تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : التسرب من التعليم.. أزمة نفسية في حياة الفتيات
source icon

سبوت

.

 التسرب من التعليم.. أزمة نفسية في حياة الفتيات

كتب:محمود جودة

في مناطق متفرقة من الريف والمناطق العشوائية في مصر، تختفي أصوات فتيات كن من المفترض أن يشكلن مستقبلا واعدا، وما بين دفاتر الدراسة وأحلام التعليم، تتحطم آمال رحلة الفتيات التعليمية، على صخرة زيجات مبكرة، أو فقر، أو أعراف قاسية، لتبدأ رحلة أخرى أكثر قسوة، يمكن أن نطلق عليها "رحلة نفسية واجتماعية في الظل"، حيث تمثل صدمة نفسية لاحقة في حياة الفتاة، وتترك بصمة سلبية طويلة الأمد في نفوسهن، ومن علاماتها الشعور بالنقص، العزلة، والغضب، مما يؤثر على حياة الفتاة مستقبلا، وهنا تنبع أهمية المبادرات الحكومية والمجتمعية لإعادة هؤلاء الفتيات إلى التعليم، ودعمهن نفسيا.

كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تزايد مقلق في نسب التسرب من التعليم، خاصة في المرحلة الإعدادية، حيث ارتفعت النسبة إلى 0.87% بما يعادل نحو 43.3 ألف طفل، مقارنة بـ 0.2% فقط في المرحلة الابتدائية التي سجلت 25.3 ألف حالة تسرب.

لماذا تتسرب الفتيات؟
تتسرب الفتيات من التعليم لأسباب عديدة، حسب الدكتور محمد علاء، الخبير التعليمي، أهمها:
1 - الزواج المبكر: تلجأ كثير من الأسر لتزويج الفتيات في عمر مبكر، إما لأن ذلك حل اقتصادي لها، أو استجابة لأعراف وتقاليد راسخة، خاصة في قرى الصعيد والدلتا، ورغم أن القانون المصري يحدد أقل سن للزواج القانوني بـ 18 عامًا، فإن حالات الزواج العرفي للقاصرات مازالت منتشرة.

2 - الفقر: تنظر الكثير من الأسر إلى تعليم الفتاة على أنه كماليات، بينما يشجعون الذكور للاستمرار، وفي الوقت الذي تحتاج الأسرة للموارد، يسربون الفتيات من المدارس للعمل في المنزل أو خارجه.

3 - أعراف اجتماعية: يفرض البعض قيوداً على الفتيات بسبب الخوف من التحرش أو الابتزاز، كتبرير غير منطقي لبقاء الفتيات في البيت وحرمانهن من التعليم.

4 - ضعف البنية التحتية التعليمية: في بعض المناطق، تبعد المدرسة عدة كيلومترات عن المنازل، مما يجعل الذهاب إليها تحديًا يوميًا، وخاصة للفتيات، في ظل انعدام وسائل النقل الآمنة، وهو ما يدفع أسرهن لإبقائهن في المنازل.

بوابة لأزمات مجتمعية
ويؤكد د. علاء، على أن تداعيات التسرب لا تقتصر على الفرد فقط، بل تتسع لتشكل عبئا على المجتمع، من خلال، ارتفاع معدلات الإنجاب، مضاعفة الضغط على الخدمات الصحية والتعليمية، إعادة إنتاج دائرة الفقر والجهل، زيادة احتمالية تعرضهن للعنف المنزلي، كذلك الحد من فرص مشاركتهن الاقتصادية بأكثر من النصف.

صدمة نفسية
تشير الدكتورة إيمان السيد، أخصائي الطب النفسي، إلى أن التسرب من التعليم، يشكل صدمة هوية طويلة الأمد، تؤثر على إدراك الفتاة لذاتها ومكانتها في المجتمع، مشيرة إلى أن الدراسات الحديثة توصلت إلى أن 70% من الفتيات المتسربات من التعليم، يعانين من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ومنها:
- فقدان الثقة بالنفس والشعور بالنقص.
- الانعزال الاجتماعي، وتفضيل البقاء في المنزل.
- الغضب غير المبرر، واضطرابات النوم.
- في بعض الحالات، ميول اكتئابيه ومحاولات إيذاء النفس.

وواصلت اخصائي الطب النفسي، لذلك فإن التسرب من التعليم مأساة مستترة تحمل آثاراً بعيدة المدى على الفتاة وأسرتها ومجتمعها، فكل فتاة تجبر على ترك التعليم، تحمل بداخلها قدر ضخم من الصمت، وقد تحتاج لسنوات في عيادات الأطباء النفسيين، هذا في حالة إن وجدت طريقًا للعلاج من الأساس.

التسرب في العاصمة
وحسب الدكتورة أمل شمس، أستاذ علم الاجتماع التربوي، أن ارتفاع أعداد المتسربات من التعليم بالقاهرة الكبرى، بسبب توافد أبناء الصعيد ومحافظات الوجه البحري، للبحث ن فرص العمل، ويتأثرون بشكل مباشر بالأوضاع الاقتصادية، خاصة العمالة اليومية منهم، ومنهم من يلجأ لتشغيل أولاده لتحسين مستوى المعيشة، مما يؤثر سلبًا على تعليم الأطفال، ومنهم الفتيات لعدم القدرة المالية على تعليمهن.

مقترحات رائدة
 الدكتور علي ماهر، يؤكد على أن إطلاق الدولة للمبادرات، وتفعيل القوانين، وزيادة دعم الأسر الأكثر احتياجًا، ينعكس إيجاباً على تعليم أولادهم، وعدم تسربهم من المدارس، ويقترح مجموعة من الآليات للحد من هذه الظاهرة:

1 - تفعيل القوانين ضد الزواج المبكر: يجب تغليظ العقوبات على الزواج العرفي للقاصرات، وملاحقة المأذونين والوسطاء، حيث ترتفع معدلات الزواج المبكر والطلاق والعنف الأسري وسط الفتيات غير المتعلمات بنسبة 40%، مقارنة بنظيراتهن اللاتي أكملن التعليم الثانوي على الأقل.

2- دعم الأسر اقتصادياً: برامج مثل تكافل وكرامة، إذا تم ربطها بشكل صارم بانتظام الأبناء في التعليم، فيمكن أن تحد من الظاهرة.

3- توفير وسائل نقل آمنة: خاصة للفتيات في المناطق النائية.

4- حملات توعية مجتمعية: تقودها مؤسسات حكومية ودينية وأهلية، لتغيير النظرة السلبية تجاه تعليم الفتاة.

5- دعم الصحة النفسية: بإنشاء وحدات دعم نفسي في المدارس والمراكز الصحية، تستهدف الفتيات اللائي انقطعن عن التعليم.

مبادرات 
رغم ما حققته مصر من خطوات على طريق تمكين الفتيات، وتعزيز فرص التعليم، لا يزال تسرب الإناث من الفصول يمثل أزمة في عدد من المحافظات، وخاصة في المناطق الريفية والعشوائية، وفي مواجهة هذه التحديات، أطلقت الحكومة عدد من المبادرات، لمحاربة تسرب الفتيات من التعليم، أبرزها مشروع "التعليم المجتمعي للفتيات"، الذي تنفذه وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، ويستهدف إقامة فصول دراسية مرنة في القرى والمناطق النائية، كما أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يقدم دعمًا نقديًا مشروطًا للأسرة في حال انتظام الأبناء في التعليم، ما ساهم في تقليل معدلات التسرب بنسبة 17% خلال السنوات الثلاث الماضية.

كذلك تعمل مبادرات مجتمعية مثل "بناتنا مستقبلنا" و"علّمني" على توفير فرص تعليم غير نظامي للفتيات اللائي خرجن من المدارس، وتعليمهن المهارات الأساسية ومحو أميتهن.

وهناك تفاوتاً ملحوظًا في نسب التسرب بين الذكور والإناث، حيث ارتفعت نسبة تسرب الذكور في المرحلة الابتدائية إلى 0.23% بما يعادل نحو 14.97 ألف طفل، مقابل 0.17% للإناث بعدد يقارب 10.4 ألف طالبة.

وفيما يتعلق بالمرحلة الإعدادية، أوضح جهاز الإحصاء أن الفتيات هن الأكثر عرضة لترك الدراسة في هذه المرحلة، حيث بلغت نسبتهن 1.1%، ما يعادل 26.72 ألف فتاة، في حين لم تتجاوز نسبة التسرب بين الذكور 0.66% بما يعادل نحو 16.63 ألف طالب.

وتسلط هذه الاحصائيات الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه الفتيات في استكمال تعليمهن، حيث تتداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تشكيل بيئة طاردة للتعليم، لاسيما للفتيات، كما تعكس هذه المؤشرات، الحاجة الملحة إلى تدخلات أكثر فاعلية من قبل الدولة والمجتمع المدني لاحتواء الظاهرة، وتوفير بيئة تعليمية آمنة للفتيات المعرضات للتسرب، خاصة أن التعليم هو حجر الزاوية في تحقيق التنمية الشاملة، وتمكين الأجيال القادمة.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية