في عالم يرفع شعارات الكفاءة والدقة، قد يبدو السعي للكمال فضيلة تستحق الإعجاب، لكن حين يتحول هذا السعي إلى هوس يعيق الحياة اليومية ويغلف العلاقات الاجتماعية بسحب من التوتر، نكون أمام اضطراب نفسي معقد يُعرف بـ"اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية". هو ليس مجرد حرص زائد أو حب للنظام، بل نمط دائم من التفكير والسلوك يفرض على صاحبه قوانين صارمة من الشك، والمثالية، والانضباط المفرط.

في هذا التقرير، تشرح د. منى كمال، أخصائية نفسية إكلينيكية ومتخصصة في التقييم النفسي والإرشاد الأسري، أبرز ملامح هذا الاضطراب، وكيفية التعرف عليه.

السمات النفسية والسلوكية لاضطراب الشخصية الوسواسية القهرية بحسب د. منى كمال:

1. الحيرة والتردد الدائم:
يعاني المصاب من صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار أو الاستقرار على رأي واضح، حيث تسيطر عليه حالة من التردد المستمر وإعادة التفكير في أبسط الأمور.

2. الشك وانعدام الثقة:
يسيطر الشك المبالغ فيه على المصاب، سواء تجاه نفسه أو من حوله، فيميل إلى التشكيك في النوايا والافتراضات السلبية حيال المواقف.

3. المثالية القاسية:
رغبة الشخص في تحقيق الكمال تجعله يضع توقعات غير واقعية، ما يؤدي غالبًا إلى الإحباط وخيبة الأمل، خاصة إذا لم تسِر الأمور كما خطط لها.

4. هوس التأكد:
يتكرر لدى المصاب سلوك التأكد من الأمور بصورة مفرطة، كإغلاق الباب أو إطفاء المصباح، لدرجة تعيق نشاطاته اليومية.

5. الانشغال بالتفاصيل:
ينهمك بشكل مفرط في الأمور الدقيقة ويهمل الصورة العامة، مما يؤثر على إنتاجيته ويعيق إتمام المهام بسلاسة.

6. الضمير الحي بشكل مرهق:
يشعر الشخص بضرورة الالتزام التام بالأخلاقيات والمسؤوليات، فيدخل في دوامة من الضغط النفسي نتيجة سعيه لأن يكون مثالياً في كل تصرف.

7. صرامة في النظام والترتيب:
لا يتحمل الفوضى أو التغييرات المفاجئة، ويشعر بالضيق إذا خرجت الأمور عن نظامه المحدد سلفاً.

8. التمسك بالمثل العليا والتقاليد:
يقيّم الآخرين من منظور صارم بناءً على معتقداته الشخصية، ويصعب عليه التكيف مع أنماط تفكير وسلوك مختلفة.

9. الهوس بالنظافة والمظهر الخارجي:
يمضي وقتًا طويلاً في تنظيم مظهره أو بيئته، بدرجة قد تخرج عن النطاق الصحي وتتحول إلى عبء نفسي وجسدي.

10. زيارة الأطباء بشكل متكرر:
دافع الخوف المستمر من المرض يجعله يتردد على الأطباء بشكل مفرط، حتى في حالات لا تستدعي القلق.

11. الإفراط في تناول المكملات:
تسيطر عليه هواجس صحية تدفعه لتناول فيتامينات ومقويات دون استشارة طبية، ظنًا بأنها تحميه من الأمراض المحتملة.

اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية ليس مجرد طباع حذرة أو سعي للكمال، بل هو اضطراب نفسي عميق يحتاج إلى وعي وفهم ومساعدة متخصصة. فرغم أن المصاب يظهر بصورة الشخص المنظم والمثابر، إلا أن القلق الدائم والتوتر المستمر ينهكانه ويؤثران على جودة حياته وعلاقاته بالآخرين. التعامل مع هذه الحالة يتطلب تفهماً ودعماً، والأهم، استشارة مختص نفسي يساعد في إدارة هذه السمات وتحسين التكيف معها.