تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الشباب يسقط في فخ وظائف «السوشيال ميديا».. هل تتحرك «القوى العاملة»؟
■ كتبت: منى سراج
رن هاتف رجل ذى مركز مرموق ذات يوم، ليتفاجأ بصوت فتاة شابة تعرض عليه فرصة عمل مُغرية من المنزل، نص المكالمة كان بسيطًا: "يمكنك كسب ما بين 2000 لـ3000 جنيه يوميًا بمجرد الترويج للبضائع عبر السوشيال ميديا"، بدا العرض مغريًا، لكن سرعان ما تساءل الرجل: "هل هذا العمل حقيقى أم مجرد فخ؟".
◄ د.عزام: تجذب الشباب بطبيعتها السهلة ودخلها المرتفع
◄ 37 % يعملون مستقلين في أمريكا.. و58 % من شباب العرب يفضلون العمل الحر
◄ د.رشاد: بوابة للتورط في الأنشطة غير القانونية
هذا التساؤل، يعكس واقعا مريرا وحقيقيا يعيشه العديد من المواطنين في ظل غياب الإشراف من وزارة العمل، فى وقت تزداد فيه الوظائف عبر الإنترنت، وفى زمن أصبحت فيه فرص العمل لا تقتصر على المكاتب التقليدية، ولا تتطلب سوى اتصال بالإنترنت وابتكار، تقف وزارة القوى العاملة على هامش السوشيال ميديا، متفرجةً على ملايين المواطنين الذين يغامرون بالبحث عن فرص عمل من منازلهم عبر منصات إنستجرام، وفيسبوك، وتيك توك.
وبينما تتسابق الشبكات الاجتماعية لتوفير مئات الفرص، يظل المواطنون عرضة لمخاطر النصب والاحتيال، بلا أى إشراف أو توجيه من الجهة الرسمية، فهل ستتحرك الوزارة رقمياً لمواكبة العصر، أم أن الأمور ستظل كما هى، معروضة على منصات غير آمنة وبلا رقابة داخل قطاع لا يتوقف عن النمو؟!
◄ انتشار الظاهرة
كثير من الأشخاص، خاصة الشباب، ينجذبون إلى هذه العروض بسبب طبيعتها السهلة والدخل المرتفع الذى تعد به، ومع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، برزت ظاهرة الإعلانات المضللة التى تستغل حاجات الأفراد للبحث عن فرص عمل مرنة، وفى عالم ملىء بفرص العمل عبر الإنترنت، يسعى العديد من الشباب والفتيات الصغيرات لعرض خدماتهم على أصحاب المناصب والمراكز المرموقة، فى محاولة منهم لتحقيق دخل سريع دون معرفة العواقب.
وقد شهدت أسواق العمل تحولاً عالمياً كبيراً نحو العمل عن بعد والاعتماد على منصات الإنترنت لتأمين الفرص الوظيفية، مدفوعة بعدة عوامل مثل جائحة "كورونا" والظروف الاقتصادية المتغيرة والتقدم التقنى، ووفقاً لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2021، يعانى حوالى 35% من الشباب فى عدة دول من فجوة بين ما يتعلمونه فى المؤسسات التعليمية من مهارات وبين ما يتطلبه سوق العمل، مما دفعهم للبحث عن حلول بديلة عبر الإنترنت، كما تسببت هذه الفجوة للكثير منهم إلى اللجوء "لفرص عمل إنستجرامية أو فيسبوكية"، والتى قد تكون أحيانا غير موثوقة أو حتى احتيالية.
وأوضح موقع "Global Gig Economy Index" أن نسبة العاملين بشكل مُستقل بلغت أكثر من 36% فى الولايات المتحدة عام 2023، بينما أظهر مركز دبى للمستقبل أن 58% من الشباب العربى، بما فى ذلك دول الخليج، يفضلون العمل الحر أو عن بُعد، وقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعى مثل "إنستجرام" و"تيك توك" أدوات رئيسية لعرض الفرص الوظيفية وتوسيع نطاق الأعمال، بحسب تقرير "We Are Social" لعام 2023، فإن أكثر من 40% من أصحاب الأعمال يستخدمون هذه المنصات للتوظيف أو تسويق خدماتهم، وفى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة عالمياً، يسعى الأفراد من مختلف الأعمار لتأمين دخل إضافى عبر مشاريع مستقلة، مما يعكس تحولاً مستداماً فى أنماط العمل عالميا وعربيا.
◄ اقرأ أيضًا | وظائف جديدة في البنك المركزي المصري.. الشروط والمؤهلات المطلوبة
◄ كيف يعمل؟!
تتلخص آلية هذا النوع من الأعمال فى الترويج للمنتجات أو الخدمات عبر حسابات التواصل الاجتماعى، يبدو الأمر بسيطًا فى البداية، حيث يطلبون من الفرد نشر محتوى ترويجى لجذب مشترين أو مشتركين، لكن فى بعض الحالات، يكون الهدف الحقيقى هو جمع بيانات شخصية أو فرض رسوم تسجيل أولية، ليجد الشخص نفسه ضحية لعملية احتيال.
استشارى إدارة التكنولوجيا بوزارة الشباب والرياضة، المُستشار فى مجال الجرائم الإلكترونية، الدكتور محمد عزام، يقول إن هذه الظاهرة تستغل ضعف الرقابة على الإعلانات الإلكترونية، ويجب على الأفراد التحقق من مصداقية الجهات التى تعرض هذه الوظائف وتجنب دفع أى مبالغ مقدما، وخصوصا بعد انتشار ظاهرة العمل عن بعد، والتى تزامنت بدورها مع نمو منصات العمل الحر، مما أدى لزيادة عدد العاملين فى الاقتصاد الرقمى وفى العمل الحر والذى ارتفع بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة.
أضاف، أنه يجب ألا نغفل تأثير السوشيال ميديا فى عرض الفرص داخل عالم الأعمال الصغيرة والمتوسطة، حيث أصبحت هذه المنصات مكانًا رئيسيًا لبناء الهوية المهنية أو التجارية، وهو ما يعكس تحولًا مهمًا فى كيفية عرض الوظائف والفرص عبر الإنترنت عن الزمن الأقدم، فالإنترنت الآن ما هو إلا أداة إعلان وظائف متطورة، وما يسرى عليها من قانون العقوبات ليس بجديد فالعقوبة تتم على الجريمة ذاتها وليس على الأداة.
◄ سرقة البيانات
الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ علم الاجتماع، نائب رئيس جامعة حلوان السابق، يرى أن الكثير من هذه الإعلانات تُدار من جهات غير موثوقة تهدف إلى سرقة البيانات الشخصية أو الاحتيال المالي، هذه الجهات تستغل باحترافية شديدة (التغيرات الاقتصادية والبحث عن دخل إضافى)، فى ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، مثل التضخم وزيادة تكاليف المعيشة، والتى جعلت البحث عن مصادر دخل إضافية أمرا شائعا فى مختلف أنحاء العالم.
وقال رشاد، إن إعلانات التوظيف أو الرسائل النصية فى شكل إعلانات بدأت بسيطة تشبه الفقاعات الشخصية، ثم سرعان ما انتشرت بشكل واسع حتى تحولت إلى ظاهرة شائعة، هذه الظاهرة تنطوى على جوانب متعددة، أحدها إيجابى والآخر سلبى، الجانب الإيجابى يتجسد فى أن بعض هذه الوظائف تتناسب مع طموحات الشباب، خاصة أولئك الذين يسعون لتحقيق دخل إضافى عبر "الكوميشن"، سواء من خلال الترويج لمنتجات جيدة أو مغشوشة، إذ يحصلون فى النهاية على أموال قد تساهم فى التخفيف من حدة البطالة بشكل جزئى.
أضاف: أما الجانب السلبى فيتضح من خلال ثلاث نقاط رئيسية: أولا، أنه قد يعلم الشباب ذكورا وإناثا، الكذب عبر الترويج لمنتجات قد لا يعرفونها، وقد تكون معلوماتهم عنها مضللة، وهو ما حدث بالفعل قبل سبع سنوات، حيث تم القبض على عدد كبير من الشباب بسبب هذا الأمر، ثانيًا، هذا النوع من العمل يعزز ثقافة "الفهلوة" والبحث عن مكاسب سريعة، مما يؤدى فى بعض الحالات إلى الهروب من القانون، ثالثًا، وأخطر هذه النقاط، هو احتمال انخراط هؤلاء الشباب فى جماعات قد تدفعهم إلى أنشطة غير قانونية مثل تجارة المخدرات والأدوية المغشوشة أو الدعارة، ليصبحوا ضحايا لشبكات إعلانات وهمية تجرهم إلى مآسٍ أكبر.
ويُشدد رشاد، على أن هذه الإعلانات الوظيفية لا تقتصر على جمع البيانات الشخصية للمشاركين فيها، بل تسهم فى تجميع معلومات ضخمة قد تستخدم مستقبلا، فى مدة لا تقل عن عشر سنوات، من قبل دول لشن حملات دعائية مضللة عن أوطانهم، مؤكدًا أن الحل يكمن فقط فى صناعة رسالة توعية قوية للمواطنين وخصوصًا الشباب.
◄ قصص مؤثرة
تروي سارة، شابة جامعية، تجربتها قائلة: "جذبتنى فرصة العمل من المنزل التى وعدونى فيها بدخل يومى مرتفع، دفعت رسوم التسجيل، لكن بعد ذلك اكتشفت أن الشركة لا تقدم أى دعم أو تدريب، وكانت تطالبنى بمزيد من المال للإعلانات المدفوعة، وتم ابتزازى بضرورة دفع مبلغ مالى كبير مقابل حصولى على راتبى والحوافز المستحقة لى"، وتضيف: "أنا واحدة ضمن مجموعة كبيرة من مئات الأصدقاء وزملاء الدراسة الذين يعانون من صعوبة العثور على وظائف تتناسب مع مهاراتهم، مما يدفعنا للبحث عن حلول بديلة عبر الإنترنت أو منصات السوشيال ميديا".
◄ الجانب القانوني
فى العديد من الدول، تعتبر هذه الأنشطة غير قانونية إذا ثبت أنها تهدف إلى الاحتيال، وينص القانون المصرى على معاقبة الجهات التى تمارس الاحتيال الإلكترونى بالسجن والغرامة، ومع ذلك، لا تزال الرقابة على هذا النوع من الإعلانات ضعيفة، وما نحتاجه الآن هو تفعيل القوانين الموجودة، فلسنا بحاجة إلى سن قوانين جديدة، ففى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، قد تبدو فرص العمل من المنزل عبر السوشيال ميديا حلًا جذابًا، لكن من المهم التحقق من مصداقية العروض وتجنب الوقوع فى فخ الاحتيال، الوعى والتحقق هما أول خطوط الدفاع ضد هذه الظاهرة التى تستغل أحلام الكثيرين.
ولكى تحمى نفسك من هذا الفخ، عليك التحقق من مصداقية الجهة، من خلال البحث عن الشركة أو الشخص الذى يعرض الفرصة، وألا تدفع مقدمًا فأى طلب لدفع رسوم تسجيل قد يكون علامة على الاحتيال، كما يجب عليك استشارة مُختصين فى الجرائم الإلكترونية إذا شعرت بأى شك.
أخيرًا، فإن ظاهرة التوجه نحو عرض الفرص عبر الإنترنت ومنصات السوشيال ميديا ليست مجرد حالة طارئة أو مجرد ظاهرة محلية، بل هى جزء من تحول عالمى فى سوق العمل، مرتبط بمتغيرات اقتصادية، ثقافية، وتقنية، وتدعم هذه التحولات فى البيانات والإحصاءات حقيقة أن العمل عبر الإنترنت والاعتماد على السوشيال ميديا فى عرض الفرص أصبح خيارا متزايدا ومقبولا عالميا، سواء للشباب أو للأفراد من جميع الأعمار.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية