تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > الأهرام : العملات المستقرة.. الوجه الآخر لاضطرابات الأسواق
source icon

الأهرام

.

زيارة الموقع

العملات المستقرة.. الوجه الآخر لاضطرابات الأسواق

في خطوة وُصفت بالتحول المفصلي، أقرت الولايات المتحدة الأمريكية منتصف يوليو الجاري أول تشريع فيدرالي ينظم العملات المستقرة، مُعلنةً دخول عالم التمويل الرقمي إلى مرحلة جديدة من الصراع بين الهيمنة النقدية والتنظيم السيادي.

ففي عالم لم يعد الدولار وحده سيد القرار المالي، تظهر العملات المستقرة بوصفها أدوات جديدة تعيد رسم خرائط الاقتصاد العالمي، تحمل في طيّاتها وعدًا بالاستقرار، لكنها تخفي خلف جدرانها احتمالات اضطراب لا تقل خطورة عن الأزمات المصرفية الكلاسيكية.

تشريع "العبقرية": خطوة نحو تفوّق رقمي أم بداية لفوضى منظمة؟
عند توقيعه على ما يُعرف بقانون "Genius Act"، لم يُخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طموح بلاده في إعادة تكريس هيمنتها على النظام المالي العالمي، مؤكدًا أن هذا القانون سيفتح أبواب التفوق الرقمي الأمريكي لعقود قادمة، ويُقصي كل من الصين وأوروبا عن مضمار السباق.

لكن خلف هذا التفاؤل الرسمي، تتعالى التحذيرات من أن التوسع غير المنضبط في استخدام العملات المستقرة قد يُنذر بانفجار فقاعة مالية تُربك أسواق المال، وتُقوّض سيادة البنوك المركزية، خاصة في الدول النامية.

العملات المستقرة: بين الاستقرار المزعوم والفوضى المحتملة
على عكس التقلبات الحادة للعملات المشفرة مثل "بتكوين" وشقيقاتها، تحاول العملات المستقرة أن تُحاكي قيمة العملة الحقيقية، غالبًا الدولار، عبر ربطها بأصول سائلة مثل السندات الحكومية قصيرة الأجل أو أدوات مالية مرخصة. لكنها لا تصدر من قبل البنوك المركزية، بل من شركات خاصة، تخضع – في أحسن الأحوال – لتنظيم غير متكامل.

ويُقبل المستثمرون على هذه العملات لا لاستخدامها في شراء السلع والخدمات، بل في مجال العملات المشفرة الأخرى، أو استخدامها كوسيط سريع ورخيص في منصات التداول المختلفة.

المخاوف التنظيمية: تآكل السيادة النقدية؟
مع نمو سوق العملات المستقرة إلى أكثر من 270 مليار دولار حاليا، وتوقعات بتجاوزها 400 مليار دولار في 2025، يُثار القلق من هشاشة الضمانات التي تقف خلف هذه العملات، خاصة أن انهيار عملة مستقرة واحدة قد يؤدي إلى سلوك جماعي متهور من الشركات المصدّرة، مثل بيع أصول حكومية بسرعة، مما يُحدث هزّات في الأسواق العالمية.

الأخطر من ذلك أن هذا القطاع يعمل في هامش بعيد عن النظام المصرفي الرسمي، ما يُضعف أدوات البنوك المركزية في إدارة السيولة وتحديد سعر الفائدة والتحكم في المعروض النقدي. فكيف يمكن لبنك مركزي أن يُحدد سياسته النقدية إذا كانت عملة الدولة تُستبدل رقميًا عبر عملة مرتبطة بالدولار لا تخضع لسلطته؟

تهديدات قانونية وأمنية تتجاوز الاقتصاد
التحذيرات لم تعد اقتصادية فقط. فبحسب تقرير صادر عن مجموعة العمل المالي العالمية، فإن العملات المستقرة أصبحت وسيلة مفضلة لغسل الأموال، وتهريب المخدرات، والتمويل غير المشروع، بسبب سهولة استخدامها، وسرعة التحويل، وانعدام الحاجة إلى الإفصاح عن الهوية.

وتُشير الأدلة إلى تزايد استخدام هذه العملات في العمليات غير القانونية، خصوصًا من قبل التنظيمات الإرهابية والقرصنة الرقمية، وهو ما يعيد إلى الأذهان السؤال الجوهري: هل نحن بصدد إنشاء اقتصاد رقمي حر أم سوق سوداء مالية تحت مظلة تكنولوجية؟

الهيمنة الرقمية للدولار... سلاح ذو حدين
من المفارقات أن العملات المستقرة، رغم تهديدها للسيادة النقدية للدول، فإنها تُكرّس في الوقت ذاته هيمنة الدولار عالميًا، إذ أن معظم هذه العملات ترتبط به. فتوسّع استخدامها في الدول النامية كوسيط للادخار أو الدفع أو التحويل، يجعل من الدولار أداة لا تُنافَس في الفضاء الرقمي أيضًا، لا الورقي فقط.

وهذا يُضعف بنوكًا مركزية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ويجعلها عاجزة عن إدارة اقتصاداتها وفق أولوياتها الوطنية.

هل العملات المستقرة حل أم مأزق جديد؟
رغم أن العملات المستقرة تعد بتحديث نظام المدفوعات، وتقليل التكلفة وتسريع المعاملات، إلا أن خطرها لا يكمن في تقنيتها، بل في غياب الحوكمة. إذ أن إصدارها من قبل جهات خاصة، دون رقابة صارمة، يجعلها قنابل موقوتة في نظام مالي هش بطبيعته.

البديل المنطقي، وفق العديد من الاقتصاديين، هو إطلاق البنوك المركزية لعملاتها الرقمية الخاصة (CBDCs)، باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة التحديات التقنية والاحتكارات المالية، وضمانًا لاستمرار السيادة النقدية وسط عالم يتحول بسرعة إلى اقتصاد رقمي بلا حدود.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية