مع كل شمعة تُضاف على كعكة الميلاد، يشعر البعض أن الزمن لا يحتفل معهم، بل يطرق باب الخوف بيدٍ ثقيلة. فالتقدم في العمر، الذي قد يراه البعض نضجًا وتجربة، يراه آخرون كابوسًا مروّعًا يقود إلى العزلة والقلق ونوبات الهلع… إنه ما يُعرف بـ"رهاب الشيخوخة".

في عالم يقدّس الشباب ويروّج لصور الجمال المرتبطة بالصغر، تتعمق مشاعر الخوف من الشيخوخة لدى الكثيرين، فتتحول إلى فوبيا نفسية تؤثر على جودة الحياة والصحة النفسية والجسدية.
فما أسباب هذا الرهاب؟ وهل هو مقتصر على النساء فقط؟ وكيف يؤثر المجتمع والإعلام في ترسيخه؟ وما الطرق العلمية والنفسية للتعامل معه؟

في هذا التقرير، نغوص في أعماق هذا الخوف، ونكشف ما بين السطور من أعراض وحقائق نفسية، كما نستعرض آراء الخبراء حول طرق التصالح مع العمر، وتقبل التغيير، وتحويل الشيخوخة من "فوبيا" إلى "حكمة" تعزز جودة الحياة.

وفي هذا السياق، تحدثت الدكتورة بسمة محمود معالجة نفسية، عن "رهاب الشيخوخة" وقالت إنه الخوف من التقدم في العمر، وغالبا هذا الشعور يواجه العديد من الأفراد، وهو يرتبط بتغيرات جسدية وعقلية وبتغيرات نفسية والتي تصاحب التقدم في السن، لافتة إلى أن جزء منه يتضمن الخوف من الموت، فكلما كبرنا في العمر يكون لدينا اعتقاد بأن الموت قد أقترب منا، وفوبيا الموت منتشرة بكثرة وهناك الكثير من يعاني منها.

دور المجتمع
وتابعت، المجتمع يلعب دوراً أكبر في تعزيز هذا الخوف لأنه طوال الوقت يعزز ويدعم مرحلة الشباب، حيث لديهم القوة وسرعة الإنجاز في كثير من الأمور، ومن يتقدم في العمر يكون لديه نقص في القوة وفي إنجاز العمل، فنجد أن الشباب متواجدين في الإعلانات والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ فيه.

هذا يجعل الإنسان يحارب التقدم في العمر بكافة الطرق، حسبما وصفت د. بسمة، وأكدت أن من لديه تلك الفوبيا يلجأ إلى عمليات تجميل وشد الوجه وغيرها من الأمور خوفا من أن يراه آخرين بمعالم الشيخوخة التي ظهرت على وجهه، وحتى يبدو قادر على قوة التحمل ولديه القدرة على إنجاز كافة المهام.

ليس النساء فقط
وأكدت د. بسمة أن رهاب الشيخوخة ليست موجودة عند النساء فقط حتى وإن كانوا النسبة الأكبر من النساء مصابون برهاب الشيخوخة، ولكنه موجود أيضاً لدى الذكور، فهناك الكثير من الرجال يذهبون إلى أطباء التجميل من أجل إخفاء عمليات الشيخوخة.

ومن أسباب انتشار رهاب الشيخوخة لدى النساء أن من ضمن مطالب المرأة في مجتمعنا أن تكون جميلة، فعندما تكبر في العمر نعتبرها ناقصة الأنوثة والجمال والتحمل والرغبة الجنسية تجاه زوجها، لذا نجد أن كثير من النساء يلهثن وراء عمليات التجميل حتى تكون طول الوقت جميلة وجذابة، حسبما أكدت المعالجة النفسية.

مشاكل نفسية
وفترة الشيخوخة يصاحبها مشاكل نفسية فيشعر الإنسان شعور بالوحدة والعزلة والرغبة في الانفصال عن المجتمع، مع قلة الأنشطة اليومية، وخاصة في سن التقاعد عن العمل حيث يشعرون بأنهم غير مطلوبين في سوق العمل، فهذا يجعلهم يشعرون بأنهم ليس لهم دور فعال في المجتمع، وهو الشعور بعدم الأهمية تجاه المجتمع واصدقائهم.

وهناك طريقة للتعامل مع التقدم في العمر لعل أهمها أن ينظر المجتمع لهذا العمر على أنهم أصحاب خبرة، ففي الغرب يعتبرون كبار السن ذوي خبرة فهم موجودين في كافة القيادات، فيجب دمج كبار السن في الأنشطة الأساسية الموجودة في المجتمع، وهذا شيء مهم وهو استغلال خبرتهم.

تقبل التغيير
وتابعت د. بسمة أنه يجب على الإنسان أن يتقبل فكرة أن أي شيء في الحياة معرض للتغيير، وتلك الأشياء ليست مرتبطة بعمر محدد، أفعل ما في وسعك الآن دون القيد بالعمر، فمهما تقدم العمل لابد من أن نتعلم مهارات جديدة والانفتاح على تجارب جديدة لأن العمر مجرد رقم.

ونصحت بضرورة إدخال العادات الصحية في حياتنا مثل تناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة بأشكال مختلفة، وبالتالي يستغل وقته بمختلف الطرق، وأيضا التعامل مع اشخاص ايجابين يساعدوا الإنسان على دخول في تجارب حياتية مختلفة، كما أن الرقص من الأنشطة التي تعزز ثقة الإنسان في نفسه وتشعره بأنه مازال في عمر الشباب.

وإذا وجد المريض أن رهاب الشيخوخة بدأ يعرقل حياته فعليه على الفور التوجه إلى طبيب مختص لتلقي العلاج والذي يكون عبارة عن جلسات علاج سلوكي معرفي.

نوبات الهلع والاكتئاب
وفي السياق ذاته، أوضحت الدكتورة شيماء عراقي، استشاري إرشاد نفسي وأسري وتعديل السلوك، أن من علامات رهاب الشيخوخة القلق والخوف الشديد وفقدان الثقة بالنفس ونوبات الهلع والاكتئاب، وقد يظهر لنا في مواقف اجتماعية مدى خوف البعض من إخفاء الوجه وخاصة في الجنازات مع إزالة المكياج ونشاهد ذلك بشدة وخاصة مع المشاهير. 

وتابعت أنه من الضروري للحد من الخوف المفرط لتوقعات الشكل والرهبة من تقدم السن اللجوء إلى المتخصصين للمساعدة على تقبل التقدم في السن، والحد من التفكير المفرط عن مرحلة الشيخوخة، لافتة إلى أن ممارسة الرياضة تسهم في الحد من رهاب الشيخوخة وتجدد طاقة الفرد وتحافظ على صحته وتأخر علامات التقدم في السن ومنها الوهن في الجسم وعدم القدرة على ممارسة الحياة بشكل صحي.