تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > الأهرام : أعطوا كرة القدم مساحة كبيرة من تفكيرهم..أدباء فى مصيدة التسلل
source icon

الأهرام

.

زيارة الموقع

أعطوا كرة القدم مساحة كبيرة من تفكيرهم..أدباء فى مصيدة التسلل

كتاب كثيرون أعطوا كرة القدم مساحة كبيرة من تفكيرهم، وألفوا الكتب عنها، لتجعلنا نرى ما يحدث فى المستطيل الأخضر من منظور ثقافي، ومثلما كانت مرآة الإبداع انعكاسا لموضوعات شتى، كانت الكرة ضمن المضامين التى استعان بها الكتاب، لتقديم رؤيتهم الخاصة، فقد كان مجال الكرة مركز استيعاب للكثيرين، ففيه متسع للكثير من الرموز والعلامات.

حين تعرف أن مكيافيللى صاحب كتاب "الأمير" كان ممارسا لكرة القدم، بالتأكيد سترى أنه لو كان واصل اللعب، لحرمنا من نظريته الفذة "الغاية تبرر الوسيلة" لكن مرض السل، حرمنا من لاعب كبير اسمه "ألبير كامو" (1913 – 1960) ومنحنا أفكارا فلسفية وجودية وروايات عبقرية، لا تزال تقرأ إلى اليوم، فقد كان حارس مرمى منذ طفولته، إلى مرحلة الدراسة بجامعة الجزائر، وكانت جدته تفحص كل ليلة حذاءه وتضربه، إذا ما وجدته ملطخا بالطين أو ممزقا، فقد كان ابن مزارع فقير.

خاض كامو العديد من المباريات المهمة مع فريقه، فى منافسة الفريق الذى يلعب له "إيمانويل روبليس" الكاتب المرموق فيما بعد، والذى يقول عن أبناء وهران إنهم كانوا يخوضون المباراة، كأنهم يخوضون معركة ضارية، لأن فوزهم على فريق العاصمة يزيدهم فخرا، وانقطع كامو عن اللعب فى سن السابعة عشرة من عمره، خصوصا عندما أصيب بمرض السل.

كان كامو يؤكد:"تعلمت أن كرة القدم لا تأتى مطلقا نحو أحدنا من الجهة التى ينتظرها منها، وقد ساعدنى ذلك كثيرا فى الحياة، خصوصا فى المدن الكبيرة، حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة" وهنا يشير الكاتب التونسى حسونة المصباحى، إلى أن كامو تعلم من كرة القدم الإقدام على المغامرة، وعلى مواجهة خصومه والمنافسين له بمعنويات مرتفعة، وبإصرار على كسب النصر، بل إنه يرى أن كل ما تعلمه من مبادئ أخلاقية، ومن الشعور بالمسئولية يعود أساسا إلى كرة القدم.

بعد حصوله على جائزة نوبل فى الأدب عام 1957 اشترى ألبير كامو بيتا فى قرية بجنوب فرنسا، وكان يداوم على مشاهدة مباريات كرة القدم، التى ينظمها الفتيان بالقرية، بل إنه اشترى لهم أزياء رياضية فى إحدى المناسبات.

وفى مذكراته التى نشرت تحت عنوان "أن تعيش لتحكي" يقول جارثيا ماركيز: "كانت خطوتى الأولى فى الحياة الواقعية، اكتشاف لعب كرة القدم فى الشارع أو فى أفنية الجيران، كان أستاذى فى هذه اللعبة، هو "لويس كارميلو كوريا" المولود بموهبة طبيعية لممارسة الرياضة، وموهبة فذة فى الرياضيات، أنا كنت أكبر منه بخمسة أشهر، لكنه كان يسخر مني، فقد كان أكبر حجما، ويزداد طولا على نحو أسرع مني، بدأنا اللعب بـ "الكرة الشراب" واستطعت أن أكون حارس مرمى ممتازا، لكن عندما بدأنا اللعب بالكرة الحقيقية، أصبت بضربة فى بطنى من ركلة قوية سددها لويس، فقضت على تطلعاتى فى هذه اللعبة".

ولأن نابوكوف صاحب الرواية الشهيرة "لوليتا" كان يقف حارس مرمى لفريق، إحدى المدارس فى سانت بطرسبورج، فقد تحدث عن "نعمة احتضان المرء الكرة وضمها إلى صدره" وبعد ثورة 1917 الروسية، واصل ممارسة اللعبة فى جامعة كمبردج، لكن شاعر روسيا الكبير يفتوشينكو، كان من الممكن أن يكون لاعبا كبيرا، لولا أنه فى الخامسة عشرة من عمره، وجد الشعر فى طريقه، فاعتزل اللعب، ساعتها قالت له أمه:"لقد ضعت نهائيا يا ولدي" وهو ما تذكره الشاعر فيما بعد قائلا: "ليتنى سمعت كلام أمي، فلو واظبت على اللعب، لأصبحت أكثر نجومية من بيكنباور ومارادونا، كنت سأصنع تاريخا مغايرا لحراس المرمى".

فى كل الأحوال، فإن هناك تفسيرا يرى أن الكرة نداء عميق للجميع، قادم من الجماعات البدائية الأولى، التى كانت تنصب شبكة فى الغابة، وتقود الطريدة نحوها، كل عناصر المشهد البدائى تستعيدها اللعبة، فالفكرة هى الطريدة التى يدفعها كل فريق نحو شبكة الآخر، هذا جانب من رؤية الروائى المغربى عبد الكريم الجويطي، الذى مارس لعبة كرة القدم، حتى مرحلة متقدمة من عمره، لكنه فى فترة من الفترات، رأى أنه من المستحيل التوفيق بين الكرة والدراسة.

وفى عام 2009 قدم الكاتب الصحفى "جون تيرنبول" تجربة فريدة فى جريدة "نيويورك تايمز"، اختار فيها منتخب الكتاب والأدباء فى العالم، وكان بينهم نجيب محفوظ، الذى حدد له مركز "قلب الدفاع" ولم يكن إبداع محفوظ بعيدا عن استلهامات كرة القدم، ففى رواية "ميرامار" نرى الصحفى عامر وجدي، شاهدا على مسيرة مصر فى القرن العشرين، وينتهى به المطاف فى الستينيات منسيا، مع بزوغ العصر الذهبى لنجوم كرة القدم، ولا يملك الرجل فى مواجهة هذه التحولات إلا أن يطلق صيحته الغاضبة: "أيها الأنذال، ألا كرامة لإنسان عندكم إن لم يكن لاعب كرة؟".

فى سيرة نجيب محفوظ التى سجلها الناقد الراحل رجاء النقاش، وصدرت فى كتاب بعنوان "صفحات مجهولة من حياة نجيب محفوظ" يحكى الكاتب الكبير، أنه كان يلعب الكرة فى المدرسة، حتى المرحلة الثانوية، مع فريق يضم عددا من كبار اللعبة، وكان يلعب فى الهجوم، مركز الجناح الأيسر.

يوضح محفوظ: "قد لا يصدق أحد، أننى كنت فى يوم من الأيام كابتن فى كرة القدم، واستمر عشقى لها نحو 10 سنوات متصلة، فى أثناء دراستى بالمرحلتين الابتدائية والثانوية، ولم يأخذنى منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها، فربما أصبحت من نجومها البارزين، فعلاقتى بالكرة ترجع إلى الفترة التى انتقلنا فيها إلى العباسية، كنت وقتذاك قد التحقت بالمدرسة الابتدائية، واصطحبنى شقيقى ذات يوم لزيارة صديق حميم له من عائلة الديواني، وهى عائلة معروفة، ومن أبنائها أطباء ومستشارون، كان بيت هذا الصديق يطل على محطة السكة الحديد، وعندما فرغنا من تناول الغداء اقترح أن يصطحبنا لمشاهدة مباراة فى كرة القدم، بين فريق مصرى وآخر إنجليزي، وكم كانت دهشتى كبيرة عندما فاز الفريق المصري، فقد كنت أعتقد حتى ذلك الوقت، أن الإنجليز لا ينهزمون حتى فى الرياضة، لكنها كانت الشيء الوحيد الذى نستطيع من خلاله الفوز عليهم دون أن يشكو أحد".

يضيف:"رجعت يومئذ إلى البيت وذهنى كله معلق بكرة القدم، وبأسماء لاعبى الفريق المصري، الذى هزم الإنجليز، خصوصا كابتن الفريق حسين حجازي، نجم مصر ذائع الصيت فى ذلك الوقت، طلبت من والدى أن يشترى لى كرة، وألححت عليه حتى وافق، وبدأت أقضى وقتا طويلا فى فناء المنزل ألعب الكرة بمفردي، محاولا تقليد ما شاهدته فى تلك المباراة، التى خلبت عقلي، وبسرعة شديدة، استطعت أن أتقن المبادئ الأساسية للعبة".

يحكى "محفوظ" عن حسين حجازي، قائلا: "كان له ثقله فى الملعب، وفى المرات التى شاهدته، أعجبتنى فيه ميزات، منها أنه يقوم بدور المايسترو خير قيام.

ويضيف: إذا كان حسين حجازي، هو كابتن الفريق المصري، فقد كنت أنا كابتن فريق "قلب الأسد" فى شوارع العباسية، مع أصدقائى أثناء الدراسة الابتدائية" لكن "محفوظ" رفض الانضمام إلى فريق الكرة بالجامعة، وانقطعت بعدها علاقته بكرة القدم، من ناحية الممارسة، وقد أصابته الدهشة مما رآه فى كرة القدم بعد ذلك، حيث أصبح لاعبو الكرة أكثر ثراء من نجوم السينما، كما لفت نظره الانتشار الرهيب لكرة القدم، وأرجع ذلك إلى الإذاعة والتليفزيون والصحف، التى أصبحت تفرد للكرة مساحات كبيرة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية