تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > الأهرام اليومي : بعد خسائر عالمية وصلت إلى 16 تريليون دولار سنويا .. موجات الحر لن تقتلك وحدك!
source icon

الأهرام اليومي

.

زيارة الموقع

بعد خسائر عالمية وصلت إلى 16 تريليون دولار سنويا .. موجات الحر لن تقتلك وحدك!

أوروبا تمر بموجة حر عنيفة، وكذلك أمريكا الشمالية والجنوبية، وأيضا إفريقيا والصين وروسيا والهند وكثير من الدول الآسيوية الأخرى. والكل يحصى خسائره. فالعالم لم يعتد على ارتفاع حرارة الأرض بتلك الدرجات ولأيام عديدة متواصلة. فعدد قتلى موجات الحر فى أوروبا خلال الصيف الماضى بلغ نحو 62 ألف شخص. هذا العام قد يكون أسوأ، وسط تحذيرات من أن موجات الحر يمكن أن تقتل نحو 250 ألف شخص سنويا فى أوروبا وحدها بحلول عام 2100.

 

فموجات الحر الشديد فى أوروبا أصبحت ظاهرة متكررة. ففى الثمانينيات كانت أوروبا تشهد من خمسة إلى سبعة أيام من موجات الحر كل عام. لكن هذا الرقم تضاعف مع ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال العقود الأربعة الماضية. والمخاوف أنه إذا ارتفعت درجة حرارة الكوكب بمقدار درجتين مئويتين خلال العقود المقبلة كما يحذر العلماء، فإن متوسط عدد أيام الموجات الحارة سيرتفع من 7 أيام متتالية فى المتوسط حاليا إلى 42 يوما فى دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا والبرتغال واليونان وقبرص، و21 يوما فى دول شمال أوروبا مثل السويد والنرويج وأيسلندا وألمانيا، بتكلفة مليارات الدولارات من إجمالى الناتج المحلى

وإذا كانت أوروبا تحصى الخسائر البشرية والمادية بسبب موجات الحر غير المسبوقة وحرائق الغابات التى أجبرت سكان جزر يونانية عديدة على مغادرتها مع اتساع الحرائق وعنفها، إلا أن الخسائر الأكبر لارتفاع الحرارة عالميا سيدفع ثمنها دول جنوب العالم.

فمثلاً فى آسيا وفى دولة مثل الهند كان متوسط الأيام شديدة الحرارة، أى أعلى من 35 درجة مئوية، نحو 7 أيام فقط فى الصيف وذلك فى فترة الخمسينيات من القرن الماضى، أما اليوم فقد تضاعف عدد الأيام شديدة الحرارة بشكل مفجع وأصبح فى حدود 60 يوما فى العام، ومن المتوقع أن يصل إلى 75 يوما بحلول نهاية القرن.

الهند ليست نموذجا فريدا فيما يتعلق بزيادة عدد الأيام الحارة على مدار العام. فغالبية دول الجنوب الفقيرة تميل إلى أن تكون أقرب إلى خط الاستواء وهذا يعنى آن أثار تغيرات المناخ عليها أكثر حدة وخطورة.

أيضا سكان جنوب العالم أقل استعدادًا لحماية أنفسهم من الآثار السلبية لدرجات الحرارة المرتفعة. فالغالبية العظمى تفتقر إلى مكيفات الهواء لأنهم فقراء. فالنسبة الأكبر من مكيفات الهواء فى العالم فى الدول متوسطة الدخل والغنية، وليس فى الدول الفقيرة التى هى أيضا الأكثر احتياجا لمكيفات الهواء للحد من آثار الحرارة المرتفعة على الفئات السكانية الأكثر ضعفا مثل المرضى والأطفال وكبار السن.

أيضا الأنماط الاقتصادية تجعل سكان الجنوب الأكثر تعرضا لأسوأ آثار ارتفاع الحرارة. فالغالبية يعملون فى الزراعة، أو فى مواقع البناء، أو فى مصانع خانقة ومكتظة، أو فى الشوارع فى تجارة التجزئة، أو فى العمل اليدوى الذى يتطلب كثرة التنقل.

لكن تواتر موجات الحر العالمية تعد أنباء سيئة للجميع، غنى وفقير. فالحر الشديد ضار جدا بالإنتاجية حول العالم، سواء فى الشمال أو الجنوب خاصة إذا كان العمل خارج مكتب. والكثير من الدراسات الميدانية توضح أنه عندما ترتفع درجة الحرارة عن 38 درجة مئوية تقل الإنتاجية بنحو ساعة فى اليوم، بينما تنخفض الكفاءة فى العمل نحو 2% مع كل درجة حرارة مئوية.

وتُقدر التكلفة الاقتصادية لموجات الحر سنويا فى جميع أنحاء العالم بما يتراوح بين 16 تريليون دولار و20 تريليون دولار، وفقًا لدراسة نُشرت فى 2022 فى مجلة «تقدم العلوم» (Science Advances) وهى دورية أمريكية تصدر عن «الرابطة الأمريكية لتقدم العلوم». ووجدت الدراسة أن موجات الحر لها تأثير سلبى كبير على النمو الاقتصادى، حيث تتحمل أفقر دول العالم وأقلها تلوثًا وطأة التكاليف .واستخدم مؤلفو الدراسة طرقا جديدة لتقدير التكلفة الاقتصادية لموجات الحر أكثر دقة من الطرق السابقة، ووجدوا أن موجات الحر تسببت فى خسائر تقدر بـ 1.5٪ من الناتج المحلى الإجمالى سنويا فى أغنى مناطق العالم، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية. وبالمقارنة، سجلت المناطق منخفضة الدخل، مثل الهند وإندونيسيا، خسائر قدرها 6.7٪ من الناتج المحلى الإجمالى سنويا.

أيضا تؤثر موجات الحر على الناتج القومى الإجمالى عبر الخسائر التى تلحق بالإنتاج الزراعى بسبب الحرارة المرتفعة التى تتسبب فى إتلاف المحاصيل ما يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على أسعار الغذاء والأمن الغذائى .كذلك تؤدى موجات الحر الشديدة لإلحاق أضرار بالبنية التحتية مثل الطرق والجسور وخطوط الكهرباء ما يمكن أن يساهم فى حدوث اضطرابات فى النقل والاتصالات وإمدادات الكهرباء وهذا كله يؤثر سلبيا على الاقتصاد الكلى.

وفوق ذلك أوضحت دراسات أن هناك علاقة بين التحصيل الدراسى ودرجات التلاميذ فى الامتحانات وبين درجات الحرارة، فكلما كانت الحرارة مرتفعة كلما تأثر التحصيل الدراسى ودرجات الامتحان سلبيا بسبب تأثير الحر على التركيز. وهذه ظاهرة يدفع ثمنها بشكل خاص الأطفال الفقراء فى دول الجنوب.

فالأجسام البشرية فى درجات الحرارة المرتفعة تكون تحت ضغط كبير يظهر فى سرعة ضربات القلب وذلك يؤثر سلبا على باقى وظائف أعضاء الجسم. وعندما تستمر موجات الحر لأيام متواصلة لا يبرد الجسم مما يؤدى إلى زيادة معاناة أعضاء الجسم وصعوبة النوم وارتفاع الضغط وهذا كله يؤثر على الصحة العامة.

وتؤكد العديد من الدراسات خطورة ارتفاع درجات الحرارة على الصحة العامة. ففى أمريكا مثلا، يؤدى ارتفاع الحرارة فوق 32 درجة مئوية لرفع معدلات الوفيات السنوية بـ 0.11%، وفى جنوب العالم يكون التأثير أكبر بنحو 30 مرة. فارتفاع الحرارة مرتبط بزيادة أمراض القلب والرئة والكلى. وهذا أيضا يزيد تكاليف الرعاية الصحية ويضع ضغطا على أنظمة الرعاية الصحية حول العالم، كما يزيد عدد الضحايا بشكل كبير. وبرغم من أنه ليس هناك رقم دولى موثوق لعدد ضحايا موجات الحر الشديدة حول العالم سنويا، إلا أن منظمة الصحة العالمية تقدر إنهم بالملايين وغالبيتهم العظمى فى دول الجنوب ويعيشون عند خط الإستواء ولا يستطيعون عدم العمل مهما كانت درجات الحرارة مرتفعة بسبب وضعهم الاقتصادى الهش، كما لا يستطيعون شراء أجهزة تكييف.

لكن حتى إذا كانت هناك إمكانية اقتصادية لشراء مكيفات هواء للتعامل مع مواسم الصيف التى باتت حرارتها عنيفة وتستمر أطول، فإنه من الناحية البيئية والمناخية البحتة، فإن هذا أسوأ حل عالمى. فالعالم يعيش بالفعل على مكيفات الهواء ويدفع ثمن ذلك باهظا.

ففى أمريكا تمتلك نحو 90% من الأسر مكيفات هواء، مقارنة بنحو 10% فى غالبية الدول الآسيوية الفقيرة. لكن المعضلة أنه كلما تحسن الوضع الاقتصادى للدول الفقيرة وزاد عدد السكان القادرين على شراء أجهزة تكييف، كلما تفاقمت مشكلة الاحتباس الحرارى. فبين عامى 1995 و2009، ارتفعت نسبة وحدات تكييف الهواء فى المنازل فى المناطق الحضرية فى الصين من 8% إلى أكثر من 100%، ما يعنى وجود أكثر من وحدة تكييف لكل منزل فى المناطق الحضرية. لكن مكيفات الهواء تؤدى إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحرارى. فغازات الهيدروفلوروكربون المستخدمة فى أجهزة التكييف لها تأثيرات ضارة بشكل خاص على المناخ وهى أخطر بكثير من ثانى أكسيد الكربون. وهذا يضع العالم فى موقف صعب.

فالتكنولوجيا التى يمكن أن تساعد فى حماية الناس من موجات الحر الشديد تعمل أيضا على تسريع معدلات ارتفاع حرارة الأرض. وبينما تتوافر مكيفات الهواء الحديثة الأقل تلوثا التى لا تستخدم مركبات الكربون الهيدروفلورية، لكنها فى الوقت الحالى أغلى بكثير.

بعض دول الجنوب الفقيرة طالبت الدول الغنية فى أمريكا وأوروبا بدعم مشروع دولى لاستبدال المكيفات القديمة بالأنواع الجديدة للمساعدة فى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض. لكن الاستجابة الدولية لهذا المقترح كانت باردة للغاية على الرغم من أن أوروبا وأمريكا أيضا فى وجه العاصفة بشكل متزايد.

وإحجام الدول الغنية عن التصرف مُقلق أخلاقيا ومثير للدهشة اقتصاديا ومناخيا. ففى «مركب الاحتباس الحراري» ليست هناك دول ناجية، فالكل سيدفع الثمن بأشكال مختلفة.

وبالتالى فإن المقايضة بين إنقاذ الأرواح اليوم، وإنقاذ الأرواح غدا لا يجب ان يُوضع على الطاولة أصلا. فهناك الكثير من الأشياء يمكن الإقدام عليها لموائمة الخيارين. فمن ناحية يجب توفير مكيفات الهواء الحديثة الأقل ضررا بالبيئة لدول الجنوب بتكلفة مقبولة وبدعم دولى، ومن ناحية ثانية يمكن دائما لتغييرات محدودة فى نمط الاستهلاك إحداث تغيير إيجابى فورى مثل تقليل استهلاك اللحوم الحمراء، والحد من استخدام السيارات الخاصة، وتقليل السفر، والاستثمار فى البنية التحتية التى يمكن أن تساعد فى التخفيف من آثار موجات الحرارة مثل الأسطح الخضراء وأشجار الظل. فسؤال مقايضة إنقاذ الأرواح بين اليوم وغد من المستحيل الإجابة عليه اقتصاديا وسياسيا... وفوق ذلك أخلاقيا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية