تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : التأديب الإيجابي.. بديل العقاب لتربية جيل "ألفا"
source icon

سبوت

.

التأديب الإيجابي.. بديل العقاب لتربية جيل "ألفا"

كتب:مروة علاء الدين 

 في زمن يلهث وراء التكنولوجيا وتتغير فيه أنماط الحياة بوتيرة غير مسبوقة، يقف الآباء أمام سؤال محوري: كيف نربي أبناءنا في عالم مفتوح؟ هل ما زال العقاب البدني والتوبيخ القاسي وسيلة صالحة لضبط السلوك، أم أنهما مجرد بقايا من ماض يورث الخوف والندوب النفسية؟

تطرح دراسة حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية رؤية متكاملة حول أساليب التربية في مواجهة تحديات جيل "ألفا" – أي الأطفال المولودين منذ عام 2010 – حيث تكشف عن الأضرار العصبية والنفسية للعقاب، وتقترح "التأديب الإيجابي" كبديل إنساني وفعّال يربي أبناء واثقين، أقوياء، ومتماسكين دون قسوة.

آثار عصبية خفية
تشرح دكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن العقاب البدني لا يمر مرور الكرام على الطفل، بل يترك تأثيرات بيولوجية مباشرة على دماغه وسلوكياته المستقبلية.

وتوضح: "كل مرة يُضرب فيها الطفل، ترتفع هرمونات التوتر في جسده، وعلى رأسها الكورتيزول، الذي يؤثر على المناطق الدماغية المسؤولة عن المشاعر والذاكرة واتخاذ القرار، وإذا تكرر الضرب، يحدث تشوه في الروابط العصبية، ما ينعكس على التطور النفسي والمعرفي للطفل."

تضيف د. هبة أن الطفل الذي يُربى بالخوف لا يتعلم القيم، بل يتقن فقط كيف يخفي أخطاءه ويتفادى العقاب، على عكس الطفل الذي يُربى على التفاهم، والذي تنمو لديه القدرة على التقييم الذاتي واتخاذ القرارات السليمة.

جراح صامتة
تشير د. هبة إلى أن كثيرًا من المشكلات النفسية التي تُكتشف في المراهقة أو البلوغ، تعود إلى ممارسات العنف اللفظي أو الجسدي في سنوات الطفولة الأولى، فالتبول اللا إرادي، نوبات الهلع، العزلة، الأرق، اضطرابات الأكل، بل حتى الإدمان، تبدأ أحيانًا من صفعة، إنها جراح نفسية لا تُرى ولكنها تؤلم وتؤثر.

وتأكيداً على هذا نُشرت دراسة عام 2023 تؤكد أن الأطفال المعنفين بدنياً ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بالاكتئاب والقلق بنسبة 23%، كما تزداد لديهم السلوكيات العدوانية والمعادية للمجتمع بنسبة 31%.

تشدد د. هبة على أن جيل ألفا أكثر هشاشة نفسياً من الأجيال السابقة رغم قدراته الرقمية اللافتة، فقدرتهم على استخدام التكنولوجيا لا تعني أنهم ناضجون عاطفياً، بل أنهم بحاجة لتربية حساسة تفهم إيقاعهم الخاص، وتُراعي احتياجاتهم النفسية واللغوية، وتستبدل القسوة بالاحتواء.

سلطة دون حوار
من جانبها، تؤكد الدكتورة أسماء فؤاد، خبيرة علم الاجتماع بالإدارة المركزية لدعم القرار وعضو مجلس البحوث الاجتماعية والإنسانية، أن أساليب التربية العنيفة لا تزال شائعة في عدد كبير من البيوت، خاصة في ظل الاعتقاد الشعبي بأن "الضرب يهذّب"، رغم أنه يمثل شكلًا من أشكال التنشئة الاستبدادية.

وتشير إلى أن هذا النوع من التنشئة، يغيب فيه الحوار، وتحضر السلطة، يعلو الصوت ويُستبدل الفهم بالتخويف، والنتيجة؛ أطفال فاقدون للثقة بأنفسهم، عاجزون عن التعبير عن مشاعرهم، ومهيئون لاستخدام العنف لاحقا.

جيل جديد مختلف
وتضيف؛ مع ولادة جيل ألفا، يصبح من غير المنطقي تطبيق نفس قواعد التربية التي نشأنا بها؛ هؤلاء الأطفال ولدوا في عالم متصل بالشبكة، وتفتّحت أعينهم على التواصل اللحظي والمحتوى البصري.

تقول د. أسماء: "طرق التأديب القاسية لا تُجدي نفعا مع هذا الجيل، ما يحتاجه هو تربية قائمة على الحوار، الحدود الواضحة، والاحترام المتبادل، فكل طفل هو مشروع إنساني متكامل، لا أداة للسيطرة ولا انعكاس لسلطة الأهل."

وتشير الدراسة إلى أن العنف المنزلي، سواء كان جسديًا أو لفظيًا، يؤثر سلبًا على التكوين النفسي للأطفال، فهم يصبحون أكثر انعزالًا، وأقل قدرة على التكيّف، ويعيشون في دوائر من القلق والخوف، كما قد يظهرون ميولا عدوانية أو خضوعا مفرطا، ويُصابون بأمراض نفسية طويلة الأمد.

تقرير صادم
يوثق تقرير صادر عن اليونيسف يشمل 12 دولة، منها فلسطين ونيجيريا وصربيا، التأثيرات العميقة للعقاب البدني على الأطفال. ويؤكد أن هذا النوع من التربية يعطّل النمو العاطفي والمعرفي، يقوّض المهارات الاجتماعية واللغوية، يزيد من احتمالية الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، ويُرسّخ العنف كأسلوب مقبول لحل الخلافات.

تربية بلا خوف
في مواجهة هذه النتائج، تطرح دكتورة أسماء فؤاد التأديب الإيجابي كبديل فعّال وإنساني. وتقول: "التأديب الإيجابي لا يعني غياب الحزم، بل يعني استبدال العنف بالتواصل، هو تربية قائمة على الاحترام المتبادل، وفهم الدوافع خلف السلوك، لا الاكتفاء بعقاب المظاهر الخارجية."

هذا النهج مستوحى من أفكار العالم النفسي "ألفريد أدلر"، الذي أكد أن الطفل السيئ ليس إلا طفلًا فاقدًا للشعور بالانتماء أو الأهمية، ولذا، لا يفيد عقابه بل يعمق المشكلة.

مبادئ التربية الإيجابية
تُعدد د. أسماء المبادئ العشرة الأساسية للتأديب الإيجابي، وتشرح كلّا منها:

1. الاحترام المتبادل: عامل الطفل كما تحب أن يُعاملك، فالعلاقة ليست سلطة بل شراكة.
2. التشجيع الدائم: ركّز على الجهد المبذول، وليس على النتيجة فقط. عزّز التحسُّن مهما كان بسيطًا.
3. الحدود الواضحة: حدد قواعد مفهومة ومتسقة، واشرح أسبابها، وناقشها مع الطفل.
4. فهم المشاعر: استمع لطفلك باهتمام، احترم مشاعره، حتى عندما ترفض سلوكه.
5. التواصل الفعّال: استخدم لغة هادئة غير مُهينة، فالصراخ يعلّم الصراخ، لا الاحترام.
6. حلول مشتركة: ادعُ طفلك للمشاركة في وضع حلول للمشكلات بدلا من فرض العقوبة.
7. نتائج منطقية: دع الطفل يواجه تبعات سلوكه الطبيعية، ولكن في بيئة آمنة وغير مؤذية.
8. القدوة الحسنة: كن أنت السلوك الذي تريد أن تراه فيه؛ فالأطفال لا يسمعون بل يقلّدون.
9. أولوية العلاقة: قوِّ علاقتك بطفلك، فالرباط العاطفي هو الأساس الذي تبنى عليه كل قيمة.
10. التركيز على الحلول: بدلًا من التركيز على الخطأ، ساعده في تطوير بدائل أفضل مستقبلًا.

ولقد أظهرت دراسة نشرت عام 2023 وأُجريت في مدرسة دولية بالقاهرة أن تطبيق منهج "التأديب الإيجابي" على مدار ست سنوات أسهم في تحسين الصحة النفسية والتحصيل الدراسي للطلاب، خاصة في المراحل الابتدائية الصفوف من 3 إ- 5، وأكدت الدراسة أن النهج الإيجابي في التربية يعزز الانضباط الذاتي ويقلل من السلوكيات السلبية، مما يجعله بديلا فعالا للعقاب التقليدي.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية