تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فى زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتشتد فيه مشاغل الدنيا، يطل علينا مواسم الطاعة، فتنتعش القلوب، وتتلألأ المساجد بالمصلين، وتعلو همم العابدين، ويُقبل كثير من الناس على الطاعة إقبال الظمآن على الماء، لكن ما إن ينقضى الموسم، مثل شهر رمضان الكريم والعشر أوائل من ذى الحجة وغيرها من الأيام والمناسبات ذات المكانة الدينية الكبيرة فى قلوب المسلمين حتى تخبو جذوة الروح، وتتراجع العزائم، وتغيب مظاهر القرب من الله، وكأن الطاعة مؤقتة، أو أنها مرتبطة بزمان دون غيره، وكأن القلوب لا تحنّ للعبادة إلا فى مواسم محددة.
ظاهرة « الطاعة الموسمية » باتت ملمحًا واضحًا فى سلوك كثير من المسلمين، حيث تختزل العبادة فى رمضان أو العشر الأوائل من ذى الحجة ، ثم تُنسى فى باقى العام، فى غفلة عن أن الله يُعبد فى كل وقت وحين، وأن ثبات الهمم بعد مواسم الطاعة هو أعظم علامات قبولها.
فى هذا التقرير، نقترب من هذه الظاهرة، نحاول فهم جذورها، ونرصد خطورتها على الإيمان، ونقدم حلولًا واقعية للثبات والاستمرار فى درب الطاعة، فالله لا يُريد منا لحظات مؤقتة من الإقبال، بل يريد قلوبًا ثابتة على الطريق، وسعيًا لا ينقطع.
يقول د. حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالجامع الأزهر ، والأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية للشئون العلمية والبحوث، من جميل صنيع الشرع الحكيم أنه يشرع من العبادات ما فيه مصلحة الإنسان والخلق أجمعين، كما أنه سبحانه وتعالى يهدى الناس إلى الطريق المستقيم ويعينهم عليه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وأشار د. الصغير، إلى أن المتأمل فى مواسم العبادات والطاعات، لاسيما الموسم الأكبر الذى مضى مؤخرًا وهو شهر رمضان المبارك، تتجلى أمامه ما فى شريعة الله من حكم وغايات، وهذا أمر لا يصدر إلا من الله عزّ وجلَّ الرحمن الرحيم، الذى يفرض على عباده العبادات والتكليفات ويعينهم عليها ويهديهم إليها، والعظيم فى ذلك أنه يأمرهم وينهاهم لما فيه مصلحتهم ولا يترك أحدًا منهم، بل يعينهم ويهديهم ويحثهم ويناديهم إلى الطريق الذى فيه نجاتهم.
وتابع: لأن رمضان هو الموسم الأعظم فى الخيرات والطاعات والعبادات، فالمتدبر له يجد أن المولى عزّ وجلَّ قدم له بموسمين عظيمين فى شهرى رجب وشعبان، وفى كل موسم منهما من الطاعات والقربات ما يعين العبد على استقبال رمضان، فرجب شهر الله الحرام الذى يضاعف فيه الثواب والصيام فيه مندوب لأنه شهر حرام، وشهر شعبان الذى بين رجب ورمضان، كان أكثر صيام النبى صلى الله عليه وسلم فيه، فلما سئل عن ذلك صل الله عليه وسلم، قال «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب رمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملى وأنا صائم»، فهذه تهيئة لصيام رمضان، الذى كل مرحلة منه تفضى إلى الثانية، ولذا فإن الهداية فى رمضان متعددة الجوانب، هداية إلى الصيام الذى هو السبيل إلى التقوى، وهداية إلى القيام الذى هو السبيل إلى الإخلاص والطاعة وتوحيد العبودية لله، وهداية إلى القرآن الذى فيه نظام حياتنا، ومعاشنا ومعادنا، وفيه أيضًا فضل ليلة القدر وزكاة الفطر التى فيها الكرم والجود والسخاء، فهى طعمة للفقير والمسكين وطهرة للصائمين من اللغو والرفث فهى تدل على الاستفادة من درس العبادة، وبأن الله يغفر الذنوب، وبأن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
وأضاف المشرف العام على لجان الفتوى: عند نهاية رمضان أدبنا المولى سبحانه وتعالى بعيد الفطر لكى نكمل العدة، فقد تقدمنا بالصيام والقيام والطاعات وصدقة الفطر، ثم يأتى يوم العيد للفرح والسرور، ثم هدانا المولى عزّ وجلَّ إلى حقيقة الشكر، يقول تعالى: ﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، وهدانا إلى ما بعد رمضان من الحفاظ على الحال التى كنا عليها فى رمضان، تنبيهٌ من المولى جل وعلا، إلى أننا كنا فى موسم تعلمنا فيه الكثير، فعلينا أن نضبط أنفسنا ونحكم شهواتنا، ونتأدب مع ربنا، ونحسن التعامل مع الناس، ونتحلى بالكرم، ومع ذلك خشى المولى عزّ وجلَّ أن ينصرم عنا رمضان ولم نستفد منه بشىء، فذكرنا بقوله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
وقال الشيخ أحمد إسماعيل عبد الحافظ، من علماء الأزهر الشريف ، «انتهى شهر رمضان وبقى الرحيم الرحمن، والاستقامة على الطاعة حال المؤمنين، والمداومة على العمل الصالح شأن المخبتين، والاستمرارية فى فعل الخير شعار الصالحين، وأمر الله بالمداومة على العبادة سيد النبيين، فقال جل شأنه: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».
وأوضح: «شهر رمضان لا تنتهى عباداته ولا حسناته، حتى لو انتهت أوقاته وساعاته، فالمؤمن الحق يكون ربانيّا، ولا يكون رمضانيّا، والذى ذاق حلاوة الإيمان ذاق حلاوة الإيمان يتعبد لله فى كل وقت وفى كل آن، لأن رب رمضان هو رب سائر الأزمان، والاستقامة بها يزيد اليقين وبسببها يقوى الأيمان».
وأضاف: «الاستقامة أمر بها الرسول وأمرت بها أمته، فقال تعالى: «واستقم كما أمرت ومن تاب معك»، ووصى الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كذلك بالاستقامة، فقال: «قل أمنت بالله ثم استقم»، فاستقيموا، فباستقامتكم تفلحون وتنجحون، والمرء باستقامته ينال الأفضلية وتحقق له الخيرية، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قالوا: وكيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: وفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه».
وشدد على أن أهل الاستقامة لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، والاستقامة روح الإسلام وجوهر الإيمان، وطريق الإحسان، فاستقيموا كى ترحموا ولا تستقيلوا فتحرقوا، فأهل الاستقامة باستقامتهم يهنأون ويسعدون وكفى أنهم يدخلون الجنة.
واختتم ناصحا: «لا تنقضوا عهدكم مع ربكم، فقال تعالى: «ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا»، وينهى الله عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، ويأمر بوفاء العهود، ويمثل ناقض ذلك بناقضة غزلها من إبرامه وناكثة من بعد إحكامه».
وقال الشيخ عبد الحميد أحمد، من علماء الأزهر الشريف، «كنت فى شهر رمضان صواما فى النهار قواما بالليل كثير الصدقة والإحسان لسانك مشغول بتلاوة القرآن، أتراك بعدما صرت بعبادتك من حزب الرحمن تنقلب على عقبيك بعد رمضان، تترك الصلاة وهى عماد الدين، فالصلاة نور للقلب مرضاة للرب، صلة بين العبد وبين ربه فحافظوا عليها».
وأضاف: «الاستقامة على الطاعة من أهم الأمور ومن الأدلة على إرادة الخير لعبده، والإعراض عن الله وعبادته دليل على نقصان الإيمان، فراقبوا الله واستقيموا إليه فى جميع الأوقات، وتقربوا له فى جميع الأوقات فالإله الذى يعبد ويسجد له فى رمضان هو الإله فى كل الأزمان».
وتابع: «فما أجمل الحسنة تتبعا الحسنة وما أقبح الحسنة تتبعها السيئة، فلا تضيعوا زمنكم باللهو والغفلة، ولا تفسدوا ما أسلفتم فى شهر الصيام، وإن من علامة قبول الحسنة، الحسنة بعدها»، موضحا: «قيل لبشر الحافى، «إن قوما يتعبدون فى رمضان ويتعبدون وإذا انسلخ رمضان انسلخوا، قال بئس القوم لا يعرفون الله إلا فى رمضان».
وأوضح: «قال الحسن البصري: لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت، ثم قرأ قوله تعالى «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية