لطالما يضم تاريخ الأغنية العربية أسماء الكثير من الشعراء الذي فاتهم قطار الشهرة، وإن تعلقت بعض أغنياتهم بوجدان الجماهير، ومن بين هؤلاء الشاعر السكندري أحمد ملوخية.

«ملوخية» وإن لم يكن سكندري المولد؛ إذا أنه وُلد بمدينة دمنهور عام 1918م، لكنه كوّن شهرته كشاعر غنائي عبر إذاعة الإسكندرية، حيث كتب العديد من الأغاني التي احتفظت بها ذاكرة أهل الثغر،وشدا بها مشاهير المطربين السكندريين، مثل بدرية السيد، وبحر أبو جريشة، وإبراهيم عبد الشفيع، وفايد محمد فايد، وغيرهم .

حصل ملوخية على دبلوم الصنايع، وعمل مكوجيًا، لكن موهبة كتابة الأغاني العامية ذات اللون الشعبي كانت تلازمه وتُلح عليه، حينها توجه ملوخية لإذاعة الإسكندرية

البداية كانت عام 1954م، حين توجه ملوخية لإذاعة الإسكندرية، وقدم لها بعض البرامج الغنائية من أشعاره، مثل "رمضان في الإسكندرية، وصيف الإسكندرية" إلى جانب بعض الأغنيات لبعض مطربي الثغر، والتي حققت شهرة واسعة داخل المحافظة.

تلقى موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب "الطشة العاطفية" التي يقدمها أحمد ملوخية في أغنياته وأُعجب بها، فكان تلحينه لأغنية "أنا وحدي" لعبد الغني السيد، أواسط الخمسينيات، والتي تقول كلماتها "أنا وحدي يا ليل سهران بفكر في اللي ناسينى..أنا وحدي مع الحرمان وحرماني مكفينى..أنا وحدي مع الحيران ,خالي البال مجافينى .. أنا وحدي ..أنا وحدي".

لقد أبدع عبد الوهاب لهذه الأغنية لحنًا رائعًا منحه لصديق شبابه عبد الغني السيد، حيث كانا يقطنان سويًا حيًا واحد هو حي باب الشعرية التاريخي العريق، واختار موسيقار الأجيال لكلمات "ملوخية" الرومانسية، إيقاع السامبا الراقص، ليمنحها ثوبًا ينبض بالشياكة الموسيقية، ليتعانق كل هذا مع جمال الأداء الصوتي للمطرب عبد الغنى السيد، والحصيلة إبداع موسيقى قل نظيره.

وحين سُئل الموسيقار محمد عبد الوهاب عن التعاون مع الشاعر أحمد ملوخية، رد بسؤال يعكس مدى اقتناعه بكلماته قائلا: "كنا هنظلع إيه من دقية واحدة!" في إشارة إلى طبق "دقية الملوخية"، وهى من أشهر الأكلات المصرية، حيث تتم إضافة دقة الثوم إلى الملوخية، ما يمنحها مذاقًا ورائحة فريدة من نوعها.

كلمات ملوخية ذات الحس الشعبي، اقترنت بصوت مميز، هو المطرب محمد قنديل الذي غني له الأغنية الشعبية الشهيرة "إن جتنا يا جميل على عينا جييتك، وإن تنسي يا جميل خليك على غيتك"، ثم أتبع ذلك بأغنية" يا "لابسة الماشالله"، وقد نجت الأغنيتان وحققتا شهرة واسعة وذلك عام 1957م.

الحالة الرومانسية التي فرضتها الكلمات على محمد عبد الوهاب، جعلته يتغاضى عن اسم "ملوخية" مؤلف الكلمات وكذلك وظيفته، لكن الشاعر صاحب الكلمات الرومانسية الملتهبة على وقع حرارة "المكواة" رفض طلب الموسيقار فريد الأطرش بتغيير اسمه، من أجل إتمام عمل فني مشترك مع الفنانة شهرزاد.

حيث تحدثت الفنانة شهرزاد أن الموسيقار فريد الأطرش طلب منه بلطف تغيير اسمه "ملوخية"؛ لكي يتمكن من التلحين له، لكن ملوخية تظاهر بالرضا، وأثناء خروجه من منزل فريد الأطرش، قال بصوت مسموع: "ماله اسم ملوخية يعني، هو يعني اسم الأطرش هو الحلو قوي"، وذكرت شهرزاد أن فريد دمع من هذه الكلمات وتأثر بها، ليضيع التعاون بينهما.  

عاش أحمد ملوخية في حي الإبراهيمية مع زوجته المطربة السكندرية فريال عبد الحي، حتى توفي في 16 أغسطس عام 1990م، تاركا للمكتبة الموسيقية الكثير من الأغنيات الرائعة.