تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
- رسالتى: التقنيات تساعدنا على فهم الطبيعة والتعامل معها بطريقة أفضل
هل سبق وشاهدت سلسلة الأفلام الأجنبية «المتحولون» و«رجال إكس» التى تدور قصتها عن الصفات المختلفة والقدرات الخارقة لأبطالها من الآليين والبشر بسبب طفراتهم المكتسبة؟ هل تعتقد أن قصص الخيال العلمى يمكن أن تحدث فى الحقيقة؟ هل تعتقد أنك ستعايش هذا العصر؟ إذا كنت لا تعتقد فى هذا أو ربما تعتقد أنه ربما يحدث فى المستقبل البعيد، فربما حان الوقت لإعادة التفكير عندما تقابل نيل هاربيسون، وهو أول إنسان تعرف على الألوان من خلال «سماعها» وليس رؤيتها، ويعرف بكونه أول بشرى ذى قدرات محسنة بسبب التكنولوجيا «سايبورج» أى يمتلك أعضاء ذات طبيعة بيولوجية وتكنولوجية معا.
هاربيسون ـ البريطانى ذو الـ38 عاماً من أصول إسبانية، ذاع صيته عالميا بعدما لجأ لزراعة «هوائي» فى جمجمته يسمح له بإدراك الألوان المرئية وغير المرئية الواردة إلى الدماغ ليحولها إلى ترددات صوتية تترجم الألوان، وذلك على خلفية ولادته مصاباً بعمى ألوان تام، وهى حالة مرضية ترجع لعيوب خلقية وراثية منعته من القدرة على رؤية الألوان. وإنما تسمح له برؤية الألوان بتدرج رمادى فقط، فلا يستطيع تمييز لون السماء صباحاً كان أم مساءً فقط يراها باللون الرمادي.
ربما تكفى هذه المقدمة لإثارة فضولك للتعرف أكثر عن حقيقة «هاربيسون» من خلال أول حوار للصحافة المصرية- خاص لجريدة الأهرام- على هامش مشاركته بكلمة عن تطور العنصر البشرى خلال القمة العالمية لمديرى تكنولوجيا المعلومات التى عقدت بالقاهرة، بحضور وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وعدد من قادة تكنولوجيا المعلومات والرقمنة فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وإلى نص الحوار:
تصف نفسك بأنك نصف بشرى ونصف تكنولوجى، هل توضح لنا كيف ذلك؟
فى عام 2004 خضعت لجراحة لزراعة شريحة دائمة بالجمجمة متصلة بهوائى يحتوى جهاز استشعار يمكنه من تحويل الترددات الملتقطة من الألوان إلى اهتزازات صوتية. وهو ما يجعلنى قادرا على سماع اللون أكثر من رؤيته.
هذه التقنية هى بشكل أساسى ألياف بصرية تستطيع التقاط اللون، ومن ثم ترسل ترددات اللون إلى الشريحة التى بدورها تحول الضوء القادم إلى ذبذبات أو اهتزازات فى الجمجمة، ومن ثم تترجم إلى صوت مميز للون أستطيع سماعه. وقد كنت ارتدى جهازا كالطوق ليقوم بهذه الوظيفة، إلا أنها لم تكن ناجحة بالشكل الكامل إلى أن تمت العملية الجراحية.
وكيف استطعت قبول مخاطرة الخضوع لهذه الجراحة المختلفة، وما هو الأساس العلمى وراءها؟
بالنسبة لى فإن الأمر هو نوع من الفن، وأى فن يتضمن داخله نسبة من الخطر. وبالتالى الخضوع للعملية كان نوعا من التجربة المملوسة للفن. وفى الواقع لدينا العديد من النظريات حول الربط بين ترددات اللون وما يقابلها من لون مميز، مثل الحسابات الرياضية لنيوتن ومحاولات بيتهوفن بأن لكل نوتة موسيقية لونا مميزا. هذه الفرضيات بفضل التكنولوجيا الحديثة أصبحت أكثر قدرة على الاختبار والتجربة. لذا فإن الأمر يستحق عندما نتحدث عن اكتساب إدراك جديد، أو الحصول على أعضاء بصفات جديدة. بما يعطينا كبشر إدراكا جديدا ومختلفاً للوقع المادى من حولنا. وهو أمر مذهل ومثير للاهتمام جعلنى أقبل التجربة بفوائدها ومخاطرها.
هل يمكن أن تشاركنا بتجربتك كيف تستمع إلى الألوان من حولك؟
بالنسبة لى الألوان هى نوت موسيقية مختلفة، فكل لون له نوتة موسيقية مميزة. على سبيل المثال اللون الأحمر يقابله نوتة (أ)، اللون الأصفر نوت (جى) وهكذا لكل لون نغمة خاصة به. وهو ما يحدث معى، حيث يعطى اللون ترددات مختلفة تترجم إلى أصوات ونغمات موسيقية متنوعة.
أيضا أتاحت لى التكنولوجيا اتصال الشريحة المزروعة بالإنترنت، مما يعنى استقبال العديد من الألوان من الأجهزة الأخرى. مثل استقبال ما يرسل إلى من ألوان من أشخاص آخرين عبر تليفوناتهم المحمولة. ليس هذا فحسب، بفضل هذه التكنولوجيا لدى القدرة على تمييز الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى تلقى الألوان من الصور أو مقاطع الفيديو التى ترسل مباشرة إلى رأسه عبر الاتصال بالإنترنت. أيضا يمكننى الاتصال بوكالة الفضاء الدولية ناسا وسماع أصوات الألوان فى الفضاء بدون الحاجة للتواجد معهم. وبالتالى يفيدنى الإنترنت فى توسعة مدى الألوان التى أستطيع الشعور بها رغم البعد المكاني.
وهل هذا كاف لتصنيفك بأنك أول إنسان نصفه بشرى ونصفه تكنولوجي؟
بالتأكيد نعم، فأنا لا أستخدم التكنولوجيا وإنما هى تشكل جزءا من تكويني. فأنا أتمتع بصفات وخصائص جديدة فيما يتجاوز الإدراك البشرى، والقدرة على التعبير الفنى عبر مدخلات حسية جديدة فى تجربة مثيرة وفريدة من نوعها.
فى الواقع لا أشعر بفرق بين السوفت وير وعقلي. أصبحت أتعامل مع هذا الهوائى كجزء من جسمى مثل أنفي. لذا فإن التكنولوجيا جزء مني. وفى الواقع أنا أول إنسان «سايبورج» معترف به عالمياً، ومعنى السايبورج هو الإنسان الذى يمتلك «سايبونتيك أورجانيزم» (أعضاء تتكون من جزء بيولوجى وجزء أخر تكنولوجي)، أو بمعنى آخر إن الأعضاء بداخلى مندمجة مع التكنولوجيا.
الآن بعد مرور نحو 20 عاماً على إجرائك هذه الجراحة التحويلية، كيف تأثرت حياتك اليومية؟
لقد استغرق الأمر فترة من الزمن للاعتياد على الوضع الجديد. على سبيل المثال استلزم تأقلم المخ مع المدخلات الجديدة الواردة إليه بعد زرع الجهاز نحو خمسة أشهر. وفترة أخرى ليتأقلم جسمى مع الشريحة المزروعة باعتبارها عضوا جديدا للجسم. إلا أن التحدى الأكبر بالنسبة لى كان ولايزال ـ هو التعامل الاجتماعي. وهو رد فعل الناس خلال مقابلتهم فى الشارع، يبدأ بالنظر، وطرح الأسئلة والاستغراب وإعطاء التعليقات والآراء فى كل يوم.
وهو أمر مفهوم، دعينى أضرب مثالاً بما يحدث فى المطار، عادة ما يتم سؤالى عن هذا الجهاز وكان يطلب منى التخلى عنه. إلى أن حصلت على جواز السفر وبه صورتى التعريفية متضمنة الهوائى كجزء من تكوينى، وهو الأمر الذى يسهل المناقشة إلى حد كبير أثناء سفري.
وما هى الرسالة التى تشاركها مع الناس؟
رسالتى هى أن التكنولوجيا تساعدنا على فهم الطبيعة من حولنا بطريقة أفضل. فهى تجعلنا ندرك الطبيعة وعناصرها من حولنا بطريقة مختلفة لم نكن نتصورها من قبل. ولقد حان الوقت ليرى الناس أن التكنولوجيا ليست حاجزا بيننا وبين الطبيعة بل على العكس يمكنها أن تكون وسيلة اتصال وتفاعل إيجابية.
وانا مثال على ذلك. أنا أستطيع أن أشعر بألوان عديدة هى بالنسبة للأشخاص الآخرين أمر غير مرئى ولكنها موجودة فى الطبيعية.
وكيف تفيد تجربة دمج التكنولوجيا داخل الجسم فى الفهم الإيجابى للطبيعة ؟
لأن العديد من التكنولوجيا تساعدنا على التأقلم مع كوكبنا، بدلا من أن ينحسر تفكيرنا فى تغيير الكوكب من أجلنا. تخيل الكم المستهلك من مصادر الطاقة والكهرباء لتغيير درجات حرارة الجو من خلال المبردات ووسائل التدفئة. فبالاعتماد على التكنولوجيا يمكن تغيير درجات حرارة أجسامنا لتتأقلم هى مع التغيرات الطبيعية حولنا.
وهناك العديد من الأمثلة فأصبح هناك بشريون بأعضاء تكنولوجية تمكنهم من الإحساس بالزلازل، التغييرات الجوية وغيرهم العديد الذين يشكلون استكشاف وتواصل أفضل مع الكون. غالبية هؤلاء الأشخاص الذين تحدثت عنهم هم فنانون، وبالتالى يستخدمون هذا الإدراك الجديد ضمن فنهم.
ولكن هناك جانبا آخر لا يقل أهمية، فبفضل هذا الدمج التكنولوجى استطعنا تطوير أسنان تستطيع بث ونقل الرسائل من فم الشخص إلى شخص آخر بما يفيد مرضى الشلل الكامل الذين لا يستطيعون التحدث والحركة. وهناك زراعات يمكنها إصدار اهتزازات على الاصطدام بجسم ما أو لتحديد الاتجاهات الأربعة والتى يمكنها مساعدة الأشخاص المصابين بالعمي. أو بمعنى آخر أننا أصبحنا أمام حلول متطورة للمشاكل الطبية بفضل الدمج البشرى مع التكنولوجيا.
دعينى أوضح أن الاستجابة لما أقوله عادة ما توصف بالغرابة. يصعب على الكثير من الناس أن يرى التكنولوجيا كونها جزءا من جسمه، كما فى حالتى، وهو أمر حديث وغير معتاد. ولكنى أشعر بمدى اهتمام الناس عندما أتحدث إليهم وأجيب أسئلتهم عن كيفية حدوثه وتبعاته فى إحداث تغيير إيجابى فى حياتنا. لذا فإن الناس مهتمون ولكنهم يشعرون بأننا ربما لانزال بعيدين ـ أو نتحرك ببطء ـ تجاه فكرة الاندماج بشكل ملموس مع التكنولوجيا والطبيعة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية