كشف تقرير حديث، صادر عن البنك الدولي، سرعة نمو الطلب على العمل الحر، المؤقت عبر الإنترنت، إذ يشكل ما يقرب من 12% من حجم سوق العمل العالمية، وقدّر قيمة هذا السوق بنحو 1.5 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) بلغ 15%، ما يعكس تحولات واسعة في ثقافة العمل والتقدم التكنولوجي والاتجاهات الاقتصادية.
وأشار التقرير - الذي حمل عنوان "عمل بلا حدود: وعود وأخطار العمل الحر المؤقت عبر الإنترنت" - إلى أنه على الرغم من هيمنة البلدان المتقدمة حاليًّا على الطلب على العمالة المؤقتة عبر الإنترنت، فإن زيادة الطلب عليهم في البلدان النامية ينمو بمعدل أسرع بكثير، فعلى سبيل المثال، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ازدادت الإعلانات عن الوظائف على أكبر منصة رقمية بنسبة 130% في الفترة من (2016 - 2020)، بينما بلغ معدل النمو في أمريكا الشمالية 14% فقط.

545 منصة عمل مؤقتة
وتناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في تحليل، ما أظهره استطلاع الرأي - الذي أجراه البنك الدولي - على أكثر من 20 ألف شركة من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني باستخدام قواعد بيانات الشركات، والذي أشار إلى أن ما يقرب من 60% من الشركات في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض أو الدخل المنخفض تؤكد أن حصة العمال المؤقتين زادت بمرور الوقت، في حين أن نسبة الشركات في البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع أو الدخل المرتفع التي استعانت بهم من الخارج أقل من 50%.
كما وجد تقرير البنك الدولي أن هناك 545 منصة عمل مؤقتة عبر الإنترنت في 186 دولة حول العالم، ومن الجدير بالذكر أن نحو 75% من هذه المنصات تكون على المستوى الإقليمي أو المحلي، وكشفت البيانات أن العمالة المؤقتة للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تمثل مجتمعة 40% من الموجودين على منصات العمل المؤقت.

مخاطر العمل الحر الاقتصادية
واستعرض التحليل المواقع الأكثر شهرة للعمل على الإنترنت وهي: Fiver - Freelancer - Upwork، وهناك مواقع أكثر تميزًا مخصصة للمهنيين ذوي المهارات العالية، مثل: Toptal ، .Catalant Technologies
ومعظم العمالة المؤقتة عبر الإنترنت من فئة الشباب الذين يسعون إلى كسب الدخل، أو تعلم مهارات جديدة؛ نظرًا للمرونة التي يوفرها العمل المؤقت والتي تسمح لهم بالجمع بين العمل والدراسة، كما ركز التقرير بشكل خاص على مشاركة النساء في سوق العمل المؤقت التي تُعَد أكبر من مشاركتهن في سوق العمل التقليدي.
وحذر التقرير من المخاطر المحتملة لاقتصاد العمل الحر "الفري لانس" على البلدان ذات الدخل المنخفض؛ حيث يعمل أغلب الناس خارج نطاق لوائح العمل ويفتقرون إلى الوصول إلى التأمين الاجتماعي والمزايا. ولا تزال هناك فجوة كبيرة في الأجور؛ حيث تكسب النساء 68% فقط من أجور الرجال على المنصات عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من أن العمل الحر له العديد من المزايا، مثل: أن تكون رئيسًا لنفسك، وأن تعمل بشروطك الخاصة، وأن تحدد ساعات عملك بنفسك، فإن هناك تحديات قد تواجهك مثل أنه إذا كان لديك عميل لم يدفع لك في الموعد المحدد، فسوف تحتاج إلى البدء في اتخاذ خطوات للتأكد من قيامه بالدفع، وبحسب التقارير، يقول 54% من العاملين في اقتصاد العمل المؤقت إن الأمر يستغرق وقتًا طويلًا حتى يحصلوا على أجورهم، بينما يقول 44% من العاملين المستقلين إنهم واجهوا تحدي عدم الحصول على أجر من العملاء.

41 ألف دولار متوسط الدخل السنوي 
وقد استعرض التحليل أهم الأرقام التي يتناولها اقتصاد العمل الحر وتضمنت، أن ما يقرب من 30%من العاملين المستقلين، شهدوا انخفاضًا في عدد المشروعات عام 2023، مقارنة بالعام السابق له؛ مما يعكس التأثير الواسع للتباطؤ الاقتصادي وتقلبات السوق، بينما ارتفع الطلب على العاملين المستقلين ذوي الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي بنسبة 56%؛ مما يشير إلى ارتفاع حاد في متطلبات المهارات المتخصصة.
كما أظهرت النتائج تسجيل 27% زيادة في المشاركات المستقلة عبر الحدود خلال عام 2023؛ مما يشير إلى ارتفاع كبير في النطاق العالمي للعاملين المستقلين، وأن 40% من العاملين المستقلين على مستوى العالم تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا خلال عام 2023.
وأوضحت أن نسبة مشاركة النساء من القوى العاملة المستقلة العالمية خلال عام 2023؛ بلغت 48% وهو ما يظهر تكافؤًا -تقريبًا - في توزيع الجنسين في العمل المستقل في عام 2023، وأن أكثر من 35% من العمالة المستقلة مقيمون في آسيا؛ مما يعكس الأهمية المتزايدة للمنطقة في سوق العمل المستقل العالمية.
وأوردت النتائج كذلك، أن 50% نسبة قطاعات تكنولوجيا المعلومات والتسويق الرقمي في جميع المشاركات المستقلة في عام 2023, وأن متوسط الدخل السنوي للعمالة المستقلة على مستوى العالم نحو 41 ألف دولار في عام 2023، فيما أفاد العاملون المستقلون الذين يتمتعون بخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي أن متوسط الأرباح بلغ نحو 88 ألف دولار في عام 2023، وهو أعلى بكثير من المتوسط العام، فيما أعرب العاملون المستقلون في المجالات الإبداعية مثل: التصميم الجرافيكي، وكتابة المحتوى، عن متوسط أرباح بلغ نحو 37 ألف دولار في عام 2023، في حين قال المتخصصون في التسويق الرقمي وتحسين محركات البحث في قطاع العمل المستقل إن متوسط الأرباح السنوي بلغ نحو 52 ألف دولار في عام 2023.

تخصصات العمل الحر
وأبرز التحليل أهم التخصصات الجديدة والمطلوبة التي تشكل مشهد العمل الحر، وشملت، مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الذي شهد طلبا على العمالة المستقلة بزيادة 45% في عام 2023، تلاه قطاع الرعاية الصحية عن بُعد وشهد زيادة بنسبة 40% في المشاركات المستقلة، مدفوعًا بالتغييرات المستمرة في تقديم الرعاية الصحية، ثم استشارات الأمن السيبراني وارتفع الطلب على العمالة المستقلة المتخصصين فيه بنسبة 50% في عام 2023؛ مما يعكس المخاوف المتزايدة بشأن الأمن الرقمي.
وأوضح التحليل أن التكنولوجيا، وخاصة ظهور الذكاء الاصطناعي وأدوات التعاون الرقمي، قد أثرت بشكل كبير على اقتصاد العمل الحر، إذ من المتوقع  أن تستخدم 70% من العمالة المستقلة الذكاء الاصطناعي للقيام بالمهام الإدارية في عام 2025 مقارنة بنحو 50% في عام 2023, كما من المتوقع أن يتضاعف عدد العاملين المستقلين باستخدام الذكاء الاصطناعي لجهود التسويق الشخصية بحلول عام 2025، مقارنة بنحو 30% عام 2023، وأن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية لأكثر من 80% من العاملين المستقلين في التصميم وإنشاء المحتوى بحلول عام 2028.

الذكاء الاصطناعي يسيطر
تشير التوقعات كذلك الى أن نحو 60% من العمالة المستقلة ستستخدم منصات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتطوير المهارات بحلول عام 2025، مقارنة بـ 35% في عام 2023، كما يتوقع أن يُقدَّر حجم سوق منصات العمل الحر بنحو 9,57 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2030، مقارنة بنحو 3.39 مليارات دولار خلال عام 2023.
أشار التحليل إلى أن تصنيف أفضل البلدان لتوظيف العاملين المستقلين الصادر عن مجلة Ceoworld"" خلال عام 2024، يُحدِّد المزايا التي تقدمها أفضل 30 دولة حول العالم تجعلها وجهة مثالية للحصول على مواهب مستقلة عالية الجودة، من خلال السياسات الداعمة وطرق الدفع السهلة.

أفضل واجهات العمل الحر
وتُعَد كل من الولايات المتحدة الأمريكية والهند من بين أفضل الوجهات للعاملين المستقلين؛ حيث توفر أسواقهما الكبيرة والمتنوعة فرصًا واسعة عبر مختلف الصناعات، تليهما المملكة المتحدة والفلبين وأوكرانيا.
وأوضح التحليل في ختامه إنه من المتوقع أن يزداد نمو العمل الحر مع استمرار تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية؛ وهو ما سيُسهم في إعادة تعريف كيفية عمل العمالة المستقلة وازدهار سوقها، وسيعكس هذا التطور اتجاهًا واسعًا نحو قوى عاملة أكثر مرونة وتنوعًا وتكاملًا من الناحية التكنولوجية.