تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية بوتيرة غير مسبوقة، باتت حقوق المؤلف والمبدع تقف أمام تحديات كبرى، تتراوح بين سهولة النشر وتعدد الوسائط الرقمية من جهة، وضعف الحماية القانونية من جهة أخرى. ومع تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ، وانتشار منصات النشر الذاتي، لم يعد السؤال المطروح فقط: كيف ينتج المبدع عمله؟ بل: كيف يحميه من السرقة ، ومن يعيد له حقوقه إذا تم استغلاله أو سرقته في فضاء مفتوح بلا حدود؟
نرصد فى هذا التحقيق، ملامح التغير الجذري الذي فرضته الرقمنة على مفاهيم التأليف والنشر، ونسلط الضوء على آراء عدد من الخبراء حول سبل الحماية القانونية والتقنية، ونقف على تجربة عربية رائدة في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لخدمة حقوق المؤلفين.
من الورق إلى الفضاء الرقمي
لم يعد الإبداع مقيدًا بالورق، ولا المؤلف محميًا بنماذج الحماية التقليدية. منذ ولادة الفكرة وحتى نشرها على منصات رقمية عابرة للحدود، تغيّرت المعادلة. التكنولوجيا فرضت واقعًا جديدًا يعيد تشكيل العلاقة بين الكاتب والقارئ، ويوسّع من فرص الانتشار، لكنه فى الوقت ذاته يضاعف التحديات والمخاطر.
الدكتور هانى جرجس عياد، أستاذ علم الاجتماع، يوضح أن الفكر الإنسانى هو جوهر تقدم المجتمعات، مستشهدًا بقوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (المجادلة: 11)، مشيرًا إلى أن الإبداع يمر بثلاث مراحل: بلورة الفكرة، ثم صياغتها، وأخيرًا نشرها فى شكل مكتوب، وكل مرحلة من هذه المراحل تستوجب حماية قانونية وأخلاقية تضمن نسبة العمل إلى صاحبه.
ويؤكد أن النشر الرقمى غيّر المشهد كليًا، فلم يعد المؤلف بحاجة إلى دار نشر تقليدية أو موزعين للوصول إلى القارئ، إذ يكفيه الآن أن ينشر كتابه بنقرة واحدة ليصل إلى جمهور عالمي. وتشير الإحصاءات إلى أن الكتب الإلكترونية تمثل اليوم نحو ثلث سوق النشر فى الولايات المتحدة، وتتجاوز 50% فى بعض دول أوروبا، بفضل الانتشار الواسع للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.
لكن هذه الحرية تأتى بكلفة. فالمؤلف فى العصر الرقمى لم يعد مجرد كاتب، بل أصبح ناشرًا، ومسوّقًا، ومسؤولًا قانونيًا عن عمله. ووسط غياب الأطر المؤسسية الداعمة، يجد الكثير من المبدعين أنفسهم بلا حماية كافية.
ويضيف الدكتور عياد، أن مواجهة هذه التحديات تستوجب تضافر الجهود بين المؤلفين، والمؤسسات الثقافية، والمشرّعين، بهدف تأسيس بيئة رقمية عادلة تحفّز على الإبداع وتحميه فى آن واحد.
القانون يلهث خلف التكنولوجيا
من زاوية أخرى، يرى الدكتور ياسر المغربي، أستاذ تكنولوجيا المعلومات والملكية الفكرية، أن النشر الرقمى مثّل قفزة كبيرة نحو «ديمقراطية المعرفة»، لكنه فى المقابل وسع من تعقيدات الحماية القانونية. ويقول: «القدرة على نسخ وتداول المحتوى الرقمى بسهولة ودون إذن جعلت كثيرًا من القوانين الحالية غير فعالة».
ويحذر المغربى، من أن التطور التقنى المتسارع لم يقابله تطور قانونى مواز، ما أدى إلى ظهور ثغرات خطيرة تُستغل من قبل أطراف غير نزيهة. ويشير إلى أن بعض الحلول التقنية مثل التشفير الرقمي، وتكنولوجيا «البلوك تشين»، قد تسهم فى حماية حقوق المؤلف، إلا أنها لا تزال محدودة الانتشار، وتحتاج إلى وعى تقنى أكبر لدى المستخدمين والمؤلفين على حد سواء.
الذكاء الاصطناعي... أداة حماية أم خصم شرس؟
فى ظل هذه التحولات، برز الذكاء الاصطناعى كأحد أبرز أدوات العصر، فهل سيكون شريكًا داعمًا للإبداع أم تهديدًا له؟
أمل أبو زنط، المدير التنفيذى، ومؤسسة الرابطة العربية لتجمع خبراء الملكية الفكرية بفلسطين، ترى أن الذكاء الاصطناعى يشكل قوة مساعدة يمكن توظيفها لصالح حماية المؤلفين.
تقول: «الذكاء الاصطناعى يمكنه تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة فائقة، ويُستخدم فى تحسين عمليات التوثيق، وتحديد الانتهاكات، بل وتقديم حلول قانونية وقائية». وتشير إلى أن اعتماد المؤسسات على خوارزميات الذكاء الاصطناعى يسهم فى خفض التكاليف، وتقليل الأخطاء، وزيادة كفاءة إدارة حقوق الملكية الفكرية.
نموذج للتكامل بين الإنسان والتكنولوجيا
أوضحت د. أمل أبو زنط، أن الرابطة العربية لتجمع خبراء الملكية الفكرية تقدم نموذجًا ملهما لتوظيف الذكاء الاصطناعى فى بيئة عربية واعدة، انطلقت الرابطة من فلسطين كمبادرة افتراضية على منصة LinkedIn، واستطاعت خلال أقل من عامين أن تضم خبراء من دول عدة بينها مصر، والسعودية، والأردن، وسوريا، والمغرب العربي، وتثبت حضورها فى مجال حماية الملكية الفكرية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
اعتمدت الرابطة على تقنيات متعددة فى توسعها، أبرزها أنظمة الذكاء الاصطناعى فى تصميم المحتوى التوعوى من فيديوهات وصور، وتطوير أنظمة أرشفة رقمية ذكية لإدارة سجلات الأعضاء، والمتحدثين، وعمليات التواصل الآلى عبر البريد الإلكترونى الذكي.
وأكدت الدكتورة أمل أبو زنط، أن هذه التجربة أظهرت الإمكانيات الكامنة للذكاء الاصطناعى فى دعم عمليات اتخاذ القرار، وتحسين جودة الأداء، وتحقيق التكامل بين التقنية والمهارات البشرية.
أضافت: «الذكاء الاصطناعى لا يلغى دور الإنسان، بل يعززه ويقويه عندما يُستخدم كأداة مساندة، من خلال توجيه هذه التقنيات بشكل مسؤول، يمكننا تحقيق قرارات أكثر دقة، وتطوير بيئات العمل، والاستفادة من المعرفة الجماعية لصياغة مستقبل رقمى متقدم». واستثمرت الرابطة هذه الأدوات فى تنظيم حملات مهنية لحماية حقوق المؤلف، وتقديم محتوى معرفى محدث لأعضائها، ما يعكس قدرة التكنولوجيا على خدمة الإبداع العربي، وتحقيق نقلات نوعية فى التعامل مع قضايا الحقوق الفكرية.
نحو تشريعات مرنة وشراكات واعية
ختمت أمل أبو زنط، بالتأكيد على ضرورة إعادة النظر فى البنية القانونية الحالية، وتطوير تشريعات مرنة تواكب تسارع التكنولوجيا، وتحمى حقوق المؤلفين من الاستغلال الرقمي. وتدعو إلى شراكة واعية بين الإنسان والآلة، تنطلق من تكامل الأدوار لا من التنافس بينها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية