أم كلثوم ليست فقط أسطورة الغناء في الوطن العربي، بل حالة فنية وإنسانية استثنائية، دارت في فلكها كواكب لامعة من كبار الملحنين والشعراء والعازفين.
كان الغناء بالنسبة لها حياة كاملة، لها قوانينها الصارمة وطقوسها الخاصة، التي تُعدّها للاندماج مع الفن، ومن ثم إمتاع جمهورها الذي كان يفد إلى حفلاتها من مختلف أنحاء الوطن العربي.

طقوس ما قبل الحفل
عُرفت أم كلثوم التي يمر اليوم ذكرى ميلادها باهتمامها الشديد بكل تفصيلة تخص أعمالها الفنية، ولم تكن حفلاتها تترك للصدفة، بل تسبقها استعدادات دقيقة وطقوس ثابتة.

الكاتب الصحفي حسن عبد الموجود كشف، خلال ظهوره في برنامج «معكم منى الشاذلي»، تفاصيل تلك الطقوس كما وردت في كتابه «أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة»، مؤكدًا أن لكل حفلة عالمها المغلق الذي لا يدخله سوى المقربين.

كان فستان أم كلثوم سرًا تامًا لا يعرف عنه أحد شيئًا سوى مساعدتها الخاصة، كما كانت تحرص على الذهاب إلى مكان الحفل قبل موعده بوقت كافٍ، لتجلس في هدوء وتقرأ أجزاء من القرآن الكريم، ويأتي شخص تثق به ليرقيها بالبخور، ثم تجلس في سكون كامل حتى تبدأ في سماع عزف فرقتها الموسيقية.
التوتر من مواجهة الجمهور
على الرغم من صلابة أم كلثوم وقوة حضورها الفني، فإن مواجهة الجمهور في كل حفلة كانت تثير داخلها توترًا شديدًا، احتاجت سنوات طويلة لتتجاوزه.

وأشار عبد الموجود إلى حوار جمع أم كلثوم بالدكتورة نعمات أحمد فؤاد، كشفت خلاله كوكب الشرق أنها استغرقت أعوامًا لتتخطى رهبة الصعود إلى المسرح، ولم تكن تشعر بالاطمئنان إلا حين يبدأ الجمهور في التفاعل معها، وكأنها تدخل مع كل حفلة تحديًا جديدًا لإيصال صوتها إلى الناس.

وكان يلازمها خوف إنساني بسيط، يشترك فيه جميع المطربين، يتمثل في هاجس أن يأتي يوم تصعد فيه إلى المسرح ولا يخرج صوتها، وهو ما كان يدفعها إلى الحاجة لفترة من الهدوء والتركيز قبل الصعود إلى المسرح.

سر النظارة السوداء
ارتبطت صورة أم كلثوم على المسرح بالنظارة السوداء، التي كانت من خلفها تراقب جمهورها بدقة، تتابع ردود أفعالهم مع كل جملة موسيقية.

ولم تكن النظارة وسيلة للاختباء من الجمهور، كما أشيع، بل فرضتها ظروفها الصحية؛ إذ أُصيبت بمرض الغدة الدرقية، لم يكن له علاج متاح في مصر آنذاك، ما اضطرها للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وسط مخاوف دائمة من أن يؤثر المرض على صوتها.

وبسبب ما يسببه المرض من جحوظ في العينين، لجأت أم كلثوم إلى ارتداء النظارة السوداء لإخفاء آثار المرض، لتتحول مع الوقت إلى جزء لا يتجزأ من أيقونتها الفنية.