تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قد يندهش البعض حين يعلم أن الجسد ليس مجرد آلة بيولوجية، بل مرآة صادقة لمشاعرنا، يترجم ما لا نقوله، ويعبر عما نخفيه خلف ابتساماتنا اليومية، كثيرون يجرون الفحوصات الطبية دون أن يجدوا سببًا واضحًا لأوجاعهم المتكررة، قد لا يكون الألم الذي نشعر به دائمًا ناتجًا عن مرض عضوي، فالجسد أحيانًا يعبر عن معاناة لا ترى، وأوجاع لم يتم التعبير عنها، حين تتراكم الضغوط، ويختنق الصوت في الحلق، يتحدث العقل بلغته الخاصة عبر الجسد، فيرسل إشارات خفية تترجم ما نعجز عن البوح به.
فذلك الصداع المتكرر، أو الأرق الذي يطاردنا ليلًا، أو ألم الصدر الذي لا تفسير له، كلها رسائل من عقل مثقل بالأفكار والمخاوف.. إنها لغة خفية بين الروح والجسد، لا تكتب بالحروف، بل تترجم بالأعراض، لتقول لنا: "توقف قليلًا... هناك ما يؤلمك في الداخل أكثر مما يظهر في الخارج."
فذلك الصداع المتكرر، أو الأرق الذي يطاردنا ليلًا، أو ألم الصدر الذي لا تفسير له، كلها رسائل من عقل مثقل بالأفكار والمخاوف.. إنها لغة خفية بين الروح والجسد، لا تكتب بالحروف، بل تترجم بالأعراض، لتقول لنا: "توقف قليلًا... هناك ما يؤلمك في الداخل أكثر مما يظهر في الخارج."
الألم الصامت
وفي هذا السياق، أكدت الدكتورة إيمان عبد الله، استشاري نفسي، أن هناك ما يعرف بـ «الألم الصامت»، وهو نوع من الأوجاع التي يشعر بها الإنسان في مناطق محددة من جسده كالمعدة أو الصدر دون وجود سبب عضوي واضح، وفي هذه الحالات لا يكون الألم جسديًّا بحتًا، بل انعكاسًا لمشاعر مكبوتة وضغوط داخلية لم تجد طريقها للخروج.
وتابعت؛ فالعقل حين يعجز عن التعبير بالكلمات، يبدأ في إرسال إشاراته عبر الجسد، وكأنه يقول: "أنقذوني... لقد تجاوزت طاقتي"، فعلى سبيل المثال، قد تتحول المشاعر المكبوتة إلى التهابات شديدة في المعدة، وهنا يكون الشخص محاصرًا بقلق داخلي أو خوف لا يستطيع التعبير عنه.
صراخ العقل
أما آلام الصدر، فهي في الغالب انعكاس لمشاعر حزن دفين أو هموم لا يتم التعبير عنها، حتى الكوابيس والأرق كما توضح د. إيمان، ليست إلا "صراخًا عقليًا" ناتجًا عن صراع داخلي أو خوف دفين، فيتحدث العقل إلينا أثناء النوم حين نعجز عن سماعه في اليقظة.
وترى د. إيمان أن الإرهاق المستمر دون سبب طبي واضح هو من أقوى رسائل المخ، فحين يشعر الإنسان بالتعب الدائم، رغم أن فحوصاته سليمة، فالعقل هنا يعلن أنه «مرهق نفسيًا» لا جسديًا، وأنه مثقل بالضغوط والهموم.
الرفض والهروب
أما فقدان الشهية فهو رفض داخلي للواقع أو فقدان للشغف بالحياة، بينما الإفراط في الأكل محاولة لملء فراغ عاطفي أو للهروب من مشاعر مؤلمة، فالكثير من النساء على سبيل المثال عندما يشعرن بالإهمال من أزواجهن يلجأن إلى الطعام، لأن تناول الحلويات يفرز هرمون «الدوبامين» المسئول عن الشعور بالسعادة، ولو بشكل مؤقت.
وتضيف أن ضيق التنفس أو نوبات الاختناق المفاجئة ما هي إلا نوبات قلق عميقة، يبعث فيها العقل برسالة واضحة ويقول "هناك قيود... أريد التحرر منها"، في حين أن الشعور بالتنميل في الجسد أو التخدر المتكرر إشارة نفسية قوية تدل على انسحاب داخلي من الواقع أو رفض مواجهته، كأن الجسد يقول "لا أريد أن أشعر بالواقع".
انسحاب العقل من الواقع
أما النسيان المتكرر لدى بعض الشباب فيفسر عادة بالخوف من بداية الإصابة بالزهايمر، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، وإنما ناتج عن تكدس الأفكار والضغوط داخل العقل، فيضطر إلى إسقاط بعض المعلومات ليتعامل مع الكم الهائل من الانشغالات الذهنية، فالعقل كما تقول الاستشاري النفسي يسمح لنفسه بالتشتت أحيانًا هروبًا من الضغط النفسي.
ذاكرة الجسد
وتؤكد د. إيمان، على وجود ما يُعرف بـ«ذاكرة الجسد»، وهي النظرية التي تقول إن الجسد يحتفظ بالذكريات المؤلمة ويخزنها داخله، فتُترجم بعد فترة إلى أعراض جسدية، فالشخص الذي يعاني من ألم مزمن في الظهر "رغم سلامة الفحوصات" غالبًا يحمل على عاتقه مسئوليات نفسية ثقيلة، أما من يعاني من اضطرابات القولون أو آلام المعدة فربما مر بتجارب قاسية لم يستطع تجاوزها بعد، حتى الأمراض الجلدية، كالإكزيما أو الحساسية المزمنة، قد تكون انعكاسًا لشعور القلق أو الخوف من الآخرين أو التعرض للنقد والجرح العاطفي.
رسائل متكررة
وتشير الاستشاري النفسي، إلى أن كل ألم متكرر بلا سبب طبي هو جرس إنذار من العقل يدعونا لمراجعة أنفسنا، فـ «الصداع» المتكرر مثلًا يرمز إلى تشتت أو قرار لم يُحسم بعد، بينما «الأرق» دليل على صراع داخلي مستمر، و«الإرهاق المزمن» تعبير عن رفض الواقع، و«الحزن» يترجم بثقل في الصدر، و«الغضب المكبوت» يظهر في صورة شد عضلي، و«الخوف» في ضيق التنفس، و«الشعور بالذنب» في اضطرابات القولون والمعدة.
وتختم د. إيمان عبد الله حديثها بعبارة بليغة وتقول "الأعراض ليست مرضًا.. لكنها لغة العقل التي يترجمها الجسد عندما يعجز اللسان عن البوح، يتحدث الجسد بصوته الخاص".
عدم الإصغاء للعقل
ومن جانبه يقول الدكتور محمد القاضي، استشاري الأمراض النفسية، إن الإنسان لا يرهق فجأة، ولا ينهار بلا مقدمات، بل يرسل العقل سلسلة من الإشارات المبكرة يعبر بها عن ضيقه وتعبه، لكننا غالبًا لا نصغي.
فـالتعب الذهني ليس كسلًا كما نتصوره، بل حالة من الإنهاك الداخلي تجعل التركيز صعبًا، والأفكار متشابكة، وأبسط المهام مجهدة، العقل هنا يرفع راية التحذير، يطلب هدنة قصيرة، لا إجبارًا على المزيد من العمل، حتى عشر دقائق من الصمت أو التنفس العميق قد تعيد له توازنه.
اضطرابات النوم رسالة هامة
أما اضطرابات النوم، فهي من أكثر اللغات التي يستخدمها العقل حين يختنق، حسبما أكد د. القاضي، فالأرق رسالة عن عقل لا يتوقف عن التفكير، عالق في قلق أو حيرة، بينما النوم المفرط نوع من الهروب، محاولة من العقل لإغلاق الأبواب على ما لا يريد مواجهته، وفي كلتا الحالتين، لا بد من الإنصات لما وراء السلوك، لا السلوك ذاته.
ويشرح د. القاضي، أن تقلب المزاج هو أيضًا صوت خفي للعقل، حين يتحول الفرح إلى حزن بلا سبب، أو الحماس إلى لا مبالاة، فهذه ليست صدفة، العقل وقتها يحاول أن يقول "لم أعد أحتمل هذا التناقض"، وقد يكون السبب بسيطًا كقلة النوم أو الإرهاق، وقد يمتد إلى ضغوط أعمق تتعلق بالعمل، أو علاقات سامة.
فقدان الحافز والحماس
أما فقدان الحافز والتشتت فهما علامة على أن الطريق الذي نسير فيه ربما لم يعد يناسبنا، فعندما يجبر الإنسان نفسه على أداء مهام لا تشبهه، أو يحمل فوق طاقته، يبدأ العقل في إطفاء الحماس تدريجيًا، كوسيلة لحمايتنا من الاستنزاف.
ويضيف د. القاضي أن العقل لا يعبر بالكلمات فقط، بل عبر الجسد، الصداع المتكرر، آلام المعدة، الشد العضلي في الكتفين والرقبة، كلها ليست دائمًا أمراضًا عضوية، بل انعكاسات مباشرة لضغوط نفسية لم تجد متنفسها، فالجسد هو «المرآة التي تعكس ما يسكن داخلنا من قلقٍ أو غضبٍ أو خوفٍ دفين».
الانسحاب الاجتماعي
ويحذر د. القاضي من تجاهل الانسحاب الاجتماعي، لأنه في كثير من الأحيان ليس مجرد رغبة في العزلة، بل صرخة مكتومة من النفس التي أرهقها الضجيج، العزلة المؤقتة قد تكون شفاء، لكن حين تطول، تصبح علامة خطر تحتاج إلى دعم واحتواء وأحيانا تحتاج إلى الذهاب إلى الطبيب المختص.
كذلك الأفكار المتكررة والمقلقة، تلك التي تدور في الرأس بلا توقف، ليست إلا محاولة من العقل لجذب الانتباه إلى جرح لم يُغلق بعد، والحل ليس في الهروب منها، بل في التعامل مع جذورها، سواء بالحديث، أو الكتابة، أو طلب مساعدة مختص، لأن مواجهة الفكرة هي أول طريق التحرر منها.
حلول بسيطة
ويرى د. القاضي، أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الإشارات هي التوقف والإنصات لما يقوله الجسد والعقل معًا، فالراحة ليست رفاهية، والنوم الجيد، والتغذية السليمة، والحديث مع من نحب، كلها أفعال بسيطة لكنها تُعيد للعقل طاقته واتزانه.
ويختم د. محمد القاضي بالتأكيد على أن العقل لا يصرخ فجأة، بل يبدأ بإشارات صغيرة، تجاهلها يحولها إلى صرخات قوية يصعب السيطرة عليها، فالإصغاء لهذه الإشارات في وقت مبكر يعني منح نفسك فرصة للراحة والتوازن قبل الوصول إلى مرحلة الانهيار.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية