تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تعد مصر واحدة من أعلى الدول في نسب الولادة القيصرية في العالم، إذ تجاوزت المعدلات الموصى بها عالميًا لتصل إلى أكثر من 50% من الولادات، مقارنة بالنسبة المثالية التي حددتها منظمة الصحة العالمية (10 – 15%).
هذه الظاهرة لم تعد مسألة طبية فقط، بل صارت قضية اجتماعية وثقافية واقتصادية، تتشابك فيها عوامل الاستسهال الطبي والخوف المجتمعي والدوافع التجارية.
وفي خطوة مهمة، أعلنت وزارة الصحة عن فرض معايير جديدة على القطاع الخاص لتعزيز الولادة الطبيعية والحد من القيصريات غير الضرورية، ما يفتح باب النقاش حول أسباب الظاهرة وتأثيرها على الأمهات والمجتمع.
أكدت الدكتورة أمل الدسوقى طبيب النساءوالتوليد، أن قرار وزارة الصحة الأخير يمثل خطوة حاسمة نحو إصلاح مسار الولادة في مصر. إذ أعلنت الوزارة عن مراقبة أسباب إجراء العمليات القيصرية من خلال الاعتماد على بيانات "البارتوجرام"، للتأكد مما إذا كانت العملية ضرورية طبيًا أم مجرد وسيلة تجارية.
وأوضحت دكتورة أمل أن المشكلة تكمن في استسهال بعض الأطباء للجوء إلى القيصرية رغم عدم وجود مبررات طبية، ما يترك آثارًا سلبية على صحة الأم الجسدية والنفسية، بل ويمتد أثره إلى علاقتها بطفلها وأسرتها. وأضافت أن الولادة القيصرية يجب أن تبقى خيارًا استثنائيًا يُلجأ إليه في الحالات الطارئة فقط، لا أن تتحول إلى "قاعدة" تمارس بلا ضوابط.
من جانبه، أشار الدكتور هشام وجيه، استشاري الجراحات العامة وجراحات الأطفال، إلى أن مصر والمنطقة العربية شهدت خلال العقود الأخيرة قفزة غير مسبوقة في نسب الولادة القيصرية. فبينما تراها منظمة الصحة العالمية ضرورة في حدود ضيقة، وصلت النسبة في مصر إلى ما يفوق 50% من الولادات وفق تقارير 2021، ما يعني أن نصف الأمهات تقريبًا خضعن لجراحة كبرى كان يمكن تجنبها.
لماذا انتشرت القيصرية؟
يرى وجيه أن هناك عدة أسباب رئيسية لانتشار الظاهرة:
استسهال الأطباء: الولادة الطبيعية تحتاج وقتًا أطول ومهارة وصبرًا، بينما القيصرية أسرع وأكثر قابلية للتحكم في مواعيدها، خاصة في المستشفيات الخاصة.
ثقافة الخوف لدى الأمهات: الإعلام والخطاب الطبي رسّخا فكرة أن الولادة الطبيعية مؤلمة وخطيرة، في مقابل تصوير القيصرية كخيار آمن ومريح.
الدوافع الاقتصادية: ارتفاع تكلفة القيصرية جعلها خيارًا أكثر ربحية للمستشفيات والأطباء.
غياب الدعم المجتمعي: كثير من الأمهات لا يحصلن على الرعاية الكافية بعد العملية، رغم كونها جراحة كبرى تتطلب فترة نقاهة طويلة.
الآثار السلبية
يشدد وجيه على أن القيصرية ليست مجرد "إجراء بسيط" كما يظن البعض، فهي عملية كبرى تتضمن شق سبع طبقات من البطن والرحم. وتترك آثارًا طويلة المدى مثل آلام الظهر والحوض، التصاقات داخلية قد تؤثر على الهضم والخصوبة، وصعوبات في الحركة ورعاية الطفل.
إلى جانب الآثار النفسية الناتجة عن فقدان تجربة الولادة الطبيعية أو الشعور بفرض القرار الطبي.
كيف نواجه الظاهرة؟
يرى الخبراء أن الحل يكمن في مجموعة من الخطوات المتكاملة:
نشر الوعي بأن الولادة الطبيعية هي الأصل، والقيصرية خيار استثنائي.
تدريب الأطباء الشباب على دعم الولادة الطبيعية.
تعزيز وجود "مرافقة ولادة" (doula) لمساندة الأمهات أثناء المخاض.
منح الأم إجازة تعافي حقيقية بعد القيصرية واعتبارها عملية كبرى في قوانين العمل.
إلزام المستشفيات بالإفصاح عن نسب القيصرية فيها ومحاسبة من يتجاوز المعدلات العالمية دون مبررات.
تمكين المرأة من اتخاذ قرار واعٍ بعد الحصول على المعلومات الكاملة، بعيدًا عن التخويف أو الضغوط.
بين جهود وزارة الصحة وخبرات الأطباء، يظل التحدي الأكبر هو إعادة القيصرية إلى مكانها الطبيعي كخيار علاجي عند الضرورة فقط، وليس مسارًا سهلاً أو تجاريًا. فالولادة الطبيعية ليست مجرد حدث بيولوجي، بل تجربة إنسانية واجتماعية تعزز ارتباط الأم بطفلها وتترك أثرًا إيجابيًا على الأسرة والمجتمع.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية