يمشي ببطيء في الشوارع ويسير بخطوات بها خجل، ربما لما يرتديه من ملابس ممزقة يغطيها بعض رقعات لأقمشة من نوع ولون مختلف، يشعر بالفقر لعدم قدرته على ارتداء ملابس جديدة.

ويدور الزمن بين العصور المختلفة ليصبح ما يرتديه ذلك الفقير هو أحدث موضة عالمية، بل كان من ملابس الملوك في عصر الفراعنة، فن "الباتشورك" الذي يسمى فن "الفقراء" أصبح أحد طرق الموضة الحديثة التي أستخدمها أغلب مصممي الأزياء حول العالم.

قطع جمالية

بالإبرة والخيط وأحيانا بالماكينات الخياطة يتم حياكة قطع مختلفة من الأقمشة مع بعضها البعض مكونة قطع جمالية يمكن الاستفادة منها في العديد من الأشياء سواء ارتداؤها أو استخدامها كمفروشات منزلية.

فن الباتشورك هو العشق لأغلب مصممي الأزياء لأنه هو الحل الأمثل للتخلص من "قصاقيص" القماش، هذا ما أكدته مصممة الأزياء رانيا يوسف في حديثها لـ "سبوت" وتقول: كنت أعاني من كم كبير من قصاقيص القماش "بواقي الأقمشة" التي استخدمها في تصميم الملابس، ووجدت أنه ليس من الصواب أن أهدرها، ولأنني تعمقت كثيراً في عالم الأزياء وجدت أن أغلب خطوط الموضة العالمية أصبحت تعتمد على فن "الباتشورك" ومن هنا قمت بتجميع تلك "القصاقيص" وصممت منها قطع أزياء تساير الموضة الحديثة.

فن الاحتياج

 يقال إن "الحاجة أم الاختراع" وهي القاعدة التي تم من خلالها ابتكار فن "الباتشورك" الذي يسمى فن  "الاحتياج"، فعندما كانت تبلى الملابس ويظهر القماش به قطعات احتاج الفقراء لعمل ترقيع لهذه الفتحات من أجل حمايتهم من برودة المناخ.  

الباتشورك من أمتع الفنون في تصاميم الأزياء وعلى الرغم من أنه يسمى فن "الفقراء" إلا أن رانيا يوسف مصممة الأزياء،  أكدت أنه فن غني جداً، لأنه غير معتمد على نوع القماش ولكن يعتمد على رؤية المصمم وفنه وإبداعه وذوقه وصنعته، مستطردة: "نعم هو لا يستهلك  خامات ولكنه يستغرق مجهودا كبيار حتى تظهر القطعة جميلة وبالفعل تظهر كذلك في النهاية، لأنها تكون مميزة وليست مكررة".

أزياء الفراعنة

جذور "الباتشورك" امتدت للأسرة الثامنة عشر في العصور المصرية القديمة،  حيث كان الملوك يرتدون ملابس ثرية بهذا الفن فقد وجد قطعة ملابس للملك توت عنخ آمون في المتحف المصري مكونة من ثلاث طبقات ومطعمة بالذهب، وقد تم تصميمها باستخدام هذا الفن، وكذلك وجد قطعة قماش ترجع الي الأسرة الـ 21 تغطي مومياء الملكة أبست أم محب وبها مربعات باللون الأزرق والأحمر تم ربطها باستخدام فن "الباتشورك" ، أما عن أهم قطعة فقد وجدت في وحدة "لودج كابن" وهي لوحة المومياوات المصرية القبطية التي تم اكتشافها عام 1880م.

وليست الأزياء فقط التي يمكن حياكتها بفن الباتشورك، إذ يستخدم في صناعة "الكوشنز" الوسادات و غطاء السرير "اللحاف"، أو في صنع الستائر، والمفارش، حتى قطع الأثاث المختلف، وكذلك مختلف أنواع الملابس من بنطلون و جاكيت، ملابس رياضية، أو سوت، إذ أكدت رانيا في حديثها، أن “الباتشورك فن معتمد على المصمم تماماً، ليس له قواعد وليس له قوانين فقط ذوقه ورؤيته، وهو متعب للغاية ولكنه ممتع في المقابل، فأنا أرى أن أجمل تصاميم الأزياء تكون بهذا الفن، حتى إن دور الأزياء العالمية استخدمت هذا الفن في عروض ازياءها مثل جوتشي وكنزو وقدمت أزياء رائعة".

فن الترقيع المجنون

ويعرف "الباتشورك" بفن "الترقيع المجنون" وله العديد من الطرق المختلفة فهناك طريقة تسمى "الهيكساجون" وتكون بها القصاقيص على شكل سداسي الأضلاع، وطريقة "السيمونول" وفيها تجمع بواقي الأقمشة على هيئة أشرطة، بالإضافة إلى الطريقة التقليدية وهي المربعات، وكل بلد لها طريقتها الخاصة في استخدام هذا الفن.

حرفة تقليدية

وفي الوقت الحالي، وكما أشارت مصممة الأزياء رانية، فمن الأفضل أن نقوم بعمل إعادة تدوير "ريسايكل"، إذ يمكن الاستفادة من الملابس القديمة والحقائب المقطعة و الجواكيت ونقوم بعمل فن الباتشورك، بحيث يتم إستغلال جميع الملابس بدلا من التخلص منها.

وواصلت، أن المفارش والبطانيات واللحف أرث الجدات للأجيال القادمة، فقد كان "الباتشورك" من الحرف التقليدية في الثقافة الغربية وبالأخص في أمريكا، فقد كانت الأمهات يجلسن لساعات طويلة من أجل حياكة لحاف من بقايا الأقمشة لتستفيد به في منزلها ويتم الاحتفاظ به "كشغل يدوي" يتناقل عبر الأجيال، وكانت كل أسرة تتفاخر بهذه التصاميم مع الأسر المجاورة لها.

الخامات التي تستخدم في فن الباتشورك ليست لها قواعد هذا ما أكدته مصممة الأزياء رانيا يوسف وقالت: "جلود أو قماش من الباييت أو جوخ او قطيفة أو أي نوع آخر من القماش، ويمكن استخدامه في التصاميم، فقط تنسيق الألوان مع بعضها البعض، ولكن في الفترة الأخيرة أصبح من الممتع أن نمزج العديد من الأقمشة بألوان مختلفة وخامات مختلفة ايضا، وليس من الضروري التقيد بتنسيق الألوان".