تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : "اشترِ الآن وادفع لاحقًا".. فخ استهلاكي يبتلع دخل الأسر
source icon

سبوت

.

"اشترِ الآن وادفع لاحقًا".. فخ استهلاكي يبتلع دخل الأسر

كتب:نهى العليمي

لم تعد الأقساط مجرد وسيلة لتسهيل حصولنا على حياة كريمة تلبي متطلباتنا الأساسية، كشراء الأجهزة الكهربائية أو دفع أقساط المدارس والمنازل،
بل أصبحت أسلوب حياة في واقع استهلاكي نعيشه، يشمل الحصول على الملابس والحقائب والأحذية ذات الماركات العالمية، أو الخضوع لجلسات تجميل الوجه مثل الفيلر والبوتوكس والمايكروبليدنج والليزر.

ووصل الأمر إلى السفر حول العالم بالتقسيط عبر عروض شركات السياحة، وحتى شراء الألماس من محال المجوهرات بتسهيلات في الدفع!

أصبح التقسيط الباب السحري لكل من يحلم بأن يعيش في مستوى أعلى من واقعه، وللسعي وراء المنظرة والمظاهر الاجتماعية أمام الآخرين.

أرقام وإحصائيات

بحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة للرقابة المالية، بلغت قيمة التمويل الاستهلاكي الممنوح من الجهات الخاضعة لرقابتها نحو 56.7 مليار جنيه خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، أي أن المصريين اشتروا بالأقساط بهذا المبلغ خلال ثمانية أشهر فقط.

هذا الرقم ليس مجرد إحصاء مالي، بل مؤشر على تحوّل جذري في سلوك الأسر المصرية من ثقافة الادخار إلى ثقافة الاستهلاك غير المسؤول، ومن التركيز على الضروريات إلى الانجراف وراء إغراء الأقساط.
وهو ما يستدعي تحليلًا عميقًا لهذا السلوك على المستويات الاجتماعية والسلوكية والاقتصادية.

نتيجة طبيعية للتحولات الاقتصادية

يفسّر الخبير الاقتصادي محمد كامل، رئيس قسم الائتمان بأحد البنوك الاستثمارية، التوسع الكبير في نظام التقسيط قائلًا: «ظاهرة التوسع في الأقساط ليست صدفة، بل نتيجة طبيعية لتحولات اقتصادية متشابكة، نحن أمام مجتمع يعاني فجوة بين الدخل وتكلفة المعيشة، فجاء الائتمان الاستهلاكي ليسد هذه الفجوة، لكنه في الوقت نفسه يخلق فجوة جديدة مؤجلة إلى المستقبل.»

ويضيف أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء هذا التوسع:

- تعافي النشاط المالي وانتشار أدوات التمويل الرقمي.
- ارتفاع معدلات التضخم التي أضعفت قدرة الأسر على الادخار.
- لجوء التجار والشركات إلى تسهيل الشراء بالتقسيط لتعويض تراجع القوة الشرائية وتحريك الأسواق.

ويتابع الخبير الاقتصادي، التقسيط أصبح وسيلة إنعاش قصيرة المدى للاقتصاد، لكنه يزرع ضغطًا طويل الأمد على موازنات الأسر، فعلى المدى القصير، يدعم حركة السوق ويوفر سيولة للتجار وقد ينعكس إيجابًا مؤقتًا على الناتج المحلي،لكن الخطر الحقيقي يكمن في ارتفاع نسبة الأقساط إلى الدخل، ما يعرّض الأسر لمخاطر كبيرة في حال وقوع أزمات كفقدان الوظيفة أو ارتفاع الأسعار من جديد، فتتحول الأقساط من وسيلة راحة إلى عبء دائم.

هوية استهلاكية

يقول الدكتور أحمد بدر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن ثقافة الأقساط لم تعد وسيلة لتيسير الحياة فقط، بل تحوّلت إلى أسلوب حياة يعكس ما يُسمى "الهوية الاستهلاكية" للمصريين.

ويضيف، المواطن اليوم لم يعد يشتري لحاجته، بل ليؤكد انتماءه إلى طبقة أو صورة اجتماعية معينة، حتى لو كان الثمن ديونًا تمتد لسنوات.

ويشرح د. بدر أن المظاهر أصبحت مؤشرًا طبقيًا جديدًا، فبدلًا من السؤال "أين تسكن؟" أصبح السؤال الضمني "هل تمتلك سيارة حديثة؟ هل انتقلت إلى كومباوند؟ هل ترتدي ملابس ماركات عالمية؟".

لقد فرضت وسائل التواصل الاجتماعي نمطًا جديدًا من المقارنات اللحظية بين الناس، جعل من المظاهر معيارًا للمكانة.

ويرى أن التكنولوجيا والإعلانات الموجّهة أسهمت في تفجير هذا "الولع بالاقتناء"، فخوارزميات الذكاء الاصطناعي تراقب اهتماماتنا وتعرض علينا سلعًا لم نكن نعرف بوجودها، لتدفعنا إلى مزيد من الشراء.

ومع انتشار أنظمة التقسيط وخدمات "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"، اختفى الحاجز النفسي أمام الإنفاق، فأصبح الجميع قادرًا ظاهريًا على حياة الرفاهية دون امتلاكها فعليًا.

ويحذر بدر من أن هذا النمط الاستهلاكي الافتراضي يخلق انعكاسات اقتصادية خطيرة، منها؛ رفع معدلات التضخم، استنزاف المدخرات في الكماليات بدل استثمارها في التعليم أو الإنتاج، ونشوء مستوى معيشي "وهمي" قائم على الديون لا على الدخل الفعلي.

خلل سلوكي

تشرح الدكتورة نايرة أبو شوشة، مدرس علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة، أن أنظمة «اشترِ الآن وادفع لاحقًا» لا تعمل فقط كخدمة مالية، بل كآلية نفسية دقيقة تستهدف اللاوعي.

فهي قائمة على ما يسمى “تقليل ألم الدفع”، أي أن المستهلك لا يشعر بعبء الإنفاق لأن المبلغ مقسّم إلى دفعات صغيرة ومؤجلة، فيتوهم أنه يملك ما لا يملك.

وتوضح أن هذا النمط يخلق راحة زائفة، إذ تختفي صورة الفاتورة الكاملة خلف أقساط متفرقة، فيندفع الأفراد إلى قرارات شراء سريعة دون إدراك التكلفة الإجمالية.

ومع تراكم هذه الأقساط، تتحول الميزانية الشهرية إلى كمين نفسي يرهق الأسر ويضعها تحت ضغط مالي دائم.

وتضيف د. أبو شوشة أن الخلل لم يعد ماديًا فقط، بل قيميًا وسلوكيًا، حيث تغير ترتيب الأولويات رأسًا على عقب، فلقد أصبحنا نبدأ بالرفاهيات ونؤجل الأساسيات، ومع توافر التقسيط في كل شيء، من التجميل إلى الإلكترونيات، اختلت بوصلة الاحتياج الحقيقي لدى الأفراد.

وتشير إلى أن الضغوط الاجتماعية تدفع كثيرًا من النساء، حتى من الطبقات المتوسطة والفقيرة، إلى الاقتراض لإجراء عمليات تجميل باهظة كابتسامة هوليوود وشفط الدهون وتبييض الأسنان، سعيًا لمجاراة الصورة المثالية المفروضة عليهن.

ولم يعد الرجال بعيدين عن هذا الهوس بالمظاهر، إذ يلهثون بدورهم وراء اقتناء السلع الفاخرة أو الخضوع لإجراءات تجميلية لإثبات الذات، حتى لو تراكمت عليهم الديون.

وتختم بقولها إن هذه الدوامة النفسية والمالية لا تتوقف عند التعثر المادي، بل قد تمتد إلى اضطرابات في المزاج، وفقدان الإحساس بالأمان المالي، بل وقد تصل في بعض الحالات إلى الاكتئاب نتيجة فقدان السيطرة على الالتزامات.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية