تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المعتمد عند سائر المذاهب الفقهية المتبوعة أنه لا يشترط التقيد باللفظ المأثور من الدعاء أو الذكر في الصلاة؛ سواء منهم مَن قال بجواز الدعاء بأمور الدنيا ومَن قال بمنعه، وسواء مَن اشترط مناسبة الدعاء للوارد ومَن لم يشترط، وإن كان التقيد بالمأثور أَوْلَى إذا وافق ذكرُ اللسان حضورَ القلب فما حكم الذكر والدعاء داخل الصلاة بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة؟ وهل يُعَدُّ ذلك بدعة؟
يوضح لنا فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار السابق حيث اتفقت المذاهب الفقهية المتبوعة فيما هو المعتمد عندهم على أنه لا يشترط في الصلاة الالتزامُ بنصوص الدعاء الواردة في الكتاب والسنة، وأن ذلك ليس واجبًا ولا متعيَّنًا، وإن كان هو الأفضل إذا وافق ذكر اللسان حضور القلب، وأنه يجوز للمصلي أن يذكر ويدعو في صلاته بغير الوارد ممَّا يناسب الوارد ولا مخالفة فيه.
كما اتفقوا على أنّ كلّ ما لا يجوز الدعاء به خارج الصلاة لا يجوز الدعاء به داخلها غير أنَّهم اختلفوا في موضوع الدعاء؛ هل يجوز أن يكون بما لا يناسب المأثور؟ وهل يجوز أن يكون بملاذّ الدنيا وشهواتها مما لا يُقصَد به القربة.
فالذي عليه جمهور الفقهاء؛ من المالكية والشافعية والحنابلة في قول: أنه يجوز للمسلم أن يدعو في صلاته بما شاء مِن حوائج الدنيا والآخرة، مع اتفاقهم على أفضلية الدعاء المأثور في الصلاة على غيره إذا فهم المصلي معناه، وكان حاضر القلب عند الدعاء به.
واستثنى الحنابلة في المعتمد عندهم الدعاءَ بغير القربة ممَّا يُقْصَد به ملاذُّ الدنيا وشهواتها بما يشبه كلام الآدميين وأمانيَّهم، وفي رواية عندهم: أنَّ ذلك يجوز، وأجازوا ما عدا ذلك ولو لم يُشبِه ما ورد.
واقتصر الحنفية على جواز الدعاء بما يناسب المأثور، دون ما يشبه كلام الناس؛ فلا يجوز الدعاء به عندهم وتفسد به الصلاة، والمأثور عندهم أعمّ من أن يكون مرفوعًا أو غير مرفوع.
وجواز الدعاء والذكر في الصلاة بغير ما ورد في الكتاب والسنة قد دلت عليه نصوص الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وفعل الصحابة والتابعين، وفهم السلف والأئمة، وعليه جرى عمل الأمة؛ حتى جرى ذلك مجرى الإجماع:
فمن الكتاب الكريم: قوله تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 107-110].
حيث نص كثير من المفسرين على أنَّ قولهم هذا: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾ كان في سجودهم، وقد مدحهم الله تعالى على ذلك، ولم ينكر عليهم هذا القول في السجود؛ بل وصفهم بالعلم، وساق سجودهم وتسبيحهم فيه في مقابلة المستكبرين عن الإيمان بأن القرآن الكريم حق من عند الله، مع أنَّ هذا القول في السجود لم يسبق وروده في الشرع، ولو كان غير جائز لنَبَّهَ الشرع على عدم جوازه أو لاكتفى القرآن بذكر أصل التسبيح دون صيغته، فلمَّا أورده في سياق المدح له دل ذلك بمنطوقه على استحسان هذا اللفظ، ودل بمعناه على جواز الذكر في السجود بغير المأثور.
ومن السنة النبوية الشريفة:
1- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علّمه التشهد، ثم قال في آخره: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو»، وفي لفظ للبخاري: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ»، وفي لفظ لمسلم: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ».
قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 67، ط. دار الفكر): [واعلم أن هذا الدعاء مستحب ليس بواجب، ويستحب تطويله، إلا أن يكون إمامًا، وله أن يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعو بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 321، ط. دار المعرفة): [واستُدِلَّ به على جواز الدعاء في الصلاة بما اختار المصلي من أمر الدنيا والآخرة] اهـ.
وقال العلامة الشوكاني في "تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين" (ص: 174، ط. دار القلم): [وفيه التفويض للمصلي الداعي بأن يختار من الدعاء ما هو أعجبه إليه؛ إما من كلام النبوة، أو من كلامه، والحاصل: أنه يدعو بما أحب من مطالب الدنيا والآخرة، ويطيل في ذلك أو يقصر، ولا حرج عليه بما شاء دعا، ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم] اهـ.
بناءً على ذلك: فالمعتمد عند سائر المذاهب الفقهية المتبوعة أنه لا يُشْتَرَط التقيد باللفظ المأثور من الدعاء أو الذكر في الصلاة؛ سواء منهم مَن قال بجواز الدعاء بأمور الدنيا ومَن قال بمنعه، وسواء مَن اشترط مناسبة الدعاء للوارد ومَن لم يشترط، وإن كان التقيد بالمأثور أَوْلَى إذا وافق ذكرُ اللسان حضورَ القلب، وهذا هو الذي عليه عمل الأمة سلفًا وخلفًا؛ حتى جرى مجرى الإجماع، وليس من البدعة في شيء، بل البدعة في وصفه بالبدعة بعد ظهور الأدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على جوازه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية