تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تنتج مصر سنوياً حوالي 2 مليون طن من الأسماك، من المصايد الطبيعية، والاستزراع السمكي.. وما بين واقع إنتاجي يفرض نفسه، ومخاطر صحية متصاعدة، تظل المزارع السمكية في مصر بحاجة عاجلة إلى إصلاح شامل في التشريع والرقابة والتقنيات، حفاظًا على صحة المواطن، وسلامة الأمن الغذائي، وسمعة مصر التصديرية، وخاصة بعد أن أزالت الدولة مؤخراً التعديات على مئات الأفدنة من أملاك الدولة، المعدة الاستزراع السمكي، وتمارس فيها مخالفات عديدة.
ويعتبر استخدام مخلفات المجازر ومزارع الدواجن في تغذية الأسماك ببعض المزارع غير المرخصة والمخالفة أمر مربح، إلا أنه يحمل مخاطر بيئية وصحية جسيمة، لذلك تفعيل الرقابة، وتغليظ العقوبات، وتشديد التشريعات المنظمة، تستهدف ضمان سلامة الغذاء والثروة السمكية، خاصة أن مصر لديها بالفعل قوانين واضحة تجرم استخدام الهرمونات في الأعلاف، ولكن تكمن المشكلة في المزارع الصغيرة أو غير المرخصة.
مخاطر على الصحة العامة
تقول الدكتورة منى حامد، أخصائي التغذية العلاجية، أن تغذية الأسماك بمواد فاسدة تهدد صحة الإنسان، فهذه المواد لا تهضم بشكل طبيعي في أجسام الأسماك، وقد تتراكم بها الميكروبات والسموم الفطرية ومواد كيميائية خطرة، وتصل نتائجها إلى المستهلك، في صورة أمراض كبدية وكلوية وسرطانات، كما أن استخدام هرمونات محظورة ومحفزات نمو لزيادة وزن الأسماك بشكل سريع، يخل بالتوازن البيولوجي ويؤثر على القيمة الغذائية للأسماك.
وأشارت إلى أن تلوث مزارع الأسماك بمخلفات تحتوي على هرمونات وتغذية غير مشروعة، يخلف مقاومات جرثومية، وسموم بيئية مثل الزرنيخ والرصاص، وإمكانية انتقال مسببات الأمراض إلى الإنسان عبر الأسماك أو التربة الملوثة.
رقابة مشددة
ويؤكد المهندس مصطفى الصياد، نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، على أن قضية الرقابة على المزارع السمكية بها تفاصيل كثيرة، يعني بها جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية بمجلس الوزراء، خاصة أن الإنتاج المصري الكلي منه ٢٠% من المصايد الطبيعية كالبحار والبحيرات ونهر النيل، بواقع 425 ألف طناً، و 80 % من الاستزراع السمكي بواقع 1.575 مليون طن.
وقال أن هناك مزارع مرخصة، واستزراع سمكي في مناطق الزراعة والبحيرات، وتخضع لإشراف ورقابة مشددة وبشكل مستمر، وذلك من أجل الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، وكذلك التصدير، وتقوم هيئة سلامة الغذاء بالرقابة على الأسماك بعد طرحها في الأسواق، ويطبق عليها كافة الإجراءات المتبعة للتأكد من أمان وسلامة المنتج.
ويضيف، التحرك الحكومي لضبط ملف المزارع السمكية، خطوة مهمة نحو حماية صحة المصريين، واستدامة الأمن الغذائي، ومع تطبيق القوانين الصارمة، فإن الرهان يبقى على وعي المزارعين، والرقابة المجتمعية، لتفادي تكرار الكوارث البيئية والصحية، الناتجة عن التغذية غير المشروعة للأسماك.
إجراءات قانونية ضد المخالفين
سألنا الدكتور صلاح مصيلحي، رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية التابع لمجلس الوزراء، عن التغذية المخالفة في بعض المزارع السمكية، سواء كانت مخلفات مجازر او مزارع دواجن أو هرمونات أو غيرها، فأكد قائلاً "لا أحد يجرؤ على فعل ذلك، ولكن في حالة حدوثها فيتم كشفها من خلال الحملات أو الإبلاغ عنها من قبل المواطنين، وفي هذه الحالة تتخذ الإجراءات القانونية فورا".
مشيراً إلى شن حملات مستمرة من قبل الجهاز والجهات المعنية، على مزارع سمكية وأملاك دولة متعدى عليها، وبها هذه المخالفات، في محافظات بورسعيد، الإسماعيلية، والبحيرة وغيرها، وتم اتخاذ كافة الإجرءات القانونية ضد المخالفين، حيث نص قانون الثروة السمكية، على سلسلة من العقوبات للمخالفين، منها الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وغرامات تصل إلى 500 ألف جنيه لبعض المخالفات.
ويقول د. مصيلحي، أن الدولة اتخذت سلسلة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية لضبط هذا القطاع، وكذلك حماية البيئة المائية من التلوث، وتنظيم عمليات الإنتاج داخل المزارع، وتؤكد هذه القوانين على التوجه الجاد نحو إدارة مستدامة للموارد المائية، عبر ضبط عمليات الصيد، وتشديد الرقابة على مصادر التلوث، وتنظيم الاستزراع السمكي، بما يتماشى مع المعايير البيئية والصحية.
تشريعات وقوانين
يحظر قانون الثروة السمكية إنشاء أو تشغيل أي مزرعة أو مفرخ سمكي دون ترخيص، وكذلك الموافقات الأمنية في حالة استخدام الأقفاص السمكية أو العمل باسم الغير، وذلك بغرض حماية المجاري المائية والمناطق الحدودية، ويحظر القانون إلقاء المواد الكيميائية أو الصناعية أو البترولية في المياه، لتأثيرها السلبي على البيئة البحرية وجودة الإنتاج.
حملات التفتيش
وأكد رئيس جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، على أن الجهاز يكثف حملات التفتيش على المزارع والأقفاص السمكية، للتأكد من الالتزام بمعايير الجودة وسلامة الغذاء، ويتولى مأمورو الضبط القضائي بالتعاون مع الأجهزة البيئية متابعة تنفيذ اشتراطات التشغيل، والتحقق من مصادر الأعلاف وظروف التخزين والتغذية.
تحديات قائمة
ويشير الدكتور أشرف يوسف، عميد كلية الثروة السمكية بجامعة قناة السويس سابقاً، في تصريحات خاصة، إلى أن هناك تطوراً كبيراً في أداء المزارع السمكية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن بعض التحديات لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بالمزارع غير المرخصة، والتي تمثل خطورة بالغة على صحة المستهلكين، حيث كانت تعتمد على تغذية الأسماك بمخلفات المجازر ومزارع الدواجن، ما ينعكس سلباً على جودة المنتج السمكي وسلامته.
ويوضح أن منطقة بحر البقر، كانت من أبرز المناطق التي واجهت هذه التحديات، نظراً لاعتمادها على مصادر مياه منخفضة الجودة متصلة بالمصارف الزراعية، وهو ما تسبب في ترسبات عضوية وبكتيرية داخل الأحواض، نتج عنها تراكم مواد كيميائية وصناعية تؤثر مباشرة على جودة الأسماك.
تراكم السموم في الأنسجة
أضاف د. أشرف، أن هذه الترسبات تنعكس على رائحة الأسماك ومذاقها، فضلاً عن تراكم المعادن والسموم في أنسجتها، مما يمثل خطورة صحية بالغة، والإصابة بأمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي والسرطان، نتيجة لاحتوائها على بروتينات ملوثة بدلاً من البروتين الصحي الذي يدعم العمليات الحيوية وبناء الجسم.
وأوضح أن الوضع الآن يشهد تحسناً ملحوظاً، حيث تراجعت تلك الممارسات الخاطئة، وبدأت المزارع تعتمد بشكل أكبر على الأعلاف المصنعة علمياً، كما أن جهاز حماية وتنمية البحيرات قام بدور كبير في تحسين الأوضاع، من خلال إنشاء مزارع مطابقة لمعايير الجودة، وتحقيق التكامل في عناصر الإنتاج، بما يضمن إنتاج صحي آمن، كما تحصل هذه المزارع على شهادات جودة معتمدة تؤهل منتجاتها للتصدير.
وعي المربين
ولفت د. أشرف إلى أن المزارع السمكية أصبحت تخضع لرقابة صحية وبيولوجية صارمة، تضمن سلامة الأسماك ومطابقتها للمواصفات، وهي خاضعة لإشراف الدولة، كما أنه يتم توعية المربين ومفهومهم حول أهمية جودة الغذاء ومدى ارتباطه بصحة الإنسان، وهو ما يعكس تطوراً في العنصر البشري العامل في هذا القطاع.
طالب د. أشرف، بضرورة تعزيز الرقابة الحكومية على المزارع السمكية، من خلال جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، للتأكد من التزام المزارع بالاشتراطات الصحية والبيئية والإنتاجية، واتخاذ إجراءات صارمة ضد المزارع التي تستخدم عناصر إنتاج غير مطابقة للمواصفات، سواء مياه أو تربة أو زريعة أو أعلاف، لضمان سلامة الغذاء وحماية المستهلك.
الكود المصري
كما شدد عميد كلية الثروة السمكية السابق، على ضرورة تبني فكرة "الكود المصري للمزارع السمكية"، حيث يحدد المواصفات الفنية والمعايير القياسية لها، في كل ما يتعلق بالعملية الإنتاجية للأسماك، ويمكن أن يكون هذا الكود دليلاً إرشادياً للمزارعين، يمكنهم من تقييم مدى مطابقة مزارعهم لشروط الإنتاج السليم من عددمه، مما يضمن جودة المنتج وتطبيق إدارة صحية منضبطة.
وقال أنه لا يوجد نص قانوني صريح يجرم استخدام مخلفات الدواجن والمجازر كغذاء للأسماك، وبما أن هذه الممارسة تشكل خطراً بالغاً على الصحة العامة، فهي تتطلب تشريعاً واضحاً يجرم مرتكبيها، فضمان سلامة الإنتاج السمكي لا يتحقق بالرقابة فقط، بل من خلال تشريعات حازمة، ووعي مجتمعي، وإدارة إنتاجية حديثة، لضمان سلامة الغذاء، وزيادة النمو.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية