تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > بوابة أخبار اليوم : سوريا بعد الأسد.. خريطة جديدة للوطن والإقليم
source icon

بوابة أخبار اليوم

.

زيارة الموقع

سوريا بعد الأسد.. خريطة جديدة للوطن والإقليم

لا تزال المنطقة العربية، بل والعالم، يستفيق من مفاجأة انهيار حكم البعث فى سوريا بعد ما يقرب من خمسين عاما.. سقط نظام بشار الأسد ذو الأوتاد بعد ١١ يوما من بدء تحرك قوات فصائل المعارضة فى القرى والمدن حتى وصلت إلى العاصمة دمشق بعد مواجهات متواضعة وقصف جوى بمشاركة الجيش الروسى على استحياء فى الأيام الأول.

هذا الوضع السياسى يثير بعض النقاط الإشكالية. أولا: ما حدث يعد نموذجا جديدا لإسقاط الأنظمة السياسية من الخارج.. فما فعله جورج بوش الابن عام ٢٠٠٣ بإسقاط النظام السياسى فى العراق وقبل ذلك بعامين فى أفغانستان، ربما لن يتكرر.. ولماذا يتكرر والآن بوسع التنسيق المخابراتى الأجنبى هندسة تحرك سياسى وعسكرى داخلى فى أى دولة (لا يشترط أن يكون قوامه أبناء البلد ذاتها) قادر على إسقاط نظامها وتقديمها كوجبة دسمة تنهش فيها دولٌ أخرى؟!

ثانيا: هذا المشهد فى سوريا يكشف عن خريطة تتقاطع فيها مصالح عدة دول، الكل يسعى فيها لتحقيق منفعته. ومتابعة سياسات السلطات الجديدة يكشف بعضا من ذلك. فالإلحاح الذى تبديه السلطات الجديدة فى عودة النازحين من الخارج والتأكيد على دورهم المنتظر فى بناء البلاد، هو لا يعكس إلا مطلبا رئيسيا وعزيزا وأساسيا لتركيا التى تستضيف ملايين السوريين، وقد ضاقت بهم سياسيا واجتماعيا وأصبحوا قضية أساسية تتلقفها النخب  فى مواسم الانتخابات.. 

كما أن كلام السلطات الجديدة فى سوريا عن «الحريات» و«عدم فرض زى معين على المرأة» يلبى ما يراقبه الإعلام الغربى. فالسلطات الجديدة، وأحد مكوناتها الأساسية جماعة تضعها واشنطن على قائمتها السوداء، تريد أن تخلع عباءة سيئة السمعة وتلقى القبول والاعتراف الدولى.

وبالمثل فإن أمريكا تطلب ظاهريا أن يكون نظاما معتدلا يضمن الحرية للجميع، وباطنا تريد نظاما غير معادٍ لمصالحها ومصالح وأطماع حلفائها.. وربما يكون الرد والتفاعل المتواضع على احتلال إسرائيل جزءا من أراضى البلاد وتوغلها لمسافة ٢٥كم على الحدود وتدميرها مقدرات الجيش السورى وترسانته الجوية والبحرية، فضلا عن الكيميائية، هو نفسه ضمن الرسائل المصاغة بدقة للخارج. 

فى المقابل، فإن الداعمين السابقين لنظام الأسد، مصالحهم الحالية تبدو متواضعة. أما روسيا فقد تمكنت من إبرام اتفاق لتأمين قاعدتها العسكرية حميميم.. وتحدثت تقارير عن بدء نقل معدات عسكرية لها لخارج سوريا.. وأما إيران فجلُّ آمالها هو عدم وجود نظام معادٍ لها.. وانشغلت طهران منذ سقوط الأسد بسحب كل قواتها وخبرائها العاملين فى سوريا، إذ باتت أجواء البلاد مرتعا للطيران الإسرائيلي والأمريكي الذى يتحجج بضرب فلول داعش، بالتزامن مع بحثه عن مواقع الترسانة الكيميائية.

◄ حسابات إيران

لكن ما حدث يشير إلى وضع إقليمى جديد وخطير بحق..  ففضلا عن توسيع مساحة الأراضى العربية المحتلة وتعزيز النشوة الزائفة والكريهة للانتصار الإسرائيلى، فإن تخلى إيران عن نظام الأسد وهو حلقة وصل جغرافية أساسية وتقليدية بينها وبين أحد حلفائها الإقليميين وهو جماعة حزب الله اللبنانى هو مؤشر على تبدل سياسات إيران وأولوياتها القادمة، بل واتجاهها أكثر نحو البراجماتية على حساب الأيديولوجية. فهل يمكن اعتبار تخلى إيران عن نظام الأسد هو مقدمة لتخليها عن حزب الله؟.. وتجدر الإشارة إلى أنه إبان جولة التصعيد الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل منذ مقتل حسن نصر الله الأمين العام للجماعة اللبنانية فى أواخر سبتمبر الماضى، وثقت التقارير والتسريبات تردد طهران فى التدخل، وكيف أن أحد الآراء داخل النخبة متخذة القرار كان فى عدم الانجرار إلى مواجهة مكلفة مع إسرائيل المنفلتة مهما كان الثمن.. ومن خلال المناقشات ظهر كيف أن حزب الله كاد يجر معه إيران إلى مواجهة إسرائيل ويكلفها حربا مؤلمة..

وبحسب التسريبات عن مسئولين إيرانيين، كان السبب الحقيقى النهائى وراء رد طهران على إسرائيل هو «بناء الردع» أمام إسرائيل المنفلتة، فقامت بقصف إسرائيل بصواريخ فرط صوتية فى الأول من أكتوبر، وقد بدا أنها حققت الردع بالفعل، إذ تأخر الرد الاسرائيلى على ذلك بنحو شهر وكان متواضعا للغاية مع تأكيدات من تل أبيب بانتهاء هذه الجولة من مواجهة إيران من جانبها على الأقل. فهل بدأت إيران تشعر وكأن وكلاءها باتوا عبئا عليها فى أى تفاهمات مع الغرب، وأنها بحاجة للتخلص من هؤلاء الذين يمكن أن يجروها إلى حرب مدمرة، إما عقابا لها على دعمهم، وإما من جانب «الواجب السياسى» بدعمهم؟ وقد تبين جليا أنه حتى عندما أرادت إيران أن تبنى الردع أمام تل أبيب، لم تستخدم هؤلاء الوكلاء بل استخدمت الصواريخ فرط الصوتية الروسية والتنسيق العسكرى الكامل مع موسكو والتلويح بحرب شاملة تطال نيرانها الجميع.

وهذا يخلق مشهدا سياسيا جديدا، يتوقع أن نرى معه سياسات أكثر استقلالية لحزب الله عن محوره الداعم التقليدى، وكذلك حلفاء إيران الآخرين.. ومن ثم، فقد تظهر خريطة سياسية أحدث للمنطقة يختفى منها حلفاء إيران، وتظهر تحالفات جديدة تقوم على حسابات مغايرة، ولا يعتقد إلا بنظرة إسرائيل لكل ذلك كفرصة لتدعيم احتلالها وتقديم تحديات لدول وشعوب المنطقة.

◄ الدور التركي

وأمام تقارير وتسريبات عديدة، لم تنفِ أنقرة وجود دور سياسى واستخباراتى لها فى التحرك الأخير ضد نظام الأسد، بل إن وزير خارجيتها هاكان فيدان صرح قبل أيام أن بلاده أقنعت روسيا وإيران بعدم التدخل عسكريا فى سوريا خلال هجوم الفصائل المعارضة الذى أدى إلى إسقاط الأسد. وقال فيدان فى مقابلة مباشرة عرضتها قناة «إن تى فى» التركية الخاصة إن «الأمر الأكثر أهمية كان التأكد من أنهم (الروس والإيرانيين) لن يتدخلوا عسكريا فى المعادلة». وقال: «تحدثنا إلى الروس والإيرانيين وقد تفهموا». وقال أيضا «إن الروس والإيرانيين رأوا أنّ هذا الأمر لم يعد له أى معنى. فالظروف فى المنطقة وكذلك الظروف فى العالم لم تعد هى نفسها».

كما اعتبر فيدان أن من «الطبيعى تماما» أن تكون هناك «مخاوف» كهذه حيال هيئة تحرير الشام، لكنه قال إنه «يجب إيجاد حل» لها. وأضاف «لا أحد يعرفهم أفضل منا». وأوضح الوزير أنه بوجود خطوط اتصال مفتوحة مع هيئة تحرير الشام، فإن تركيا تنقل هذه المخاوف مباشرة إلى الهيئة. وقال «نحن ننقلها إلى إدارة دمشق. ونقول لهم: إن تركيا التى تدعمكم منذ سنوات، وكذلك العالم، يتوقعان منكم ذلك».

وبهذه التصريحات أقرت تركيا بأنها تكاد تكون المحرك السياسى لعملية إسقاط الأسد.. فلماذا فعلت أنقرة ذلك؟ وما الثمن الذى يمكن أن تحصل عليه مقابل إسقاط نظام وتعريض أرضه وجيشه ومقدراته لنهش الإرهاب الإسرائيلى، وكذلك تعريض شعبه لخطر مواجهة تنظيمات مسلحة تنقض على المؤسسات السياسية؟ هل ظنت أنقرة أن ما حدث سيجعل المناخ مواتيا لعودة ملايين النازحين السوريين من أراضيها؟ هؤلاء النازحون المقيمون هناك منذ أكثر من عشر سنوات، وقد استقرت عائلاتهم وانضم أبناؤهم للمدارس والجامعات وانخرطوا فى المجتمع بشكل كبير! هل ستستقر سوريا بمجرد إطلاق التصريحات والوعود السياسية بالاستقرار، أم سيزداد المناخ اضطرابا وغموضا ويغوص أكثر وأكثر فى حالة من عدم اليقين؟ وهل ثمة مكاسب أخرى لم تُعرف بعد للدور التركى فيما حدث؟

◄ فرصة إسرائيل

لم يضيِّع كيان الاحتلال الإرهابى وقتا بعد سقوط نظام الأسد حتى انقض على الأراضى السورية، وانطلق معربدا فى أجوائها، إذ لم يكن يخطر بباله فى الماضى القريب أن يحصل على هذه الفرصة.

وحقق ذلك التحرك الفورى هدفين وكأنهما كانا مخططا لهما بالفعل: أولا التوغل داخل الأراضى السورية واحتلال مزيد من المساحة الحدودية، حيث توغل، وفقا للتقارير، لعمق 25 كيلومترا واحتل مناطق جديدة بينها جبل الشيخ. وقرر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قبل يومين توسيع المساحة الاستيطانية فى منطقة الجولان المحتل، فى مزيد من التأكيد على بُعد احتمالات عودتها للوطن السورى. وعلقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية منذ الأيام الأولى للتحرك الإسرائيلى بأن إسرائيل «قامت بغزو سوريا للمرة الأولى منذ حرب 1973». ومع استباحة الاحتلال لأرض سوريا وسمائها واتخاذ منهما مرتعا لطموح الاستيطان الصهيونى، حققت إسرائيل هدفا غاليا ثانيا، وهو تدمير الجيش السوري للتأكد أنه لن يقوى على شيء وألا يتمكن من استجماع قواه للتصدى لها.

فالجيش العربي السوري الباسل يعرف بشجاعته وعروبته، ومن ثم، فقد وجد الاحتلال فيما حدث فرصة تاريخية لتدميره وتدمير مقدراته. وحتى آخر التقارير الواردة، فقد نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلى عن مصدر أمنى كبير فى تل أبيب قوله إن سلاح الجو الإسرائيلى دمر طائرات وسفنا حربية وقواعد عسكرية وأنظمة صواريخ أرض جو، ومواقع إنتاج ومستودعات أسلحة، وصواريخ أرض أرض ومنشآت استراتيجية بزعم «منع وصول المعارضة من المليشيات الإرهابية لها»، وذلك بعد أن شنت أكثر من 500 غارة داخل الأراضى السورية منذ سقوط نظام الأسد. ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين سوريين قولهما إن إسرائيل قصفت قواعد جوية رئيسية فى سوريا، ودمرت بنية تحتية وعشرات الطائرات المروحية والمقاتلات.

وتركزت الهجمات الجوية الإسرائيلية على المواقع العسكرية ومستودعات الأسلحة، وكتائب الدفاع الجوى فى جنوبى سوريا، فى دمشق وريفها، ودرعا والقنيطرة، كما استهدفت مراكز الأبحاث العلمية العسكرية، ومطارات عسكرية، بما فى ذلك مطار المزة العسكرى فى دمشق. كما استهدف القصف الإسرائيلى المطارات والقطع العسكرية المنتشرة فى المنطقة الوسطى، مثل حماة، بما فيها قواعد بحرية تابعة للجيش السوري في طرطوس واللاذقية. وفى شمال شرقى البلاد، استهدف القصف الإسرائيلى مطار القامشلى، وفوج طرطب، ومطار دير الزور العسكرى.

ووفقا للتقارير، تشكل أسراب الطائرات المقاتلة وصواريخ أرض-أرض والأسلحة الكيميائية خطرا مباشرا على إسرائيل، كونها قادرة على استهداف المواقع العسكرية فى الجولان السورى المحتل، كما تشكل المعامل والمصانع العسكرية خطرا كبيرا على إسرائيل لقدرتها على إنتاج صواريخ باليستية وطائرات مسيرة وأسلحة كيميائية.

وبالحجة ذاتها، شنت القوات الأمريكية المتمركزة فى سوريا هجمات وغارات جوية على ما قالت إنه مواقع لتنظيم داعش، بالتوازى مع إعلانها تتبع مواقع الترسانة الكيميائية. أما داعش، حجة الغرب، فهى فى الواقع لا تقاتل الجيش الأمريكى بل تقتل ضباط وجنود الجيش الوطنى السوري. وقبل يومين، أفاد المرصد السورى لحقوق الإنسان أن تنظيم داعش الإرهابى أعدم 54 عنصراً من الجيش السورى فى بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الأسد.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية