تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
انتشرت في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا ظاهرة اقتناء دمى شديدة الشبه بالبشر تعرف باسم "دمى الريبورن" (Reborn Dolls)، لتتحول من مجرد ألعاب إلى ما يشبه رفقاء حياة حقيقيين، فهناك من يعاملها كأطفال رضع، يصحبها في الرحلات اليومية، ويعتني بها كما لو كانت كائنًا حيًا بالفعل، هذه الظاهرة أثارت جدلًا واسعًا بين من يعتبرها هواية بريئة أو وسيلة علاجية، ومن يرى فيها انعكاساً لأزمة نفسية أو اجتماعية عميقة، قبل أن تنتشر لاحًقا في أوروبا وأستراليا، وتحولت من مجرد دمى جامدة إلى صناعة مربحة تدر ملايين الدولارات.
وفي العالم العربي، بدأت هذه الدمى بالظهور تدريجيًا في الأسواق ووسائل الإعلام، حيث ينظر إليها كأدوات علاجية أو قطع فنية.
تصنع دمى الريبورن يدوياً بحيث تبدو كطفل رضيع حقيقي بكل تفاصيله؛ الوزن، ملمس الجلد، الألوان الدقيقة، وحتى أحيانًا أصوات أو تنفس محاكى، وتتراوح أسعار بعضها بين مئات إلى آلاف الدولارات، ويشهد السوق العالمي للدمى الواقعية نشاطًا واسعًا، مع وجود مجتمعات إلكترونية متخصصة لتبادل الصور والفيديوهات والقصص الخاصة بها.
وفي العالم العربي، بدأت هذه الدمى بالظهور تدريجيًا في الأسواق ووسائل الإعلام، حيث ينظر إليها كأدوات علاجية أو قطع فنية.
تصنع دمى الريبورن يدوياً بحيث تبدو كطفل رضيع حقيقي بكل تفاصيله؛ الوزن، ملمس الجلد، الألوان الدقيقة، وحتى أحيانًا أصوات أو تنفس محاكى، وتتراوح أسعار بعضها بين مئات إلى آلاف الدولارات، ويشهد السوق العالمي للدمى الواقعية نشاطًا واسعًا، مع وجود مجتمعات إلكترونية متخصصة لتبادل الصور والفيديوهات والقصص الخاصة بها.
حرفية مذهلة
وراء واقعية دمى الريبورن المدهشة تقف حرفة يدوية دقيقة تتطلب عشرات، وأحيانا مئات الساعات، فكل دمية تصنع يدوياً عبر عملية فنية معقدة تبدأ من جسم أساسي من الفينيل أو السيليكون، ثم يبني الفنان ملامح "الطفل" طبقة طبقة، باستخدام دهانات متخصصة ومئات الفرش الدقيقة، تحاكى أدق تفاصيل بشرة الرضيع، من الشفافية التي تكشف الأوردة الزرقاء تحت الجلد، إلى احمرار الخدود والوحمة الصغيرة التي تمنح كل دمية هويتها الفريدة، ولا تتوقف الدقة عند المظهر فقط، بل تشمل وزن الجسم الذي يعبأ بحبيبات زجاجية أو مواد خاصة ليشعر وكأنه رضيع حقيقي، وزراعة الشعر شعرة بشعرة، وصولًا إلى إضافة مؤثرات متطورة مثل صوت التنفس أو نبض القلب في بعض الموديلات، هذه التفاصيل الدقيقة تحول الدمى من مجرد "لعبة" إلى قطع فنية ثمينة، تبرر قيمتها العالية واهتمام هواة الجمع بها.
دوافع استخدام الدمى
يحلل الدكتور هاني يوسف، أستاذ علم النفس، الدوافع النفسية وراء هذه الظاهرة؛ بعض الأشخاص يستخدمونها لتعويض فقد أو حداد، مثل فقد الحمل أو رضيع أو طفل، حيث تمنحهم شعورا بالعزاء والأمان النفسي، آخرون يجدون في الدمى وسيلة لإشباع غريزة الأمومة والحنان، خصوصًا من لم يتمكنوا من الإنجاب أو اختاروا عدم الإنجاب، إضافة إلى ذلك، توفر الدمى رفقة وتخفف شعور الوحدة، فهي تمنح الشخص شعورا بالمسئولية والروتين اليومي، وهو أمر يعزز الاستقرار النفسي ويقلل من القلق والتوتر، ولكن يحذر من أن الاستغراق الزائد قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وانفصال عن الواقع.
وعلى الرغم من أن الظاهرة تبدو أكثر انتشارًا بين النساء لإشباع غريزة الأمومة، إلا أنها لا تقتصر عليهن؛ فثمة قاعدة كبيرة من الهواة والجامعين من الرجال، الذين ينخرطون في هذه الهواية بدوافع فنية بحتة، أو بحثًا عن الرفقة، أو كاستثمار في مجال جمع القطع الفنية النادرة، مما يضيف بعدا آخر للظاهرة.
الفوائد العلاجية
تسلط الدكتورة ليلى إبراهيم، أخصائية علاج نفسي، الضوء على الجانب العلاجي للدمى: "هناك أدلة علمية متزايدة على أن التفاعل الروتيني مع دمى شبيهة بالرضع يمكن أن يقلل من السلوكيات المضطربة والقلق لدى بعض مرضى الخرف، ويحسن التواصل ويخفف الضيق النفسي، الدراسات السريرية أظهرت نتائج إيجابية في مرافق رعاية المسنين عند استخدام 'doll therapy' ضمن نهج شخصي متمحور حول المريض."
وتضيف، بعض الأطباء النفسيين في الخارج بدأوا بالفعل باستخدام هذه الدمى كوسيلة علاجية لمرضى ألزهايمر وكبار السن المصابين بالخرف، حيث تساعدهم على تهدئة نوبات القلق والشعور بالطمأنينة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار الدمية علاجا قائما بذاته، فهي أداة مساعدة فقط، وتحتاج الدراسات إلى تعميم أوسع لتحديد الفئات الأكثر استفادة وطبيعة الاستخدام الآمن على المدى الطويل.
بديل للعلاقات البشرية
يتناول الدكتور كريم محمد، أخصائي علم الاجتماع، الجوانب الاجتماعية والثقافية المتعلقة بهذه الظاهرة، مشيرا إلى أن إقامة علاقات اصطناعية مع الدمى تمنح الفرد شعورا بالهوية والإنجاز، إلى جانب إحساسه بالقدرة على الرعاية والاهتمام. ويرى أن هذه الظاهرة متجذرة في سياقات اجتماعية أوسع تشمل مشاعر العزلة، والفراغ النفسي، ونقص الدعم الاجتماعي من الأسرة أو المحيط الاجتماعي. كما يلفت إلى أن ظهور الدمى في الأماكن العامة يثير جدلاً واسعًا حول مسائل الخصوصية وسبل التفاعل الاجتماعي، حيث ينظر إليها في بعض الحالات كبديل مؤقت أو جزئي عن التواصل البشري الطبيعي. ومع ذلك، يحذر الدكتور كريم من أن تخطي الشخص الحدود الطبيعية لهذه العلاقات، والاعتقاد بأن الدمية طفل حقيقي أو الاعتماد عليها بشكل دائم لتعويض الرعاية الاجتماعية أو النفسية، يتطلب تقييما دقيقا من المختصين في علم النفس والاجتماع.
الواقع الافتراضي
لم تتوقف جدلية دمى الريبورن عند الواقع الملموس، بل امتدت إلى العالم الرقمي، حيث أسست الظاهرة ثقافة فرعية رقمية مثيرة للجدل، على منصات مثل يوتيوب وتيك توك، انتشرت قنوات وآلاف المقاطع التي تعرض محتوى "لعب أدوار" (Roleplay) للدمى، توثق أنشطة يومية كإطعام الطفل، تغيير ملابسه، أو التجول به في عربة، كل ذلك بمستوى عال من الإيهام بالواقع.
بينما يعتبر منشئو هذه القنوات ومتابعوهم أن الأمر مجرد امتداد للهواية أو وسيلة للترفيه، إلا أن بعضها تحول إلى مصدر دخل عبر الإعلانات والرعاية، مما أضاف بعدا اقتصاديا ووظيفيا لهذه الثقافة الفرعية، في المقابل، يحذر نقاد من أن هذا المحتوى قد يغرس فكرة الاستبدال بالعلاقات البشرية، ويقدمها كبديل مقبول، خصوصا للفئات الأكثر حساسية أو تأثرا بالوهم.
تبقى ظاهرة دمى الريبورن مرآة عاكسة لتحديات العصر الحديث؛ حيث تلتقي الحاجة النفسية الفردية للرعاية والرفقة مع التقدم التقني القادر على محاكاة الحياة، وسط جدل مجتمعي دائم حول حدود الطبيعي وغير الطبيعي.
وفي النهاية، يبدو أن تقييم هذه الظاهرة يعتمد بشكل أساسي على سياقها ودوافع مستخدمها؛ فهي بين يدي شخص قد تكون وسيلة علاجية منقذة أو عملاً فنيًا يعتز به، وبين يدي آخر قد تتحول إلى مؤشر على أزمة تحتاج إلى تدخل، وهو ما يجعل فهم دوافع الاستخدام هو المفتاح الحقيقي للحكم عليها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية