تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حين تتحول لحظة اكتشاف الحمل إلى صدمة مزدوجة أو ثلاثية، تعيش الأم بين فرحة الحياة القادمة وقلقٍ لا ينتهي، فالحمل المتعدد ليس مجرد "نعمة مضاعفة"، بل هو تجربة طبية دقيقة تُخضع الجسد الأنثوي لاختبار قاسٍ من التحولات الهرمونية والمناعية، تجعل الحمل في كثير من الأحيان أقرب إلى سباقٍ بين الصمود والإنهاك، ومع تطور تقنيات الإخصاب الصناعي وارتفاع معدلات الحمل بتوائم، بات هذا الملف يستدعي قراءة علمية وإنسانية أعمق.
بداية الرحلة
تُعرِّف الدكتورة أمل الدسوقي، استشارية أمراض النساء والتوليد، الحمل المتعدد بأنه "وجود أكثر من جنين في الرحم، وينقسم إلى نوعين رئيسيين؛ التوائم المتماثلة (نتيجة انقسام بويضة واحدة مخصبة)، وغير المتماثلة (نتيجة تخصيب بويضتين منفصلتين)".
وتضيف، بينما كانت هذه الظاهرة نادرة في الماضي، فقد أصبحت أكثر انتشاراً مؤخراً بسبب تطور تقنيات الخصوبة المساعدة مثل حقن التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب (IVF)، والتي تزيد من احتمالات تخصيب أكثر من بويضة في الدورة الواحدة.
أسباب حدوث الحمل المتعدد
تشير د. أمل إلى أن الحمل المتعدد ينتج عن تداخل عدة عوامل منها:
- العوامل الوراثية: وجود تاريخ عائلي لإنجاب التوائم يزيد من احتمالية تكرارها.
- العمر: بعد سن الثلاثين يزداد إفراز هرمون FSH، مما يؤدي إلى نضوج أكثر من بويضة.
- علاجات الخصوبة: الأدوية المنشطة للمبايض من أكثر الأسباب شيوعًا.
- الإخصاب الصناعي: حيث تُزرع أكثر من بويضة مخصبة لرفع نسبة النجاح.
- التغذية: تلعب دوراً محورياً في الحمل المتعدد؛ النظام الغني بالبروتينات يحفز إنتاج هرمون IGF الذي يزيد من حساسية المبيضين للهرمونات المنشطة، مما قد يؤدي إلى إطلاق أكثر من بويضة أثناء التبويض.
عامل العِرق والجينات
تظهر الدراسات أن الاستعداد لإنجاب التوائم غير المتماثلة (نتيجة تخصيب بويضتين منفصلتين) هو صفة موروثة، من جانب الأم، وقد حدد العلماء أن الاختلافات في جين FSHB، الذي يتحكم في إنتاج الهرمون المنبه للجريب (FSH)، تلعب دورًا محوريًا.
حيث تؤدي بعض الاختلافات في هذا الجين إلى زيادة طفيفة في مستويات FSH، مما يزيد من احتمالية إطلاق المبيض لأكثر من بويضة خلال الدورة الواحدة، هذه الاختلافات الجينية تنتشر بتكرار أعلى بين النساء ذوات الأصول الأفريقية، مما يفسر جزئيًا لماذا تكون معدلات الحمل بالتوائم في بعض المجتمعات الأفريقية (مثل غرب أفريقيا) أعلى بنسبة 20-40% مقارنة بمجتمعات أخرى.
كما تربط بعض الدراسات الأنثروبولوجية هذا الانتشار بالتكيف الوراثي تاريخيًا في المجتمعات التي واجهت معدلات وفيات أطفال مرتفعة، مما جعل الحمل المتعدد ميزة تطورية تساعد على استمرارية النسل.
مؤثرات غذائية
يوضح الدكتور عماد سلامة، أخصائي التغذية العلاجية، أن الأدلة العلمية تشير إلى وجود علاقة واضحة بين النظام الغذائي واحتمالية حدوث الحمل المتعدد؛ فالنظام الغني بالبروتينات ومنتجات الألبان - خاصة الحليب - يرتبط بزيادة معدلات إنجاب التوائم، حيث يعزى ذلك إلى ارتفاع مستويات عامل IGF-1 في هذه الأغذية، والذي يزيد من استجابة المبيضين للهرمونات المنشطة، مما قد يحفز إطلاق أكثر من بويضة أثناء التبويض.
ولا يتوقف التأثير عند هذا الحد، فقد أظهرت دراسات أن النظام الغذائي عالي الكربوهيدرات المكررة قد يؤدي إلى العكس، حيث يتسبب في ارتفاع مفاجئ لمستويات الأنسولين، مما قد يعطل التوازن الهرموني اللازم للتبويض المنتظم ويقلل من فرص إطلاق بويضات متعددة.
كما تؤكد الأبحاث على دور حمض الفوليك المحوري، حيث أن تناول الخضروات الورقية والبقوليات - قبل الحمل وخلاله - لا يقتصر على الوقاية من التشوهات الخلقية فحسب، بل يعمل على تحسين جودة التبويض ويزيد من احتمالية الحمل المتعدد بشكل طبيعي.
المخاطر الصحية للأم والأجنة
تُوضّح الدكتورة مها البنا، استشارية أمراض النساء والتوليد، أن الحمل المتعدد يُعد من أكثر حالات الحمل تعقيدًا وتطلبًا للمتابعة الدقيقة، حيث تبدأ المتابعة المكثفة منذ الأسبوع السادس، نظرًا لأن كل أسبوع من الحمل يحمل تحديات مختلفة.
المخاطر الرئيسية:
- تسمم الحمل وارتفاع ضغط الدم: تصل احتمالية الإصابة إلى 3 أضعاف مقارنة بالحمل المفرد، نتيجة زيادة الجهد على القلب والدورة الدموية.
- فقر الدم: بسبب زيادة الطلب على الحديد والعناصر الغذائية.
- الولادة المبكرة: تحدث غالبًا قبل الأسبوع الـ37.
- نزيف ما بعد الولادة: نتيجة التمدد الزائد للرحم وصعوبة انقباضه.
- الولادة القيصرية: ترتفع احتمالاتها لتجنب المضاعفات أثناء الولادة الطبيعية.
- متلازمة نقل الدم الجنيني (TTTS): تظهر في حالات التوائم المتماثلة التي تشترك في مشيمة واحدة، مما يهدد حياة الأجنة.
نصائح عملية للأم الحامل بتوائم
تؤكد د. مها على أهمية اتباع إرشادات محددة لضمان سلامة الأم والأجنة منها: المواظبة على المتابعة الدورية كل أسبوعين على الأقل، الانتظام في تناول المكملات كالحديد والكالسيوم والفوليك أسيد بجرعات مضبوطة، الحرص على الراحة الجسدية وتجنب الإجهاد والمجهود الزائد، بالإضافة إلى الحفاظ على نظام غذائي متوازن غني بالبروتينات والفيتامينات، كذلك ضرورة مراجعة الطبيب فوراً عند ملاحظة انقباضات متكررة أو نزيف مهبلي.
علامات مبكرة تشير إلى الحمل المتعدد
- زيادة مفرطة وسريعة في الوزن خلال الأسابيع الأولى.
- غثيان صباحي حاد يفوق المعتاد.
- تعب شديد وأرق مستمر.
- ارتفاع غير طبيعي في هرمون hCG .
- كبر حجم الرحم مقارنة بعمر الحمل.
ورغم أن هذه العلامات ليست دليلًا قاطعًا، فإنها تستدعي مراجعة الطبيب فورًا لإجراء فحص الموجات فوق الصوتية للتأكد.
تقليل انتقائي
ومن جانبه يقول الدكتور حسام فؤاد، أخصائي الحقن المجهري وأطفال الأنابيب، تعد عملية التقليل الانتقائي للأجنة إجراءً طبياً دقيقاً وحساساً، نلجأ إليه في حالات الحمل المتعدد عالي الخطورة فقط عندما:
- يبلغ عدد الأجنة أربعة أو أكثر
- يوجد خطر حقيقي على حياة الأم
- تكتشف تشوهات شديدة في أحد الأجنة تهدد حياته أو حياة باقي الأجنة
حيث تُجرى العملية بين الأسبوع 11 - 14 من الحمل، باستخدام التوجيه بالموجات فوق الصوتية لتحديد موقع الجنين المستهدف بدقة، ثم نحقن مادة خاصة في الحبل السري أو مباشرة في القلب، تستغرق العملية حوالي 30 دقيقة تحت تخدير موضعي.
ورغم دقتها، تحمل العملية بعض المخاطر التي انخفضت معدلاتها بشكل كبير مع تطور التقنيات مثل احتمالية فقدان الحمل كاملاً بنسبة تتراوح من 3-5%، حدوث عدوى أو نزيف وهذا نادر الحدوث (أقل من 1%)، احتمالية الولادة المبكرة.
ويؤكد د. حسام أن هذه العملية ليست شكلاً من أشكال الإجهاض بالمعنى التقليدي، بل هي إجراء طبي ينقذ الحمل المتبقي ويحمي حياة الأم من مخاطر قد تكون مميتة، وذلك في إطار ضوابط أخلاقية وقانونية صارمة.
فالحمل المتعدد ليس مجرد حدث بيولوجي فريد، بل رحلة مزدوجة من الخطر والأمل، يعيش فيها جسد المرأة أعلى درجات العطاء والتحمل، ومع تطور الطب، لم تعد هذه التجربة "كارثة طبيعية"، بل "معجزة منظمة" تحتاج فقط إلى وعي، ورعاية طبية مستمرة، ودعم نفسي وعائلي يوازي حجم التحدي.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية