تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لم يعد تأجير الأرحام قضية طبية ضيقة، بل تحوّل إلى ملف عالمي متفجر يثير جدلاً لا ينتهي بين كونه حلاً إنسانياً لمواجهة العقم، وبين اعتباره باباً لتسليع الأمومة والمتاجرة بالجسد، تعود جذور الفكرة إلى ثمانينيات القرن الماضي، حين سُجّلت أولى حالات "الأم البديلة" في بريطانيا وأمريكا، لتفتح الباب أمام صناعة أثارت موجات متلاحقة من النقاشات الفقهية والقانونية والأخلاقية.
اليوم، لم يعد النقاش مقتصراً على "الرحم المستأجر"، بل دخلت التكنولوجيا على الخط بقوة، ففي مطلع هذا العام، أعلنت شركة صينية عن ابتكار روبوت مزوّد برحم صناعي قادر على احتضان الجنين حتى عشرة أشهر في بيئة تحاكي الرحم البشري، وبينما يرى فيه البعض بارقة أمل لملايين الأزواج المحرومين من نعمة الإنجاب، يعتبره آخرون تهديداً مباشراً لمفهوم الأمومة وحدود التدخل العلمي في دورة الحياة الطبيعية.
تعريف فقهي
وبينما تتطور التكنولوجيا إلى حد الحديث عن أرحام صناعية، يبقى الجدل الأكبر مرتبطاً بالجانب الشرعي والفقهي، حيث يُعرّف الدكتور محمد سالم، الباحث في قضايا الفقه المعاصر، تأجير الأرحام بأنه: «اتفاق يُزرع بموجبه جنين ناتج عن تلقيح بويضة امرأة في رحم أخرى تُعرف بـ"الأم البديلة"، وغالباً ما يتم اللجوء إليه حين تكون صاحبة البويضة غير قادرة على الحمل بسبب مرض أو عيب خلقي».
ورغم المنافع الطبية الظاهرة، أثارت هذه الممارسة جدلاً كبيراً، خصوصاً بعدما تحولت في بعض الدول إلى سوق تجارية تستغل النساء الفقيرات تحت شعارات إنسانية، ليصبح الإنجاب سلعة تُعرض وتُطلب.
انتشار خفي
في حين تنتشر هذه الظاهرة علناً في بعض الدول الغربية، فإنها لا تزال محاطة بالسرية في المجتمعات الإسلامية، نتيجة الحرج الشرعي والاجتماعي، لكن المؤشرات تكشف عن تنامٍ تدريجي لها، مدفوعاً بالحاجة الطبية أو إغراءات سوق الخصوبة العالمية، حتى بات الترويج لها يظهر عبر الإنترنت بعروض وأسعار متفاوتة.
إجماع شرعي
يؤكد د. سالم أن تأجير الأرحام محرم شرعاً بجميع صوره، لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الأمومة والتلاعب بأقدس الروابط الإنسانية.
وقد جاء هذا الحكم متوافقاً مع قرارات المجامع الفقهية الكبرى مثل: مجمع البحوث الإسلامية، مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجالس الإفتاء في الدول الإسلامية.
ويستشهد بقول النبي ﷺ: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، ما يقطع بأن الطفل يُنسب إلى المرأة التي ولدته، حتى وإن لم تكن صاحبة البويضة، وهو ما يفتح أبوابا خطيرة للجدل في قضايا النسب.
أمومة للبيع
تحويل الأمومة إلى سلعة تجارية يجعل من جسد المرأة أداة للإيجار، في معادلة أشبه بـ"عقود العمل"، من هنا يحذر د. سالم من الأبعاد الأخلاقية والإنسانية لهذه الممارسة، ومنها:
- استغلال الفقيرات: في كثير من الحالات، لا تلجأ النساء إلى هذه الممارسة عن قناعة، بل تحت ضغط الحاجة الاقتصادية، فتجد الفقيرات في الهند أو نيبال أو بعض دول إفريقيا أنفسهن أمام إغراء المال كطريق وحيد للخروج من دائرة الفقر، ما يفتح الباب واسعاً أمام استغلالهن تحت لافتات إنسانية.
- نزاعات قضائية: المعضلة لا تتوقف عند استغلال الأرحام، بل تمتد إلى ما بعد الولادة، فكم من نزاع قضائي اندلع بين الأم الحاملة وصاحبة البويضة حول أحقية تربية الطفل، ليُصبح المولود محور صراع قانوني ونفسي، في وقت يفترض أن تكون بدايته مليئة بالاستقرار والأمان العاطفي.
التخلي عن المولود: إحدى المآسي الأخلاقية التي تُسجل ضد هذه الظاهرة هي تخلّي بعض الأزواج عن الأطفال في حال ولادتهم مصابين بإعاقة أو مرض وراثي، هنا يتحول الطفل إلى "منتج معيب" يتم رفضه، وكأن العلاقة بين الوالدين والطفل ليست رابطة دم بل صفقة تجارية مشروطة.
- صدمة نفسية: من الزوايا المسكوت عنها أيضاً الأثر النفسي على الأم البديلة. فارتباطها العاطفي بالجنين خلال 9 أشهر لا يمكن إنكاره بيولوجيا أو إنسانياً لحظة الولادة، عندما يُنتزع الطفل منها لتسليمه إلى الأسرة المتعاقدة، تتحول التجربة إلى جرح نفسي عميق، قد يترك آثاراً طويلة المدى من الاكتئاب أو الشعور بالذنب أو فقدان جزء من الذات.
ضوابط شرعية
ويختم د. سالم بقوله: «الشريعة لا تعارض التقدم العلمي، لكنها تضع له ضوابط تحمي الكرامة والأنساب، فالتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب مقبولان شرعاً إذا كانا بين زوجين في إطار الزواج الشرعي، دون تدخل طرف ثالث، أما إدخال رحم مستأجر في المعادلة، فهو تجاوز يهدد أهم مقاصد الشريعة: حفظ النسب والعِرض».
مواقف متباينة
- في بريطانيا، تشير كيم كوتون، أول أم حاضنة قانونية، إلى أزمة نقص الأمهات البديلات رغم تزايد الطلب، موضحة أن نحو 400 طفل يُولدون سنوياً عبر تأجير الأرحام مقارنة بـ 50 فقط قبل عام 2008، وغالبية الحالات تُجرى في الخارج بسبب تعقيد القوانين المحلية.
وتشير تقارير دولية حديثة إلى أن سوق تأجير الأرحام يشهد نمواً متسارعاً على المستوى العالمي، إذ قدّر تقرير Global Market Insights حجمه بنحو 22.4 مليار دولار في 2024، مع توقعات ببلوغه أكثر من 200 مليار دولار بحلول 2034، بمعدل نمو سنوي يفوق 24%. ورغم وجود تباين بين التقديرات وفق اختلاف المنهجيات، فإن الاتجاه العام يعكس توسعا ملحوظاً، وتحتل أميركا الشمالية الصدارة بنسبة تقارب 38% من حجم السوق، بينما تمثل أوروبا نحو 27% مع بروز دول مثل أوكرانيا وجورجيا كمراكز لجذب "سياحة الخصوبة"، أما آسيا والمحيط الهادئ، فتسجل أسرع معدلات النمو، رغم القيود القانونية المتزايدة في بعض الدول مثل الهند وتايلاند.
قوانين متباينة
يختلف الإطار القانوني لتأجير الأرحام من دولة إلى أخرى، ففي معظم الدول الأوروبية، تُمنع الممارسة التجارية استناداً إلى قوانين الاتحاد الأوروبي التي ترفض استغلال الجسد للربح، أما كندا فتسمح فقط بالنماذج غير التجارية، بحيث يُغطى الإنفاق دون تحقيق مكاسب مالية، وفي المقابل، تتبنى دول مثل الولايات المتحدة (بعض الولايات ككاليفورنيا)، أوكرانيا، روسيا، وجورجيا تشريعات أكثر مرونة، تسمح بالتأجير التجاري وتحوّله إلى سوق مفتوح.
تهديد للأسرة
الدكتور خالد رفعت – أستاذ أمراض النساء والتوليد – يوضح أن تأجير الأرحام يعد إجراء "غير طبيعي" يتصادم مع المنظومة الإنسانية والشرعية للأسرة؛ ويشرح أن تكوين الجنين في رحم امرأة غريبة، حتى وإن كان ناتجاً عن بويضة الأم وحيوان منوي من الزوج، يفتح الباب أمام إشكالية خطيرة تتعلق بالنسب: "من ستكون الأم الحقيقية؟ صاحبة البويضة أم صاحبة الرحم التي حملت ووضعت الطفل؟".
ويضيف أن خطورة الممارسة لا تقتصر على البعد البيولوجي فقط، بل تمتد إلى الأبعاد النفسية والقانونية، حيث قد يطالب كل طرف بحقه في الطفل، مما يثير نزاعات معقدة تهدد مفهوم الأمومة الذي استقر عبر التاريخ.
إرباك شرعي
أما الدكتور محمد خالد الورداني – مدرس النساء والولادة بجامعة الأزهر ومتخصص في أطفال الأنابيب – فيؤكد أن الرحم من الناحية الطبية "مجرد وعاء" لا ينقل الصفات الوراثية للجنين، لكنه يلفت إلى أن هذا التوصيف العلمي لا يقلل من خطورة الظاهرة شرعياً واجتماعياً، إذ إن دخول امرأة ثالثة في عملية الإنجاب يربك أحكام النسب في الشريعة الإسلامية، التي تنص بوضوح على أن الطفل يُنسب للمرأة التي أنجبته، ويشير إلى أن الأزهر الشريف وكبرى المجامع الفقهية حول العالم أجمعت على التحريم المطلق لتأجير الأرحام، سواء كان بمقابل مادي أو حتى على سبيل التطوع، لأنه يخرق واحدا من أهم مقاصد الشريعة وهو حفظ النسب.
أبعاد صحية
في المقابل، يحذر الدكتور جمال أبو المجد – أستاذ التوليد وأمراض النساء – من إغفال البعد الصحي والنفسي في النقاشات المتعلقة بتأجير الأرحام، ويؤكد أن الرحم ليس مجرد "مكان محايد" لإيواء الجنين، بل هو بيئة نشطة تنقل إليه هرمونات وعوامل مناعية ونفسية مؤثرة في نموه الجسدي والعقلي وسلوكه لاحقا، ويضيف أن الأم البديلة قد ترتبط عاطفياً بالجنين خلال فترة الحمل، ثم تُجبر على فصله عنها عند الولادة، وهو ما قد يخلّف صدمات نفسية عميقة لدى الطرفين، الأم البديلة والطفل معاً، ويشبّه د. أبو المجد الظاهرة بأنها شكل جديد من أشكال استغلال الجسد البشري، أخطر حتى من تجارة الأعضاء، لأنها تمسّ أقدس رابطة إنسانية وهي رابطة الأمومة.
فراغ تشريعي
تشير المستشارة أشجان البخاري محامية – إلى أن مصر لا تملك حتى الآن نصاً قانونياً صريحاً يُجرّم أو يُقنن مسألة تأجير الأرحام، وهو ما يخلق فراغاً خطيراً قد يُستغل في النزاعات، وتوضح أن القانون المصري يكتفي بالإشارة إلى أن نسب الطفل يُثبت للأم التي تضعه، بما يتفق مع القاعدة الشرعية "الولد للفراش"، لكن غياب التشريعات الواضحة حول هذه الممارسة يفتح الباب لمنازعات محتملة بين صاحبة البويضة وصاحبة الرحم.
وتحذر البخاري من أن بعض الحالات بدأت تُطرح بالفعل عبر الإنترنت أو من خلال وسطاء غير شرعيين، في ظل غياب الرقابة، مما قد يؤدي إلى استغلال النساء الفقيرات وتحويل أجسادهن إلى وسيلة لتحقيق مكاسب مالية، وترى أن الحل الأمثل هو إصدار تشريع عاجل وحاسم يُجرّم هذه الممارسات بوضوح، مع وضع آليات ردع للوسطاء، حمايةً لكل من المرأة والطفل.
وتختم قائلة: "الشرع أغلق الباب حماية للنسب وصوناً للكرامة الإنسانية، وعلى المشرع أن يُترجم هذا التحريم إلى نصوص قانونية واضحة، تقي المجتمع من أزمات اجتماعية وقضائية متوقعة في المستقبل."
اليوم، لم يعد النقاش مقتصراً على "الرحم المستأجر"، بل دخلت التكنولوجيا على الخط بقوة، ففي مطلع هذا العام، أعلنت شركة صينية عن ابتكار روبوت مزوّد برحم صناعي قادر على احتضان الجنين حتى عشرة أشهر في بيئة تحاكي الرحم البشري، وبينما يرى فيه البعض بارقة أمل لملايين الأزواج المحرومين من نعمة الإنجاب، يعتبره آخرون تهديداً مباشراً لمفهوم الأمومة وحدود التدخل العلمي في دورة الحياة الطبيعية.
تعريف فقهي
وبينما تتطور التكنولوجيا إلى حد الحديث عن أرحام صناعية، يبقى الجدل الأكبر مرتبطاً بالجانب الشرعي والفقهي، حيث يُعرّف الدكتور محمد سالم، الباحث في قضايا الفقه المعاصر، تأجير الأرحام بأنه: «اتفاق يُزرع بموجبه جنين ناتج عن تلقيح بويضة امرأة في رحم أخرى تُعرف بـ"الأم البديلة"، وغالباً ما يتم اللجوء إليه حين تكون صاحبة البويضة غير قادرة على الحمل بسبب مرض أو عيب خلقي».
ورغم المنافع الطبية الظاهرة، أثارت هذه الممارسة جدلاً كبيراً، خصوصاً بعدما تحولت في بعض الدول إلى سوق تجارية تستغل النساء الفقيرات تحت شعارات إنسانية، ليصبح الإنجاب سلعة تُعرض وتُطلب.
انتشار خفي
في حين تنتشر هذه الظاهرة علناً في بعض الدول الغربية، فإنها لا تزال محاطة بالسرية في المجتمعات الإسلامية، نتيجة الحرج الشرعي والاجتماعي، لكن المؤشرات تكشف عن تنامٍ تدريجي لها، مدفوعاً بالحاجة الطبية أو إغراءات سوق الخصوبة العالمية، حتى بات الترويج لها يظهر عبر الإنترنت بعروض وأسعار متفاوتة.
إجماع شرعي
يؤكد د. سالم أن تأجير الأرحام محرم شرعاً بجميع صوره، لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب وضياع الأمومة والتلاعب بأقدس الروابط الإنسانية.
وقد جاء هذا الحكم متوافقاً مع قرارات المجامع الفقهية الكبرى مثل: مجمع البحوث الإسلامية، مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجالس الإفتاء في الدول الإسلامية.
ويستشهد بقول النبي ﷺ: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، ما يقطع بأن الطفل يُنسب إلى المرأة التي ولدته، حتى وإن لم تكن صاحبة البويضة، وهو ما يفتح أبوابا خطيرة للجدل في قضايا النسب.
أمومة للبيع
تحويل الأمومة إلى سلعة تجارية يجعل من جسد المرأة أداة للإيجار، في معادلة أشبه بـ"عقود العمل"، من هنا يحذر د. سالم من الأبعاد الأخلاقية والإنسانية لهذه الممارسة، ومنها:
- استغلال الفقيرات: في كثير من الحالات، لا تلجأ النساء إلى هذه الممارسة عن قناعة، بل تحت ضغط الحاجة الاقتصادية، فتجد الفقيرات في الهند أو نيبال أو بعض دول إفريقيا أنفسهن أمام إغراء المال كطريق وحيد للخروج من دائرة الفقر، ما يفتح الباب واسعاً أمام استغلالهن تحت لافتات إنسانية.
- نزاعات قضائية: المعضلة لا تتوقف عند استغلال الأرحام، بل تمتد إلى ما بعد الولادة، فكم من نزاع قضائي اندلع بين الأم الحاملة وصاحبة البويضة حول أحقية تربية الطفل، ليُصبح المولود محور صراع قانوني ونفسي، في وقت يفترض أن تكون بدايته مليئة بالاستقرار والأمان العاطفي.
التخلي عن المولود: إحدى المآسي الأخلاقية التي تُسجل ضد هذه الظاهرة هي تخلّي بعض الأزواج عن الأطفال في حال ولادتهم مصابين بإعاقة أو مرض وراثي، هنا يتحول الطفل إلى "منتج معيب" يتم رفضه، وكأن العلاقة بين الوالدين والطفل ليست رابطة دم بل صفقة تجارية مشروطة.
- صدمة نفسية: من الزوايا المسكوت عنها أيضاً الأثر النفسي على الأم البديلة. فارتباطها العاطفي بالجنين خلال 9 أشهر لا يمكن إنكاره بيولوجيا أو إنسانياً لحظة الولادة، عندما يُنتزع الطفل منها لتسليمه إلى الأسرة المتعاقدة، تتحول التجربة إلى جرح نفسي عميق، قد يترك آثاراً طويلة المدى من الاكتئاب أو الشعور بالذنب أو فقدان جزء من الذات.
ضوابط شرعية
ويختم د. سالم بقوله: «الشريعة لا تعارض التقدم العلمي، لكنها تضع له ضوابط تحمي الكرامة والأنساب، فالتلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب مقبولان شرعاً إذا كانا بين زوجين في إطار الزواج الشرعي، دون تدخل طرف ثالث، أما إدخال رحم مستأجر في المعادلة، فهو تجاوز يهدد أهم مقاصد الشريعة: حفظ النسب والعِرض».
مواقف متباينة
- في بريطانيا، تشير كيم كوتون، أول أم حاضنة قانونية، إلى أزمة نقص الأمهات البديلات رغم تزايد الطلب، موضحة أن نحو 400 طفل يُولدون سنوياً عبر تأجير الأرحام مقارنة بـ 50 فقط قبل عام 2008، وغالبية الحالات تُجرى في الخارج بسبب تعقيد القوانين المحلية.
وتشير تقارير دولية حديثة إلى أن سوق تأجير الأرحام يشهد نمواً متسارعاً على المستوى العالمي، إذ قدّر تقرير Global Market Insights حجمه بنحو 22.4 مليار دولار في 2024، مع توقعات ببلوغه أكثر من 200 مليار دولار بحلول 2034، بمعدل نمو سنوي يفوق 24%. ورغم وجود تباين بين التقديرات وفق اختلاف المنهجيات، فإن الاتجاه العام يعكس توسعا ملحوظاً، وتحتل أميركا الشمالية الصدارة بنسبة تقارب 38% من حجم السوق، بينما تمثل أوروبا نحو 27% مع بروز دول مثل أوكرانيا وجورجيا كمراكز لجذب "سياحة الخصوبة"، أما آسيا والمحيط الهادئ، فتسجل أسرع معدلات النمو، رغم القيود القانونية المتزايدة في بعض الدول مثل الهند وتايلاند.
قوانين متباينة
يختلف الإطار القانوني لتأجير الأرحام من دولة إلى أخرى، ففي معظم الدول الأوروبية، تُمنع الممارسة التجارية استناداً إلى قوانين الاتحاد الأوروبي التي ترفض استغلال الجسد للربح، أما كندا فتسمح فقط بالنماذج غير التجارية، بحيث يُغطى الإنفاق دون تحقيق مكاسب مالية، وفي المقابل، تتبنى دول مثل الولايات المتحدة (بعض الولايات ككاليفورنيا)، أوكرانيا، روسيا، وجورجيا تشريعات أكثر مرونة، تسمح بالتأجير التجاري وتحوّله إلى سوق مفتوح.
تهديد للأسرة
الدكتور خالد رفعت – أستاذ أمراض النساء والتوليد – يوضح أن تأجير الأرحام يعد إجراء "غير طبيعي" يتصادم مع المنظومة الإنسانية والشرعية للأسرة؛ ويشرح أن تكوين الجنين في رحم امرأة غريبة، حتى وإن كان ناتجاً عن بويضة الأم وحيوان منوي من الزوج، يفتح الباب أمام إشكالية خطيرة تتعلق بالنسب: "من ستكون الأم الحقيقية؟ صاحبة البويضة أم صاحبة الرحم التي حملت ووضعت الطفل؟".
ويضيف أن خطورة الممارسة لا تقتصر على البعد البيولوجي فقط، بل تمتد إلى الأبعاد النفسية والقانونية، حيث قد يطالب كل طرف بحقه في الطفل، مما يثير نزاعات معقدة تهدد مفهوم الأمومة الذي استقر عبر التاريخ.
إرباك شرعي
أما الدكتور محمد خالد الورداني – مدرس النساء والولادة بجامعة الأزهر ومتخصص في أطفال الأنابيب – فيؤكد أن الرحم من الناحية الطبية "مجرد وعاء" لا ينقل الصفات الوراثية للجنين، لكنه يلفت إلى أن هذا التوصيف العلمي لا يقلل من خطورة الظاهرة شرعياً واجتماعياً، إذ إن دخول امرأة ثالثة في عملية الإنجاب يربك أحكام النسب في الشريعة الإسلامية، التي تنص بوضوح على أن الطفل يُنسب للمرأة التي أنجبته، ويشير إلى أن الأزهر الشريف وكبرى المجامع الفقهية حول العالم أجمعت على التحريم المطلق لتأجير الأرحام، سواء كان بمقابل مادي أو حتى على سبيل التطوع، لأنه يخرق واحدا من أهم مقاصد الشريعة وهو حفظ النسب.
أبعاد صحية
في المقابل، يحذر الدكتور جمال أبو المجد – أستاذ التوليد وأمراض النساء – من إغفال البعد الصحي والنفسي في النقاشات المتعلقة بتأجير الأرحام، ويؤكد أن الرحم ليس مجرد "مكان محايد" لإيواء الجنين، بل هو بيئة نشطة تنقل إليه هرمونات وعوامل مناعية ونفسية مؤثرة في نموه الجسدي والعقلي وسلوكه لاحقا، ويضيف أن الأم البديلة قد ترتبط عاطفياً بالجنين خلال فترة الحمل، ثم تُجبر على فصله عنها عند الولادة، وهو ما قد يخلّف صدمات نفسية عميقة لدى الطرفين، الأم البديلة والطفل معاً، ويشبّه د. أبو المجد الظاهرة بأنها شكل جديد من أشكال استغلال الجسد البشري، أخطر حتى من تجارة الأعضاء، لأنها تمسّ أقدس رابطة إنسانية وهي رابطة الأمومة.
فراغ تشريعي
تشير المستشارة أشجان البخاري محامية – إلى أن مصر لا تملك حتى الآن نصاً قانونياً صريحاً يُجرّم أو يُقنن مسألة تأجير الأرحام، وهو ما يخلق فراغاً خطيراً قد يُستغل في النزاعات، وتوضح أن القانون المصري يكتفي بالإشارة إلى أن نسب الطفل يُثبت للأم التي تضعه، بما يتفق مع القاعدة الشرعية "الولد للفراش"، لكن غياب التشريعات الواضحة حول هذه الممارسة يفتح الباب لمنازعات محتملة بين صاحبة البويضة وصاحبة الرحم.
وتحذر البخاري من أن بعض الحالات بدأت تُطرح بالفعل عبر الإنترنت أو من خلال وسطاء غير شرعيين، في ظل غياب الرقابة، مما قد يؤدي إلى استغلال النساء الفقيرات وتحويل أجسادهن إلى وسيلة لتحقيق مكاسب مالية، وترى أن الحل الأمثل هو إصدار تشريع عاجل وحاسم يُجرّم هذه الممارسات بوضوح، مع وضع آليات ردع للوسطاء، حمايةً لكل من المرأة والطفل.
وتختم قائلة: "الشرع أغلق الباب حماية للنسب وصوناً للكرامة الإنسانية، وعلى المشرع أن يُترجم هذا التحريم إلى نصوص قانونية واضحة، تقي المجتمع من أزمات اجتماعية وقضائية متوقعة في المستقبل."
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية