تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : التعصب القبلي.. آفة مستمرة عبر الزمان
source icon

سبوت

.

التعصب القبلي.. آفة مستمرة عبر الزمان

كتب:هايدي شتات 


يُعد التعصب القبلي من أخطر الأمراض المجتمعية التي عانى منها الإنسان عبر التاريخ، فهو ليس مجرد موقف عابر أو انحياز مؤقت، بل ظاهرة متجذرة تهدد وحدة المجتمعات وتعرقل مسيرة التنمية. وقد وقفت الأديان السماوية جميعها ضد هذه الظاهرة، داعية إلى نبذ العصبية وإعلاء قيم المساواة والرحمة.

ويكفي أن نستشهد بقول الله تعالى في كتابه الكريم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ}، أي أن أصل الإنسان واحد ومصيره واحد. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح"، وهو خطاب إنساني خالد يجعل معيار التفاضل في القيم والأخلاق لا في العرق أو النسب.

لقد واجه الإسلام النعرات القبلية والطائفية منذ بدايته بالحكمة والموعظة الحسنة، لأنه أدرك أن التعصب يقود إلى الانقسام والتشرذم ويقوض أواصر الوحدة، ومع التقدم العلمي والتقني الهائل الذي يشهده العالم اليوم، لا يزال التعصب القبلي حاضرًا في صور متعددة، الأمر الذي يجعل مواجهته ضرورة ملحة.

جذور ومظاهر في الصعيد 
يقول الدكتور أحمد حمادي، وكيل وزارة بالأزهر الشريف ورئيس لجنة المصالحات بسوهاج: "لا تزال بعض المحافظات في صعيد مصر، وعلى رأسها سوهاج، تعاني صورًا متعددة من التعصب القبلي والانحياز للعرق أو الفكرة، وقد تتفاقم الأمور إلى حد القتل."

ويذكر أن إحدى القضايا الشهيرة في سوهاج راح ضحيتها 27 شخصًا بسبب شجار بسيط بين أطفال، كما اندلعت مشاجرات أخرى بسبب خلافات لفظية، وهكذا تتنوع مظاهر التعصب بين المجال السياسي، والمجتمعي، والرياضي، وحتى العلاقات الشخصية.

وتبذل الدولة جهودًا للحد من هذه الظاهرة من خلال تعيين الكفاءات في المناصب العليا دون النظر إلى العرق أو الانتماء القبلي، وهو ما ساهم في تقليل حدة التعصب ولو بشكل جزئي. لكن يبقى الدور الأكبر على عاتق مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، ورجال الدين في المساجد والكنائس، الذين تقع عليهم مسئولية التوعية والوعظ ونشر قيم التسامح.

أولًا: التعصب السياسي
يوضح د. حمادي أن أبرز صور التعصب في الصعيد تتمثل في المجال السياسي، حيث يرفض بعض أبناء القبائل التصويت لمرشح كفء ومصلح فقط لأنه ينتمي لقبيلة أخرى، بل قد يؤدي نجاح مثل هذا المرشح إلى قضايا أكبر تصل إلى حد الاغتيال والقتل.

ويضيف الدكتور أحمد عبد اللطيف الكلحي، الداعية والمفكر الإسلامي وخطيب أحد أكبر مساجد قنا، أن هذا التعصب يظهر جليًا في التنافس على المقاعد السياسية والتمثيل البرلماني، فبعض القبائل تعتبر أن مقاعد مجلس النواب أو الشيوخ "ملكًا" لها وحدها، ولا يجوز لغيرها الترشح أو الفوز بها. 

ومع مرور الزمن يترسخ هذا الاعتقاد، حتى باتت بعض المقاعد حكرًا على قبيلة واحدة، في تجاهل واضح لمبدأ الكفاءة والمصلحة العامة.

ثانيًا: التعصب في الزواج
من صور التعصب القبلي أيضًا رفض تزويج بنات القبيلة لرجال من قبائل أخرى، ويؤكد د. الكلحي أن هذا الأمر يؤدي أحيانًا إلى تفاقم الأمراض الوراثية داخل القبيلة، في مخالفة صريحة لما يدعو إليه الدين من التباعد والتغيير في النسب.

ويضيف أن هذا النمط من الزواج قد يخلق فجوات ثقافية بين الزوجين، فربما تكون الفتاة متعلمة بينما الزوج غير متعلم، مما يؤدي إلى حياة مليئة بالمشاكل أو حتى الطلاق. ورغم أن الأعمال الدرامية حاولت معالجة هذه الظاهرة، إلا أنها أحيانًا أسهمت في تكريسها بدلًا من معالجتها.

ثالثًا: المرافق العامة
يشير د. الكلحي إلى أن بعض مظاهر التعصب تتجلى في تسمية المدارس والمساجد والمستشفيات بأسماء القبيلة، وكأنها حكر عليها دون غيرها، بل قد يصل الأمر إلى اقتصار الاستفادة من المرافق العامة على أبناء قبيلة بعينها، في مخالفة لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}.

رابعًا: قضايا الثأر
يعتبر الثأر من أخطر صور التعصب القبلي، حيث يرفض بعض أفراد القبائل قبول الكفن أو الدية، ويصرون على القتل، فتدخل القبيلة في دوامة من الدماء قد لا تنتهي، وهذا يعكس غلبة العصبية الجاهلية على قيم التسامح والعفو التي دعا إليها الإسلام.

خامسًا: التجارة
يضيف الدكتور أحمد حمادي أن بعض القبائل لا تعقد صفقات البيع والشراء إلا مع أفراد قبيلتها، ويعتبر التعامل مع قبيلة أخرى خيانة قد تؤدي إلى نبذ التاجر في مجتمعه، وهذا النوع من التعصب يعيق حركة التجارة ويؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.

سادسًا: الصداقة والعلاقات
حتى في أبسط العلاقات الاجتماعية، مثل الصداقة، قد يرفض بعض الأفراد مصادقة من ينتمي إلى قبيلة أخرى. ورغم أن هذه الظاهرة بدأت في التراجع مع توسع المدن وانتشار الحداثة، إلا أنها ما زالت موجودة في بعض القرى والأرياف.

الحداثة في مواجهة التعصب القبلي
يرى د. حمادي أن المدنية الحديثة وانتشارها في المدن الكبرى ساعدت في الحد من هذه الظاهرة، لكنها لا تزال راسخة في القرى والأرياف حيث يكثر التعصب القبلي السياسي والاجتماعي، وقد تصل نتائجه إلى حد الاغتيالات كما حدث في قضية الإعلامي الكبير فهمي عمر واغتيال ابنه ضمن أحداث التعصب القبلي.

ولهذا يؤكد على ضرورة دور منظمات المجتمع المدني في نشر ثقافة التمدن والتسامح، حتى تتخلص القرى من رواسب "الحمية الجاهلية" التي ما زالت تؤثر على بعض المجتمعات حتى اليوم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية