تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : الحديث مع الموتى بـ"الذكاء الاصطناعي".. الجانب الأسوأ من التكنولوجيا
source icon

سبوت

.

الحديث مع الموتى بـ"الذكاء الاصطناعي".. الجانب الأسوأ من التكنولوجيا

كتب:شيماء مكاوي

في صباح يوم الجمعة هاتفتني إحدى صديقاتي لتخبرني عن وفاة زوج صديقتنا مروة، والحقيقية أن الخبر وقع على مسامعي كالصاعقة، فقد حدثت الوفاة دون سابق إنذار، فالراحل لم يكن يعاني من أي متاعب صحية، كما لم يتوفى في حادث، فضلا عن أنه كان شاب رياضي في منتصف الثلاثينيات تقريبا.

ذهبت وصديقتي إلى "مروة" لتقديم واجب العزاء لها، ومواساتها في مصابها الجلل، خاصة وأن لديها ثلاثة أطفال، ووجدناهم جميعا يعانون يجلسون بين "المعزين"، وهم  صدمة عدم تصديق ما حدث وأنهم لن يروا رب الأسرة مجددا.

تجسيد المتوفي
كانت مروة تبكي بشدة، وهي تتمتم بكلمات عدم التصديق، فجأة اقترحت عليها إحدى السيدات اللائي فقدت زوجها من قبل، بأن تتحدث إلى زوجها عبر "سناب شات ماي إيه آي"، وصمتنا جميعا لثواني ونحن نتطلع للمتحدثة بدهشة، قبل أن أبادرها أنا بالسؤال عن ماذا تعني، فشرحت قائلة: "إنها تقنية جديدة للذكاء الاصطناعي تجسد صورة للمتوفي ويتم إدخال بعض المعلومات التي تتعلق به، وبعدها تستطيع هي التحدث مع زوجها الراحل وقتما تشاء وكأنه موجود ولم يرحل".

ارتفعت همهمات الحاضرات، قبل أن تطلب إحداهن الهدوء، والتوقف عن الحديث للاستماع إلى القرآن الكريم.

تأثيرات نفسية
عدت إلى منزلي وأنا أفكر في تلك التقنية، وعن ما إذا كانت ستفيد صديقتي بالفعل أم ستضرها، وعلى الفور هاتفت د. إيمان عبد الله، استشاري الطب النفسي والأسري، وسألتها عن هذه التكنولوجيا التي تعيد لنا الراحلين، وتأثيراتها النفسية، فأكدت أن هذا الأمر شديد الخطورة، موضحة أنه عندما يتعرض الإنسان لفقد عزيز لديه يمر بخمس مراحل تستغرق فترات زمنية قد تطيل أو تقصر حسب قدرة الشخص على الانتقال فيما بينهما.

 تلك المراحل كما وصفتها د. ايمان، تتمثل في مرحلة الانكار وهي المرحلة الأولى وفيها يكون الانسان في صدمة وينكر ما حدث، يليها الغضب، أما المرحلة الثالثة فهي الرفض والتي يرفض من خلالها حدوث هذا الفقد، وبعد ذلك الاكتئاب، وأخيرا المرحلة الخامسة وهي تقبل ما حدث، مستطردة: "الله أوصانا في كتابه العزيز أن نقول "إن لله وان إليه راجعون" حتى يذكرنا ألا نكتئب أو نحزن أو نرفض، فإذا توقفنا عند أي من المراحل السالف ذكرها لا يمكن أن ننتقل للمرحلة التي تليها، وبالتالي ففكرة تطويع الذكاء الاصطناعي لخلق بديل للمتوفي، يمثل خطورة كبيرة على لعب المشاعر، وعدم قبول الأمر الواقع والضرب في القواعد والأخلاق والدين، لأن الموت حق ويجب الإيمان به".

مرحلة الإنكار
وتلك المراحل التي يمر بها الإنسان عند فقدان عزيز لديه يجب أن تستغرق 6 شهور على الأكثر، كما قالت د. إيمان، قبل أن تتابع، أن الحزن بداخلنا لا يعني عدم سريان الحياة، وفقدان عزيز ليس بشيء سهل، وتقوقع الإنسان داخل مرحلة الإنكار يجعله يلجأ لتلك الصناعة من أجل خلق بديل للإنسان الذي فقده، من خلال إدخال صورة له ومعلومات عنه، فالفجوة التي تحدث عند الوفاة يحاول الإنسان سدها بالذكاء الاصطناعي وهذا الأمر ليس صحيحا نفسيا وصحيا، ويدخل الإنسان في مرحلة رفض الواقع، ويقع في بؤرة الرفض، كما أن التذكر والعيش في الذكريات هو البديل الصحي من خلال تذكر اللحظات الجميلة التي شاركناها مع الراحل وتذكر الأماكن التي جمعتنا معه.

مخترعو تلك الصناعة التكنولوجية كانوا يحاولون سد الفجوة بين الموت والحياة ولكنه مكتوب علينا كما شدت د. إيمان، وأوصت أن من يحدث له اضطراب في المشاعر ويطيل معه هذا الشعور لا بد أن يذهب للطبيب النفسي حتى يتم علاجه، لافتة إلى أن الذكاء الاصطناعي يحرمنا من المشاعر الطبيعية التي يجب أن نمر بها، مثل مشاعر الحزن والفراق، والحياة بعد رحيل العزيز يجب التكيف معها.

التعامل مع الصدمات
 وتقول د إيمان إن الإنسان ينسحب من العالم الحقيقي إلى عالم آخر به أشخاص مرتبط بهم ورحلوا عن الحياة، لكن ما يجب الإشارة إليه أنه للأسف لا يمكن أن نجد الحب والود والمشاعر التي كنا نتبادلها مع هؤلاء الأشخاص لان الصناعة تظل صناعة فلا يمكن عودة الروح والإحساس، فالواقع والخيال بينهما مسافة كبيرة، والحياة خلقت لكي نتكيف معها بما فيها من أشياء جميلة وأخرى حزينة لكن إذا قام الذكاء الاصطناعي بتغيير ما كتب الله علينا لا يمكن أن نعيش حياة طبيعية، حسبما وصفت د. إيمان عبد الله، قبل أن تتابع: الإنسان لا بد أن يتعامل مع ضغوطه وصدماته، أو التعامل مع الطبيب النفسي في حالة عدم القدرة على التعامل مع تلك الصدمات.

 أما عن تأثير تلك الصناعة الحديثة فأكدت أن التأثير النفسي يكون على الإحساس حيث يختلف إحساس الإنسان بشكل عام، والحل هو أن يكون هذا الشخص الذي فقدناه حاضرا معنا وخالد بأعماله وذكرياته وسيرته الطيبة، وأن تسير الحياة في مجراها الطبيعي، كما أكدت أن العالم الرقمي لا يمكن أن يحل جميع ما نتعرض له من مشاكل في حياتنا، ومع الوقت نتحول للعيش في العالم الافتراضي الذي يكسر كل القيود والإبداعات، وتؤكد د. إيمان: أن صدمة الموت كبيرة ولكن هي مهمة للتكوين الإنساني والمحيط البيئي أيضا، فبدلا من التكيف نفسيا مع الواقع يتم التكيف تكنولوجيا، والاستنساخ الافتراضي يسبب خللا كبيرا للإنسان.

 صناعة افتراضية
وربما هذا الأمر يكون منتشرا في دول الغرب ولكن في دول الإسلام يكون الشخص أكثر إيمانا بقضاء الله وقدره مما يلهمه الصبر للتكيف مع صدمة الفراق، وتقول د. إيمان: ربنا أنعم علينا بنعمة النسيان لكي ننسى ألم الفراق ونتعايش ولكن لا يمكن أن ننسى الإنسان نفسه، فالزوجة التي فقدت زوجها ولديها أطفال لا يمكن أن تفصل نفسها عن هذا العالم الذي يحتاج إليها بكل وعيها.

والمتوفي لا يمكن أن نصنع منه صناعة افتراضية، حسبما أكدت د. إيمان، وقالت إنه لا يمكن تغير الواقع بشكل غير سليم وغير منطقي، والإحساس بالسعادة من تلك التقنية يكون إحساس كاذب غير سوي وغير صحي، والذكاء الاصطناعي من الممكن أن يفيدنا في العديد من المجالات ولكن ليس في تجسيد المتوفي والتحدث معه.


 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية