تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
استنكر العلماء والدعاة ومشايخ الطرق الصوفية ما أثاره البعض من جدل حول تحريم انتشار الصور المعالجة بتقنية الذكاء الاصطناعي وتجعل أصحابها يظهرون وهم يرتدون "زي" المصريين القدماء، وتمادى أولئك في افتئاتهم وتجرؤهم على الفتوى، بأن حرموا إقامة المتاحف أو زيارة الآثار القديمة بدعوى أنها تعيدنا لعصر عبادة التماثيل والأوثان، وجزاء ذلك أن من تشبه بقوم حشر معهم، وأن فرعون "يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ" (سورة هود 98)!
يفند فضيلة د. نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية، هذه الادعاءات، مؤكداً أن الإسلام لا يعرف القطيعة مع الحضارة بل يدعو إلى إحياء الجمال في كل مكان وزمان، موضحاً أن المتحف ليس مجرد مكان لجمع الآثار أو عرض لمقتنيات أثرية خالدة، بل يقدم رسالة حضارية تبرز تلاقي الإبداع الإنساني مع القيم العلمية والثقافية التى شكلت وجدان الأمة المصرية.
قال: في المتحف نرى كيف اجتمعت الأصالة بالمعاصرة، التاريخ بالإيمان، والله تعالى يقول: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة العنكبوت: 20)، فالتأمل في آثار السابقين دعوة قرآنية للتفكر في قدرة الله وعظمة الإنسان.
حملات ممنهجة
أشار الشيخ أحمد تركى، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، إلى أنه تزامناً مع افتتاح المتحف المصرى الكبير والذى يترقبه عدة مليارات من البشر حول العالم ويحضره عدد كبير من زعماء الدول مما يُعد أكبر حدث تاريخى فى العالم تتجه الأنظار إليه، ونجحت مصر بكل مؤسساتها الوطنية فى تسويق جزء ثمين من تاريخها وحضارتها، كقوة ناعمة بين شعوب العالم، ظهرت دعاوى أهل الشر الذين اعتادوا بعد كل إحراز نجاح مصرى على صناعة حملات موجهة لتشويه التأثير المصرى أو التقليل منه!! فانتشرت على السوشيال ميديا دعاوى باطلة من قبل الكتائب الالكترونية لقوى الشر تدعى أن الآثار المصرية جزء من الوثنية.
ورغم سطحية هذه الادعاءات وتفاهتها إلا أنه لابد من الاعتراف بأن جمهورًا من الشباب على السوشيال ميديا يسيطر عليه الجهل بالتاريخ والعلم، فكان لزاماً على العلماء والدعاة استنقاذ بعض العقول من الوهم، والتأكيد على أن القرإن الكريم فرق بين التماثيل المعبودة من دون الله التى كان يصنعها الناس سواء فى عهود الأنبياء السابقين أو فى العصر الجاهلى، وبين البنيان والآثار الحضارية للأمم السابقة.
ففى الوقت الذى اشتبك الإسلام مع الوثنية ودعوة الناس إلى التوحيد الخالص ونبذ الشرك والتقرب إلى الأصنام والاعتقاد فيها أنها تضر وتنفع (حيث كانت هذه هى القضية الأولى لدعوة الإسلام فى العصر الأول)، تحدث القرآن عن عمارة وبنيان الأمم السابقة دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى هدمها أو محو آثارها، فتحدث عن حضارة سبأ بسورة كاملة (سورة سبأ).
قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)".
ويعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1000 إلى 750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب.
كما تحدث عن حضارة عاد بقوله تعالى: "ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد(7) التي لم يخلق مثلها في البلاد)،" سورة الفجر، وتقع مدينة قوم عاد (إرم ذات العماد) في منطقة جزيرة العرب بين كل من دولتي (اليمن، وعمان)، أما عن إسم مدينة الأحقاف الذي أطلق عليها فهذا يرجع إلى المعنى الذي تحملة كلمة (الأحقاف) والذي يعني الرمال (الصحراء)، وكان مكان إقامة قوم عاد تحديدا في منطقة (صحراء ظفار)، التي تبعد قرابة الخمسين كيلومتر في الجهة الشمالية من مدينة صلالة.
وهكذا ستجد أن القرآن يذكر تلك الأمم بقصد العبرة والعظة فقط ولم يأمر بهدم آثارها أو محو المتبقى من حضارتها بل أمر القرآن بالتجول بين تلك الآثار للتذكرة، فقال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا" الروم: 9. وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ". غافر 21.
وقد أشار القرآن إلى آثار مصر فى أكثر من آية بقوله: "وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد" الفجر 10 وبالطبع تعنى كلمة الأوتاد، الآثار المصرية الشاهقة.
كما أشار القرآن إلى عيون موسى التى تقع على بعد 33 كم من نفق الشهيد أحمد حمدى "وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ" البقرة: 60.
وبالتالى علم الصحابة رضوان الله عليهم دروس القرآن، وحافظوا على آثار الأمم فى البلاد التى دخلوها ،
فى العراق ومصر وفارس والهند، الخ.
فلم يثبت أنهم هدموا سوى الأصنام المعبودة فى الجزيرة العربية، لأنها لم تكن آثاراً حضارية بل صنعت للعبادة فقط من دون الله. وحافظوا على آثار العراق والشام ومصر وكل البلدان، لأن تلك البلدان كانت تصنع حضارتها، والحفاظ على آثار الحضارات جزء من تعاليم القرآن لأخذ العبرة والعظة.
تابع الشيخ تركى: والمصريون القدماء بنوا حضارتهم لتظل آثارها شاهقة وحاضرة عبر العصور القادمة، وكان أجدادنا القدماء أشد ألأمم تديناً بإجماع المؤرخين، حتى قال هيروديت: "إن المصريين أشد البشر تديناً، ولا يُعرف شعب بلغ فى التدين درجتهم فيه، فإن صورهم بجملتها تمثل أناساً يُصلون أمام إله، وكتبهم فى الجملة أسفار عبادة ونسك".
والآثار المصرية القديمة تحكى لنا كيف شكلت العقيدة محور حياة المصرى القديم، فلولاها ما قامت تلك الأهرام، ولا شيدت تلك الآثار بجمالها وزخرفها وقوة بنيانها، وما يزيدها القدم إلا جمالاً وبهاء، ولولا الاعتقاد بحياة الأرواح ما اخترعوا تحنيط الأجسام.
لقد دخل الدين كعنصر قوى فى كل أعمال المصريين القدماء الخاصة والعامة، وكل دارس لتلك الحضارة العظيمة سيجد الدين فى الإرشادات الصحية، وأوامر الجند، وفى الحرب والسلم، وفى الزراعة وغيرها.
وفى فترات كثيرة من تاريخ المصريين القدماء ظهر التوحيد وظهرت الأخلاق المرتبطة بها وكذلك الصلوات والأدعية التى تظهره، حيث يقول العلامة عالم المصريات جاستون ماسبيرو ( 1846-1916): "وكان إله المصريين واحداً فرداً، كاملاً، عالماً بصيراً، لا يُدرك بالحس، قائماً بنفسه، حياً، له الملك فى السموات والأرض، لا يحتويه شيء، فهوا أبو الآباء، وأم الأمهات، لا يفنى ولا يغيب، يملأ الدنيا، ليس كمثله شيء، ويوجد فى كل مكان".
هذا وقد تواردت عقيدة التوحيد على العقل المصري ،إما بدعوة من الرسل الذين عاشوا فى مصر، أو بالفطرة الإنسانية التى تميل إلى خالق واحد فرد صمد. وقد ورد فى القرآن الكريم أن نبى الله يوسف عليه السلام- وقد نشأ فى بيت عزيز مصر كما جاء فى سورة يوسف- ورد ما يفيد دعوته لصاحبيه فى السجن باعتناق التوحيد. قال تعالى: "قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخرةِ هُمْ كَافِرُونَ* وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ* يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" ( 37- 40) سورة يوسف.
ثم جاء موسى عليه السلام، وذكّر المصريين بدعوة يوسف عليه السلام كما فى قوله تعالى: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34)" سورة غافر.
ولعل أبرز مظاهر الدين عند المصريين القدماء اعتقادهم فى الحياة الآخرة، وأنها الباقية بعد هذه الدنيا الفانية، فقد كانت الدنيا فى نظرهم فترة قصيرة، وبعدها حياة سرمدية، بل إن الدنيا ما هى إلا ممر إلى دار الخلود.
وفى كتابه "المصريون أول الحنفاء" ذكر د. نديم عبدالشافى السيار أستاذ علم المصريات فى جامعة عين شمس ( 1946-2018) الكثير من المعلومات حول المشتركات الدينية بين المصريين القدماء والدين الإسلامى فكلمة «حنف» فى القواميس المصرية ، ولها صورة تفسيرية " إنسان راكع على ركبتيه ورافع يديه إلى السماء، وكلمات هيروغليفية تقول الخاضع للإله الواحد! . انتهى كلام د السيار، وهذا المعنى لكلمة حنف يتوافق مع معنى نفس الكلمة فى اللغة العربية وفى القرآن الكريم
حيث يقول الله تعالى:
"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" البينة: 5.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120].
وتدل كلمة حنفاء فى اللغة العربية على الميل عن الضلال إلى الاستقامة
وذكر الدكتور السيار فى نفس الكتاب الكثير من الكلمات القرآنية المنبثقة عن اللغة المصرية القديمة!
يقول فى نفس الكتاب " كلمات: دين ، صوم ، حج ، ماعون ، حساب ، آخرة ، موت ، سقر ، ثواب ، كابا «كعبة»، كلها كلمات مصرية قديمة ، وأن أجدادنا كانوا يصلون بعد الوضوء ، وكان لهم إمم أى إمام ، وكانوا يصومون ، ويحجون ، ويزكون.
ويقول أيضاً عالم المصريات نديم السيار المصريون كانوا يتوضأون بنفس طريقة المسلمين حاليا وتبدأ بغسل الوجه والاذن والانف ثم اليدين ثم وضع القدم اليمنى فى إناء ماء ثم القدم اليسرى.
ويستدل بقول والس بدج فى كتاب الموتى الفرعونى ترجمة د . فيليب عطية : أنه كان لابد من ستر العورة قبل الصلاة ثم يبدأ المصلى يولى وجهه ناحية قبلى ناحية قبر اوزير فى ابيدوس
وكانت أوضاع الصلاة خمسة:
1- الأذان 2- وضع الوقوف مع وضع اليد اليمنى على اليسرى 3- وضع الركوع 4- وضع السجود 5- وضع القعود.
يبدأ المصرى بالصلاة ويقول: " أيها الواحد الأحد.. الذى يطوى الأبد .. يا موجد نفسك بنفسك.. يا مرشد الملايين إلى السبل .. يا من يجعل الجنين يكبر فى بطن أمه .. لم أُلحق ضررا بإنسان.. ولم أتسبب فى شقاء حيوان .. ولم أعذب نباتا بأن نسيت أن أسقيه ماء .. بل كنت عينا للأعمى .. ويدا للمشلول .. ورجلا للكسيح وأبا لليتيم .. إن قلبى نقى .. ويدى طاهرتان " .
"أقدسك ياسيد الكون بما يليق من كلمات بصلوات تزيد من عظمتك بأسـمائك العظيمة ومظاهرك المقدسة التي ظهرت بها في اليـوم الأول للعالم".
"إني يا إلهي لم أجع ولم أبك أحدًا .. وما قتلت وما غدرت .. وما كنت محرضًا على قتـل".
لقد تأثرت اللغة العربية بالكثير من المفردات والمعانى فى اللغة الهيروغليفية القديمة كما سبق ذكره من دراسة الدكتور السيار !!
كما وضح بجلاء المشتركات فى الخلق والعبادة بين المصريين القدماء والإسلام !!
مثل الوضوء والصلاة والصوم والسجود ومعنى الحنفية ،، الخ.
وبعد هذا السرد؟ أكان المصريون القدماء وثنيون ؟! وآثارهم وثنية ؟!
إن الوثنية فى عصرنا مترسخة فقط فى عقول هؤلاء الذين يتهمون مصر فى تاريخها وحضارتها لأنهم عبدوا الدولار من دون الله وجندوا أنفسهم للطعن فى مصر بقصد الاسترزاق! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مهبط النور الإنساني
ويؤكد د. عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أن احتفال مصر والعالم بافتتاح المتحف المصري هو مناسبة تتجاوز كونها حدثًا أثريًا، لتكون احتفالًا بروح مصر التي أنارت الدنيا علمًا وثقافةً وإيمانًا منذ فجر التاريخ .. مشيراً إلى أن هذا ليس مجرد إعادة فتح لمتحف عريق، بل هو تأكيد على أن مصر لا تزال مهبط النور الإنساني، ومهد الحضارة التي علمت العالم معنى البناء والخلود والإيمان بالإنسان. وأن العالم كله ينظر بإعجاب إلى ما تحققه مصر من نهضة حضارية وثقافية وروحية، تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أعاد لمصر مكانتها بين الأمم وجعلها منارة مضيئة للسلام والتسامح والإبداع.
وأكثر من ذلك فإن افتتاح المتحف المصري هو رسالة إلى كل شعوب الأرض بأن مصر قادرة على الجمع بين أصالة الماضي وإشراقة الحاضر، وأن روحها الصوفية المتسامحة هي التي حفظت هذا التراث وأبقت حضارتها حية نابضة رغم كل التحديات. فمصر لم تحتفل وحدها، بل احتفل العالم كله بها، فهي الأرض التي خرج منها أول فكر إنساني وآخر شعاع منير يضيء طريق البشرية. ومتحفها المصري شاهد على أن روح مصر باقية لا تزول، لأنها ترتكز على الإيمان والعلم والمحبة.
ريادة مصرية
ولم يكتف سماحة الشريف/ السيد محمود الشريف، نقيب السادة الأشراف، بتقديم التهنئة للرئيس عبدالفتاح السيسي والشعب المصري بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، بل وصف المتحف بأنه معجزة معمارية تعكس رؤية مصر الحديثة في الجمع بين أصالة التاريخ وعظمة التراث، وروح التقدم والتنمية المستدامة. مشيراً إلى أنه حدث استثنائي انتظره العالم بشغف واتجهت إليه أنظار البشرية جمعاء، وجسد ريادة الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في تعزيز مكانة مصر العالمية كمنارة للثقافة والسياحة والإبداع الإنساني.
وأكد نقيب الأشراف، أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيعيد صياغة المشهد السياحي بالمنطقة كلها، موجهًا الشكر والتقدير لكل من شارك في تشييد هذا الإنجاز الحضاري العظيم. ودعا المولى عز وجل أن يجعل وطننا مصدرًٍا للخير والنماء والازدهار وأن ينعم بالأمن والأمان والاستقرار والتقدم والتنمية، وأن يحفظه من كل مكروه وسوء، وأن يعُم الخير والسلام على العالم أجمع.
تجسيد عملي
وفي لفتة رمزية تعكس اعتزاز الصوفية بجذورهم الحضارية والتاريخية، قدّم السيد سالم الجازولي، شيخ الطريقة الجازولية وعضو المجلس الاعلي للصوفية تهنئته للشعب المصري وللسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، باعتباره أحد أكبر الصروح الثقافية والحضارية في العالم. ونشر "الجازولي" عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك رسالة تهنئة عبّر فيها عن فخره واعتزازه بالإنجاز التاريخي، مؤكدًا أن المتحف الكبير يمثل “حلقة وصل بين حضارة الأجداد العظماء وروح مصر الحديثة بقيادة الرئيس السيسي”.
وأرفق تهنئته بصورة له مرتديًا الزي الفرعوني، في إشارة رمزية إلى عمق الجذور المصرية التي تمتد إلى عصور الفراعنة، مؤكدًا أن التصوف في جوهره “امتداد لقيم التسامح والحكمة والنور التي عرفت بها مصر عبر تاريخها الطويل”.
أضاف شيخ الجازولية: “إننا كأبناء للطرق الصوفية نرى في المتحف الكبير تجسيدًا لعظمة الروح المصرية، التي جمعت بين الإيمان والعلم والجمال، وبين الأصالة والتجديد، فالفراعنة هم أجدادنا الذين شادوا حضارة باقية تشهد على عبقرية الإنسان المصري، ونحن نواصل هذا الإرث الروحي والإنساني في طريقنا إلى الله”.
متاجرون بالدين
واستشهد د. عبدالحليم العزمى، أمين عام الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، بمواقف عملية تدحض ادعاءات الرويبضة، قائلاً: سيدنا يوسف عاش بين المصريين القدماء ولبس ملابسهم وأكل طعامهم واستأنس بهم فى سلام وأمان. ولبس سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثياب المعافر المجلوبة إليه من مصر. فهكذا مصر، ولن تكون إلا كذلك؛ حتى وإن كره المتسلفة الكارهون وصبيانهم وكتائبهم ووعاظهم المتاجرون بالدين!
تنطع وجهل
من جانبه أكد الشيخ مظهر شاهين، خطيب مسجد عمر مكرم بالتحرير، أن الاهتمام بالآثار والحضارات القديمة ليس خروجًا عن الإسلام ولا مخالفةً لعقيدته، بل هو امتداد لروح العلم والتأمل التي دعا إليها القرآن الكريم، إذ أمرنا بالنظر في سنن من قبلنا فقال تعالى: «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»، وقال سبحانه: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ». فالنظر في آثار الماضين عبادة فكرية، ومجال للعبرة، ودليل على إدراك سنن الله في الكون والحضارة.
أضاف شاهين: ولا صلة بين الاهتمام بالآثار والعقيدة، فالمسلم لا يقدّسها ولا يعبدها، بل يراها شواهد إنسانية تعبّر عن عبقرية الإنسان وقدرته على البناء. أما الزعم بأن المصريين القدماء عبدة أصنام فباطل، إذ كانوا يؤمنون بفكرة الخلود، وهم أول من عرفوا التوحيد وآمنوا بإله واحد خالقٍ للكون ومدبرٍ له، وقد أثبتت نقوشهم ذلك بوضوح.
وقد احترم الإسلام الحضارات ولم يطمسها، بل نظر إليها بعين الإنصاف، يأخذ من علومها ما يوافق العقل والحق. ولما دخل الصحابة الكرام إلى مصر، لم يعتدِ أحد منهم على آثارها، لأنها لم تكن تُعبد، ولأنهم أدركوا أنها جزء من تاريخ الأمة وهويتها.
استطرد الشيخ شاهين: أما ما يقال عن تحريم ارتداء أزياء مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة أو استخدام رموزها، فهو من التنطع والجهل بحقيقة الدين، فالأزياء والعادات من شؤون العرف لا من مسائل العقيدة، ما دامت منضبطة بالآداب الشرعية.
والفخر بالأجداد فخر مشروع، ما دام لا يجر إلى تعصب أو ازدراء للآخرين. فالأمم تبني حاضرها على تراثها، ومصر التي أنجبت أول الموحدين وصنعت حضارة أبهرت العالم، جديرة بأن تفخر بماضيها وتواصل مسيرة نهضتها.
يستطرد "شاهين": خلاصة القول أن الاهتمام بالآثار والحضارة المصرية ليس شركًا ولا محظورًا، بل هو وعي بالهوية، واحترام لتاريخ الإنسانية، وإحياء لرسالة البناء والعلم التي جاء بها الإسلام. فديننا دين حضارة واحترام، لا دين طمسٍ وجحود، ومن واجب المصري أن يعتز بحضارته ويقدّمها للعالم في أبهى صورة، لتبقى مصر منارةً للحضارة ومهدًا للإنسانية.
مشاركة قرآنية
وفى ذات السياق قال د. عبدالفتاح الطاروطي: في ظل احتفالات مصر بعُرسها التاريخي الكبير، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير، سرّني وأسعدني أن كنت مشاركًا هذا اليوم التاريخي العظيم، بتلاوةٍ قرآن فجر السبت 1-11-2025 يوم الافتتاح، على الهواء مباشرة عبر أثير موجات الإذاعة المصرية، من رحاب الجامع الأزهر الشريف. وكانت التلاوة من أوّل سورة الفرقان المباركة. مع خالص تمنياتنا لمصرنا الحبيبة بمزيدٍ من الرفعة والازدهار، وأن يديم علينا وعليكم الأفراح والنجاح.
يفند فضيلة د. نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية، هذه الادعاءات، مؤكداً أن الإسلام لا يعرف القطيعة مع الحضارة بل يدعو إلى إحياء الجمال في كل مكان وزمان، موضحاً أن المتحف ليس مجرد مكان لجمع الآثار أو عرض لمقتنيات أثرية خالدة، بل يقدم رسالة حضارية تبرز تلاقي الإبداع الإنساني مع القيم العلمية والثقافية التى شكلت وجدان الأمة المصرية.
قال: في المتحف نرى كيف اجتمعت الأصالة بالمعاصرة، التاريخ بالإيمان، والله تعالى يقول: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (سورة العنكبوت: 20)، فالتأمل في آثار السابقين دعوة قرآنية للتفكر في قدرة الله وعظمة الإنسان.
حملات ممنهجة
أشار الشيخ أحمد تركى، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، إلى أنه تزامناً مع افتتاح المتحف المصرى الكبير والذى يترقبه عدة مليارات من البشر حول العالم ويحضره عدد كبير من زعماء الدول مما يُعد أكبر حدث تاريخى فى العالم تتجه الأنظار إليه، ونجحت مصر بكل مؤسساتها الوطنية فى تسويق جزء ثمين من تاريخها وحضارتها، كقوة ناعمة بين شعوب العالم، ظهرت دعاوى أهل الشر الذين اعتادوا بعد كل إحراز نجاح مصرى على صناعة حملات موجهة لتشويه التأثير المصرى أو التقليل منه!! فانتشرت على السوشيال ميديا دعاوى باطلة من قبل الكتائب الالكترونية لقوى الشر تدعى أن الآثار المصرية جزء من الوثنية.
ورغم سطحية هذه الادعاءات وتفاهتها إلا أنه لابد من الاعتراف بأن جمهورًا من الشباب على السوشيال ميديا يسيطر عليه الجهل بالتاريخ والعلم، فكان لزاماً على العلماء والدعاة استنقاذ بعض العقول من الوهم، والتأكيد على أن القرإن الكريم فرق بين التماثيل المعبودة من دون الله التى كان يصنعها الناس سواء فى عهود الأنبياء السابقين أو فى العصر الجاهلى، وبين البنيان والآثار الحضارية للأمم السابقة.
ففى الوقت الذى اشتبك الإسلام مع الوثنية ودعوة الناس إلى التوحيد الخالص ونبذ الشرك والتقرب إلى الأصنام والاعتقاد فيها أنها تضر وتنفع (حيث كانت هذه هى القضية الأولى لدعوة الإسلام فى العصر الأول)، تحدث القرآن عن عمارة وبنيان الأمم السابقة دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى هدمها أو محو آثارها، فتحدث عن حضارة سبأ بسورة كاملة (سورة سبأ).
قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)".
ويعتبر مجتمع سبأ واحداً من أكبر أربع حضارات عاشت في جنوبي الجزيرة العربية، ويعتقد أن هؤلاء القوم قد أسسوا مجتمعهم ما بين 1000 إلى 750 قبل الميلاد، وانهارت حضارتهم حوالي 550 بعد الميلاد، بسبب الهجمات التي دامت قرنين والتي كانوا يتعرضون لها من جانب الفرس والعرب.
كما تحدث عن حضارة عاد بقوله تعالى: "ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد(7) التي لم يخلق مثلها في البلاد)،" سورة الفجر، وتقع مدينة قوم عاد (إرم ذات العماد) في منطقة جزيرة العرب بين كل من دولتي (اليمن، وعمان)، أما عن إسم مدينة الأحقاف الذي أطلق عليها فهذا يرجع إلى المعنى الذي تحملة كلمة (الأحقاف) والذي يعني الرمال (الصحراء)، وكان مكان إقامة قوم عاد تحديدا في منطقة (صحراء ظفار)، التي تبعد قرابة الخمسين كيلومتر في الجهة الشمالية من مدينة صلالة.
وهكذا ستجد أن القرآن يذكر تلك الأمم بقصد العبرة والعظة فقط ولم يأمر بهدم آثارها أو محو المتبقى من حضارتها بل أمر القرآن بالتجول بين تلك الآثار للتذكرة، فقال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا" الروم: 9. وقال تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ". غافر 21.
وقد أشار القرآن إلى آثار مصر فى أكثر من آية بقوله: "وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد" الفجر 10 وبالطبع تعنى كلمة الأوتاد، الآثار المصرية الشاهقة.
كما أشار القرآن إلى عيون موسى التى تقع على بعد 33 كم من نفق الشهيد أحمد حمدى "وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ" البقرة: 60.
وبالتالى علم الصحابة رضوان الله عليهم دروس القرآن، وحافظوا على آثار الأمم فى البلاد التى دخلوها ،
فى العراق ومصر وفارس والهند، الخ.
فلم يثبت أنهم هدموا سوى الأصنام المعبودة فى الجزيرة العربية، لأنها لم تكن آثاراً حضارية بل صنعت للعبادة فقط من دون الله. وحافظوا على آثار العراق والشام ومصر وكل البلدان، لأن تلك البلدان كانت تصنع حضارتها، والحفاظ على آثار الحضارات جزء من تعاليم القرآن لأخذ العبرة والعظة.
تابع الشيخ تركى: والمصريون القدماء بنوا حضارتهم لتظل آثارها شاهقة وحاضرة عبر العصور القادمة، وكان أجدادنا القدماء أشد ألأمم تديناً بإجماع المؤرخين، حتى قال هيروديت: "إن المصريين أشد البشر تديناً، ولا يُعرف شعب بلغ فى التدين درجتهم فيه، فإن صورهم بجملتها تمثل أناساً يُصلون أمام إله، وكتبهم فى الجملة أسفار عبادة ونسك".
والآثار المصرية القديمة تحكى لنا كيف شكلت العقيدة محور حياة المصرى القديم، فلولاها ما قامت تلك الأهرام، ولا شيدت تلك الآثار بجمالها وزخرفها وقوة بنيانها، وما يزيدها القدم إلا جمالاً وبهاء، ولولا الاعتقاد بحياة الأرواح ما اخترعوا تحنيط الأجسام.
لقد دخل الدين كعنصر قوى فى كل أعمال المصريين القدماء الخاصة والعامة، وكل دارس لتلك الحضارة العظيمة سيجد الدين فى الإرشادات الصحية، وأوامر الجند، وفى الحرب والسلم، وفى الزراعة وغيرها.
وفى فترات كثيرة من تاريخ المصريين القدماء ظهر التوحيد وظهرت الأخلاق المرتبطة بها وكذلك الصلوات والأدعية التى تظهره، حيث يقول العلامة عالم المصريات جاستون ماسبيرو ( 1846-1916): "وكان إله المصريين واحداً فرداً، كاملاً، عالماً بصيراً، لا يُدرك بالحس، قائماً بنفسه، حياً، له الملك فى السموات والأرض، لا يحتويه شيء، فهوا أبو الآباء، وأم الأمهات، لا يفنى ولا يغيب، يملأ الدنيا، ليس كمثله شيء، ويوجد فى كل مكان".
هذا وقد تواردت عقيدة التوحيد على العقل المصري ،إما بدعوة من الرسل الذين عاشوا فى مصر، أو بالفطرة الإنسانية التى تميل إلى خالق واحد فرد صمد. وقد ورد فى القرآن الكريم أن نبى الله يوسف عليه السلام- وقد نشأ فى بيت عزيز مصر كما جاء فى سورة يوسف- ورد ما يفيد دعوته لصاحبيه فى السجن باعتناق التوحيد. قال تعالى: "قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخرةِ هُمْ كَافِرُونَ* وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ* يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" ( 37- 40) سورة يوسف.
ثم جاء موسى عليه السلام، وذكّر المصريين بدعوة يوسف عليه السلام كما فى قوله تعالى: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34)" سورة غافر.
ولعل أبرز مظاهر الدين عند المصريين القدماء اعتقادهم فى الحياة الآخرة، وأنها الباقية بعد هذه الدنيا الفانية، فقد كانت الدنيا فى نظرهم فترة قصيرة، وبعدها حياة سرمدية، بل إن الدنيا ما هى إلا ممر إلى دار الخلود.
وفى كتابه "المصريون أول الحنفاء" ذكر د. نديم عبدالشافى السيار أستاذ علم المصريات فى جامعة عين شمس ( 1946-2018) الكثير من المعلومات حول المشتركات الدينية بين المصريين القدماء والدين الإسلامى فكلمة «حنف» فى القواميس المصرية ، ولها صورة تفسيرية " إنسان راكع على ركبتيه ورافع يديه إلى السماء، وكلمات هيروغليفية تقول الخاضع للإله الواحد! . انتهى كلام د السيار، وهذا المعنى لكلمة حنف يتوافق مع معنى نفس الكلمة فى اللغة العربية وفى القرآن الكريم
حيث يقول الله تعالى:
"وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" البينة: 5.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 120].
وتدل كلمة حنفاء فى اللغة العربية على الميل عن الضلال إلى الاستقامة
وذكر الدكتور السيار فى نفس الكتاب الكثير من الكلمات القرآنية المنبثقة عن اللغة المصرية القديمة!
يقول فى نفس الكتاب " كلمات: دين ، صوم ، حج ، ماعون ، حساب ، آخرة ، موت ، سقر ، ثواب ، كابا «كعبة»، كلها كلمات مصرية قديمة ، وأن أجدادنا كانوا يصلون بعد الوضوء ، وكان لهم إمم أى إمام ، وكانوا يصومون ، ويحجون ، ويزكون.
ويقول أيضاً عالم المصريات نديم السيار المصريون كانوا يتوضأون بنفس طريقة المسلمين حاليا وتبدأ بغسل الوجه والاذن والانف ثم اليدين ثم وضع القدم اليمنى فى إناء ماء ثم القدم اليسرى.
ويستدل بقول والس بدج فى كتاب الموتى الفرعونى ترجمة د . فيليب عطية : أنه كان لابد من ستر العورة قبل الصلاة ثم يبدأ المصلى يولى وجهه ناحية قبلى ناحية قبر اوزير فى ابيدوس
وكانت أوضاع الصلاة خمسة:
1- الأذان 2- وضع الوقوف مع وضع اليد اليمنى على اليسرى 3- وضع الركوع 4- وضع السجود 5- وضع القعود.
يبدأ المصرى بالصلاة ويقول: " أيها الواحد الأحد.. الذى يطوى الأبد .. يا موجد نفسك بنفسك.. يا مرشد الملايين إلى السبل .. يا من يجعل الجنين يكبر فى بطن أمه .. لم أُلحق ضررا بإنسان.. ولم أتسبب فى شقاء حيوان .. ولم أعذب نباتا بأن نسيت أن أسقيه ماء .. بل كنت عينا للأعمى .. ويدا للمشلول .. ورجلا للكسيح وأبا لليتيم .. إن قلبى نقى .. ويدى طاهرتان " .
"أقدسك ياسيد الكون بما يليق من كلمات بصلوات تزيد من عظمتك بأسـمائك العظيمة ومظاهرك المقدسة التي ظهرت بها في اليـوم الأول للعالم".
"إني يا إلهي لم أجع ولم أبك أحدًا .. وما قتلت وما غدرت .. وما كنت محرضًا على قتـل".
لقد تأثرت اللغة العربية بالكثير من المفردات والمعانى فى اللغة الهيروغليفية القديمة كما سبق ذكره من دراسة الدكتور السيار !!
كما وضح بجلاء المشتركات فى الخلق والعبادة بين المصريين القدماء والإسلام !!
مثل الوضوء والصلاة والصوم والسجود ومعنى الحنفية ،، الخ.
وبعد هذا السرد؟ أكان المصريون القدماء وثنيون ؟! وآثارهم وثنية ؟!
إن الوثنية فى عصرنا مترسخة فقط فى عقول هؤلاء الذين يتهمون مصر فى تاريخها وحضارتها لأنهم عبدوا الدولار من دون الله وجندوا أنفسهم للطعن فى مصر بقصد الاسترزاق! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مهبط النور الإنساني
ويؤكد د. عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أن احتفال مصر والعالم بافتتاح المتحف المصري هو مناسبة تتجاوز كونها حدثًا أثريًا، لتكون احتفالًا بروح مصر التي أنارت الدنيا علمًا وثقافةً وإيمانًا منذ فجر التاريخ .. مشيراً إلى أن هذا ليس مجرد إعادة فتح لمتحف عريق، بل هو تأكيد على أن مصر لا تزال مهبط النور الإنساني، ومهد الحضارة التي علمت العالم معنى البناء والخلود والإيمان بالإنسان. وأن العالم كله ينظر بإعجاب إلى ما تحققه مصر من نهضة حضارية وثقافية وروحية، تحت قيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أعاد لمصر مكانتها بين الأمم وجعلها منارة مضيئة للسلام والتسامح والإبداع.
وأكثر من ذلك فإن افتتاح المتحف المصري هو رسالة إلى كل شعوب الأرض بأن مصر قادرة على الجمع بين أصالة الماضي وإشراقة الحاضر، وأن روحها الصوفية المتسامحة هي التي حفظت هذا التراث وأبقت حضارتها حية نابضة رغم كل التحديات. فمصر لم تحتفل وحدها، بل احتفل العالم كله بها، فهي الأرض التي خرج منها أول فكر إنساني وآخر شعاع منير يضيء طريق البشرية. ومتحفها المصري شاهد على أن روح مصر باقية لا تزول، لأنها ترتكز على الإيمان والعلم والمحبة.
ريادة مصرية
ولم يكتف سماحة الشريف/ السيد محمود الشريف، نقيب السادة الأشراف، بتقديم التهنئة للرئيس عبدالفتاح السيسي والشعب المصري بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير، بل وصف المتحف بأنه معجزة معمارية تعكس رؤية مصر الحديثة في الجمع بين أصالة التاريخ وعظمة التراث، وروح التقدم والتنمية المستدامة. مشيراً إلى أنه حدث استثنائي انتظره العالم بشغف واتجهت إليه أنظار البشرية جمعاء، وجسد ريادة الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي في تعزيز مكانة مصر العالمية كمنارة للثقافة والسياحة والإبداع الإنساني.
وأكد نقيب الأشراف، أن افتتاح المتحف المصري الكبير سيعيد صياغة المشهد السياحي بالمنطقة كلها، موجهًا الشكر والتقدير لكل من شارك في تشييد هذا الإنجاز الحضاري العظيم. ودعا المولى عز وجل أن يجعل وطننا مصدرًٍا للخير والنماء والازدهار وأن ينعم بالأمن والأمان والاستقرار والتقدم والتنمية، وأن يحفظه من كل مكروه وسوء، وأن يعُم الخير والسلام على العالم أجمع.
تجسيد عملي
وفي لفتة رمزية تعكس اعتزاز الصوفية بجذورهم الحضارية والتاريخية، قدّم السيد سالم الجازولي، شيخ الطريقة الجازولية وعضو المجلس الاعلي للصوفية تهنئته للشعب المصري وللسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، باعتباره أحد أكبر الصروح الثقافية والحضارية في العالم. ونشر "الجازولي" عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك رسالة تهنئة عبّر فيها عن فخره واعتزازه بالإنجاز التاريخي، مؤكدًا أن المتحف الكبير يمثل “حلقة وصل بين حضارة الأجداد العظماء وروح مصر الحديثة بقيادة الرئيس السيسي”.
وأرفق تهنئته بصورة له مرتديًا الزي الفرعوني، في إشارة رمزية إلى عمق الجذور المصرية التي تمتد إلى عصور الفراعنة، مؤكدًا أن التصوف في جوهره “امتداد لقيم التسامح والحكمة والنور التي عرفت بها مصر عبر تاريخها الطويل”.
أضاف شيخ الجازولية: “إننا كأبناء للطرق الصوفية نرى في المتحف الكبير تجسيدًا لعظمة الروح المصرية، التي جمعت بين الإيمان والعلم والجمال، وبين الأصالة والتجديد، فالفراعنة هم أجدادنا الذين شادوا حضارة باقية تشهد على عبقرية الإنسان المصري، ونحن نواصل هذا الإرث الروحي والإنساني في طريقنا إلى الله”.
متاجرون بالدين
واستشهد د. عبدالحليم العزمى، أمين عام الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، بمواقف عملية تدحض ادعاءات الرويبضة، قائلاً: سيدنا يوسف عاش بين المصريين القدماء ولبس ملابسهم وأكل طعامهم واستأنس بهم فى سلام وأمان. ولبس سيدنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم ثياب المعافر المجلوبة إليه من مصر. فهكذا مصر، ولن تكون إلا كذلك؛ حتى وإن كره المتسلفة الكارهون وصبيانهم وكتائبهم ووعاظهم المتاجرون بالدين!
تنطع وجهل
من جانبه أكد الشيخ مظهر شاهين، خطيب مسجد عمر مكرم بالتحرير، أن الاهتمام بالآثار والحضارات القديمة ليس خروجًا عن الإسلام ولا مخالفةً لعقيدته، بل هو امتداد لروح العلم والتأمل التي دعا إليها القرآن الكريم، إذ أمرنا بالنظر في سنن من قبلنا فقال تعالى: «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ»، وقال سبحانه: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ». فالنظر في آثار الماضين عبادة فكرية، ومجال للعبرة، ودليل على إدراك سنن الله في الكون والحضارة.
أضاف شاهين: ولا صلة بين الاهتمام بالآثار والعقيدة، فالمسلم لا يقدّسها ولا يعبدها، بل يراها شواهد إنسانية تعبّر عن عبقرية الإنسان وقدرته على البناء. أما الزعم بأن المصريين القدماء عبدة أصنام فباطل، إذ كانوا يؤمنون بفكرة الخلود، وهم أول من عرفوا التوحيد وآمنوا بإله واحد خالقٍ للكون ومدبرٍ له، وقد أثبتت نقوشهم ذلك بوضوح.
وقد احترم الإسلام الحضارات ولم يطمسها، بل نظر إليها بعين الإنصاف، يأخذ من علومها ما يوافق العقل والحق. ولما دخل الصحابة الكرام إلى مصر، لم يعتدِ أحد منهم على آثارها، لأنها لم تكن تُعبد، ولأنهم أدركوا أنها جزء من تاريخ الأمة وهويتها.
استطرد الشيخ شاهين: أما ما يقال عن تحريم ارتداء أزياء مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة أو استخدام رموزها، فهو من التنطع والجهل بحقيقة الدين، فالأزياء والعادات من شؤون العرف لا من مسائل العقيدة، ما دامت منضبطة بالآداب الشرعية.
والفخر بالأجداد فخر مشروع، ما دام لا يجر إلى تعصب أو ازدراء للآخرين. فالأمم تبني حاضرها على تراثها، ومصر التي أنجبت أول الموحدين وصنعت حضارة أبهرت العالم، جديرة بأن تفخر بماضيها وتواصل مسيرة نهضتها.
يستطرد "شاهين": خلاصة القول أن الاهتمام بالآثار والحضارة المصرية ليس شركًا ولا محظورًا، بل هو وعي بالهوية، واحترام لتاريخ الإنسانية، وإحياء لرسالة البناء والعلم التي جاء بها الإسلام. فديننا دين حضارة واحترام، لا دين طمسٍ وجحود، ومن واجب المصري أن يعتز بحضارته ويقدّمها للعالم في أبهى صورة، لتبقى مصر منارةً للحضارة ومهدًا للإنسانية.
مشاركة قرآنية
وفى ذات السياق قال د. عبدالفتاح الطاروطي: في ظل احتفالات مصر بعُرسها التاريخي الكبير، وهو افتتاح المتحف المصري الكبير، سرّني وأسعدني أن كنت مشاركًا هذا اليوم التاريخي العظيم، بتلاوةٍ قرآن فجر السبت 1-11-2025 يوم الافتتاح، على الهواء مباشرة عبر أثير موجات الإذاعة المصرية، من رحاب الجامع الأزهر الشريف. وكانت التلاوة من أوّل سورة الفرقان المباركة. مع خالص تمنياتنا لمصرنا الحبيبة بمزيدٍ من الرفعة والازدهار، وأن يديم علينا وعليكم الأفراح والنجاح.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية