لكن لحظة التقاعد بدت لها قاسية، إذ شعرت أن بابًا أُغلق إلى الأبد، وأن حياتها التي اعتادت أن تدور حول العمل انتهت فجأة.

انعكس ذلك على حالتها النفسية، فغمرها الإحباط والشعور بالوحدة، وكأنها لم تعد مرغوبة أو ذات دور يُذكر، ومع مرور الوقت، أدرك أبناؤها معاناتها، فقرروا أن يكونوا سندًا حقيقيًا لها، اجتمعوا حولها وأطلقوا مشروعًا صغيرًا يحمل اسمها، لا يتطلب جهدًا يوميًا منهكًا، لكنه منحها شعورًا بالوجود والاستمرارية.

شيئًا فشيئًا استعادت قوتها النفسية، وتيقنت أن لكل مرحلة من العمر رسالتها الخاصة، وأن دورها لم ينتهِ بل تغيّر شكله ليصبح دعمًا ومساندة لأبنائها، واليوم رغم بساطة المشروع، تكمن قيمته الحقيقية في إعادة الثقة لامرأة ظنت أن التقاعد يعني النهاية، لقد منحها المشروع راحة نفسية، وأعاد إليها الإحساس بالجدوى، لتواصل رسالتها الكبرى داخل أسرتها، وتثبت أن العطاء لا يرتبط بعمر، بل بإرادة لا تعرف الاستسلام.

ثقافة العمل تواجه التخلف الثقافي
توضح الدكتورة سوسن فايد، خبيرة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن من هم فوق الستين يتأثرون سلبًا بالعزلة والفراغ، لكن بدرجات متفاوتة، وفق ظروف كل منهم، والعامل المشترك هو مستوى الثقافة والخبرة المتراكمة، فكلما كان أفق الشخص أوسع، استطاع استغلال قدراته بطرق تمنحه السعادة الداخلية، وتجعله أكثر توازنًا نفسيًا.

وأضافت أن بعض الأفراد يعانون من "تخلف ثقافي" يجب معالجته بالتوعية، حتى يصبح المجتمع أكثر إيجابية وقدرة على مواجهة المشكلات. فثقافة العمل والإتقان قادرة على غرس روح التحدي والأمل داخل الفرد.

وأكدت د. سوسن، أن من يبقى بلا هدف بعد الستين قد يصبح أكثر عنفًا أو توترًا بسبب الفراغ، لذا يجب توجيهه نحو مؤسسات أو مراكز تستفيد من خبراته، مثل المدارس المجتمعية التي تؤهل غير المتعلمين، ليستمر في العطاء والإنتاج.

وترى أن من يعمل في مشروع جديد بعد الستين، يمكن استغلال طاقاته وخبراته الكبيرة في دعم الاقتصاد الوطني، والمشاركة في العمل الأهلي أو التنموي أو التدريبي أو الفني، ليكون قدوة للأجيال الأصغر سناً، ومثالًا على الإيجابية في مواجهة الفراغ والعزلة.

مشاركة محدودة
كما أكدت الدكتورة هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب، أن مشاركة كبار السن فوق الستين في المشروعات الحرة ما زالت محدودة للغاية، ولا تتجاوز 5% من إجمالي المشروعات القائمة، وأرجعت ذلك إلى ثقافة المجتمع التي لا تشجع هذه الفئة على الاستمرار في العمل، رغم ما تملكه من خبرات وقدرات يمكن أن تفيد الاقتصاد والمجتمع.

وأوضحت أن التجارب العالمية، خاصة في أوروبا وألمانيا، تنظر إلى ما بعد الستين كبداية مرحلة جديدة من الشباب، حيث يستثمر الأفراد خبراتهم في تأسيس مشروعات أو أعمال تطوعية، بينما في مصر، ما زال التصور السائد أن التقاعد يعني التوقف عن الإنتاج والاكتفاء بالراحة.

اندماج إيجابي 
وشددت د. هالة على أن دمج كبار السن في مشروعات صغيرة أو متناهية الصغر يعود بالنفع على المجتمع من جانبين: الأول الاستفادة من خبراتهم المتراكمة، والثاني إبعادهم عن العزلة والانطوائية، بما يعزز اندماجهم الإيجابي في الحياة العامة.

ورأت أن الإعلام والدراما قادران على لعب دور محوري في تغيير الصورة الذهنية عن مرحلة ما بعد الستين، لتصبح فترة عطاء مستمر، لا انسحابًا من الحياة.

وأوضحت أن أهم ما يحتاجه الفرد قبل بلوغ سن التقاعد هو تراكم خبرات حياتية ومهنية تمكنه من بدء مشروع يتناسب مع ميوله، من خلال دراسة السوق واكتساب مهارات إدارية وحديثة مثل اللغات والتعامل مع التكنولوجيا.

وأضافت أن هناك مجالات واسعة يمكن أن يشارك فيها كبار السن، من الأعمال التطوعية عبر أكثر من 60 ألف جمعية أهلية في مصر، إلى المشروعات المنزلية الصغيرة التي تعتمد على صناعات بسيطة كالورق والفويل والأدوات المعدنية، وهي منتجات تُستورد بكميات كبيرة رغم إمكانية تصنيعها محليًا.

وترى أن التسويق الإلكتروني يمثل نافذة واعدة لكبار السن، لأنه يوفر فرص عمل من المنزل دون مجهود بدني كبير، ويواكب التحول الرقمي الحديث.

واختتمت بالتأكيد على أن هذه الفئة العمرية ما زالت قوة عاملة قادرة على الإنتاج، وأن تعطيلها خسارة للمجتمع والاقتصاد معًا، داعية إلى تبني سياسات وتشريعات تدعم دمج كبار السن في سوق العمل، وتغيير الثقافة العامة بما يضمن بقاءهم عنصرًا فاعلًا في التنمية.

أعداد فوق الستين
تُظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أعداد كبار السن في مصر في تزايد مستمر، حيث تجاوزوا 8.8% من عدد السكان، بواقع 9.3 مليون نسمة، بينهم 5.7% فوق 65 عامًا أي نحو 6 ملايين شخص، بينهم نحو 420 ألفًا في قوة العمل.

هذا التنامي يفرض تحديات على مستوى الرعاية الصحية والاجتماعية، لكنه في الوقت ذاته يفتح آفاقًا لدمج هذه الفئة في عملية التنمية، عبر مشروعات صغيرة أو مبادرات أهلية وسياسات حكومية متكاملة. فبدلًا من النظر إلى كبار السن باعتبارهم عبئًا، يمكن أن يصبحوا قوة إضافية تدعم الاقتصاد والمجتمع إذا أُحسن استثمار خبراتهم وقدراتهم.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية