تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > بوابة أخبار اليوم : النحل يتشاءم.. الذباب يكتئب.. والنمل يتألم.. العالم العاطفى للحشرات
source icon

بوابة أخبار اليوم

.

زيارة الموقع

النحل يتشاءم.. الذباب يكتئب.. والنمل يتألم.. العالم العاطفى للحشرات

كتب:د. عمرو عبد السميع أستاذ علم الحشرات - كلية العلوم جامعة القاهرة

لعقودٍ، كانت فكرة امتلاك الحشرات لمشاعر تُعد ضرباً من السطحية والنكتة السخيفة التى لا تستحق النقاش، لكن مع تراكم الأدلة العلمية، بدأ العلماء فى إعادة النظر بسرعة وجدية فى هذا التصور.

فى يومٍ خريفى معتدل كهذا، يجتمع مسئولون فى قاعة فخمة لمناقشة خطط مكافحة الحشرات فى المبانى العامة، وعندما هدأ النقاش واتجهت الأنظار نحو أرقام الميزانية، فجأة تظهر نملة ضخمة تتجول بجرأة على الطاولة الرئيسية، لتسرق الأضواء من الاجتماع بأكمله. بدت كأنها مدركة لكل الأنظار المُوجهة إليها، تتنقل بخطواتٍ ثابتة، وكأنها تعلن تحديها الواضح للحضور ..

وتذكرهم بأن وجود الحشرات ليس بالأمر الذى يمكن تجاهله، حتى فى أرفع الأماكن. تتداخل الابتسامات مع ضحكاتٍ مكتومة، لكن هذا الموقف العابر يحمل فى طياته تذكيراً بما وراء هذا الكائن الصغير من تنظيم وقدرة على التفاعل، ورسالة مهمة بأن استهانتنا بقدرة الحشرات على الإدراك قد تكون أبعد ما تكون عن الواقع.

الأبحاث الحديثة بدأت تكشف لنا أن الحشرات قد تمتلك بالفعل نطاقاً واسعاً من المشاعر؛ فقد «تزدهر» عند مفاجآت سارة، و»تتراجع» عند حدوث أمور سلبية غير متوقعة، بل قد تظهر عليها علامات التفاؤل أو الخوف، وربما حتى تتفاعل مع الألم كما تفعل الكائنات الأعلى تطوراً. فبالرغم من أننا لم نشهد بعد صرصوراً حزيناً أو نملة ساخرة، إلا أن التفاعلات المعقدة للحشرات مع بيئتها بدأت تلفت انتباهنا إلى أبعاد غير متوقعة.

أدمغة معقدة

كيف نرصد مشاعر الحشرات؟ هل هذه المشاعر مجرد ردود فعل أوتوماتيكية، أم أنها تعبير عن تجارب عاطفية فعلية؟ تشير الأبحاث إلى أن أدمغة الحشرات، رغم صغر حجمها، تحتوى على «أجسام فطرية» تقوم بوظائف مشابهة للدماغ البشري، كتخزين الذاكرة والتعلم. وهذا يفتح باب التساؤل عن إمكانية وجود مشاعر مشابهة للمشاعر البشرية، وإن كانت بشكل مبسط تتلاءم مع عقل ذبابة يعادل حجمه بذرة الخشخاش.

هذا التصميم الذكى يحقق كفاءة عالية فى حجم صغير، مما يمنح الحشرات قدراتٍ مذهلة تبدو كأنها تتطلب ذكاءً ووعياً. على سبيل المثال، يستطيع النحل حساب الأرقام حتى أربعة، بينما تقوم الصراصير بتشكيل مجموعاتٍ اجتماعية تتفاعل مع بعضها البعض وتتبادل الخبرات. هذه السلوكيات تعكس جوانب من التعلم الاجتماعى الذى طالما ربطناه بالكائنات الأعلى تطوراً.

علاوة على ذلك، تشير الدراسات إلى أن النحل، بعد تعرضه لمواقف مخيفة أو مرهقة، يُظهر نوعاً من التشاؤم، وكأنه يتوقع الأسوأ، مما يضاهى التفاعل العاطفى السلبى فى الحيوانات المعقدة. وقد أظهرت الأبحاث انخفاضاً فى مستويات الدوبامين والسيروتونين فى دماغ النحل بعد تجارب مماثلة، وهما مركبان كيميائيان يرتبطان بالحالة المزاجية والتجارب العاطفية.
d0ec84b9-b0d0-4bf2-aca6-1692faca309d_2024.jpg

التعلم من الأخطاء

وهذا يدعو إلى التساؤل: هل يحمل النحل، حقاً، تجارب مشابهة لشعور الإحباط الذى نشعر به نحن البشر؟

بالإضافة إلى مشاعر الخوف والتشاؤم، فإن أكثر الجوانب المثيرة للجدل هى مسألة الألم. فقد أظهرت تجارب علمية أن يرقات الذباب، عند تعرضها لمثيرات مؤلمة، تحاول الهرب بقوة، لكنها تستسلم إذا فشلت، مما يشبه إلى حدٍ كبير سلوكيات القلق أو الاكتئاب لدى الحيوانات. وتشير الأدلة إلى أن الألم لدى بعض الحشرات يستمر حتى بعد شفاء الجراح، مما يوحى بعمق أكبر لتجربة الألم فى عالم الحشرات.

كما أن بعض الحشرات، كالنمل والنحل، تمتلك نظاماً متقدماً للتواصل بالفيرومونات، مما يساعدها على تحذير أعضاء المستعمرة من المخاطر أو توجيهها إلى مصادر الطعام، مما يعكس فهماً جماعياً للبيئة يتجاوز ردود الفعل البسيطة.

إضافةً إلى ذلك، أظهرت الدراسات قدرة بعض الحشرات، مثل النحل، على التعلم من تجاربها وتعديل سلوكها بناءً على ذلك، مشيرة إلى سلوكيات مشابهة للمثابرة والصمود فى مواجهة التحديات البيئية المعقدة.

مثل هذه السلوكيات، رغم أنها لا تعنى بالضرورة وجود مشاعر شبيهة بالمشاعر الإنسانية، إلا أنها تسلط الضوء على قدرة الحشرات على التكيف مع بيئاتها بتفاعلات تتجاوز ما كان يُعتقد أنه ردود فعل بسيطة. فى الوقت نفسه، تواجه الحشرات واحدة من أكبر أزماتها. إذ تُقتل بمئات التريليونات سنوياً لأغراض السيطرة على الآفات الزراعية أو نتيجة النشاط البشري.

ويشير العلماء إلى أننا نعيش ما يُعرف بـ «أرماجدون الحشرات» بسبب تناقص أعدادها بشكل هائل نتيجة التلوث، وفقدان الموائل، والاستخدام المفرط للمبيدات.

وازدياد المعرفة حول التعقيد العاطفى لدى الحشرات قد يلزمنا بإعادة النظر فى كيفية التعامل معها. اليوم، ومع هذا التقدم العلمي، يبدو أن الحشرات لم تعد مجرد كائنات بسيطة غير مبالية، بل كائنات قد تكون جزءاً من شبكة حياة مليئة بالتجارب التى تستدعى منا فهماً أعمق. قد تشهد السنوات المقبلة اكتشافاتٍ جديدة عن تعقيد سلوكيات الحشرات وقدرتها على التكيف، مما قد يدفعنا إلى تبنى سياساتٍ جديدة تراعى التوازن البيئى والأخلاقى فى التعامل معها.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية