تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
منذ التصريحات الإرهابية، التى أدلى بها وزير التراث لحكومة الاحتلال، عميحاى إلياهو، ملوحا بخيار ضرب قطاع غزة المحاصر بقنبلة نووية، عاد الحديث عن الشبح النووى والسرية، والتعتيم اللذين يحيطان بالبرنامج النووى الإسرائيلى، وإن كان ما قام به الكيان المحتل من قصف لقطاع غزة يفوق حجم طاقة القنبلة النووية التى ألقيت على هيروشيما مرتين، وربما بلغ ثلاثة أضعاف اليوم!
ويطل برأسه فى قلب تلك المخاوف مفاعل «ديمونة»، باعتباره العنصر الأشهر بهذا البرنامج، الأشبه بلغم تحت الأرض قابل للانفجار، بين لحظة وأخرى مهددا المنطقة العربية بأسرها، وتنبع مصادر خطورته من فساد ورعونة الجانب المحتل لإصرار الأخير على تشغيله، برغم عوامل تقادمه وتأكيدات الخبراء لعدم سلامته، فضلا عن غياب الرقابة من جهات محايدة! فما المخاطر الكامنة خلف هذا المفاعل المحاط بحراسة مشددة؟
إن أحد أهم المخاوف التى تحيط بمفاعل ديمونة، التى لا تحظى بنقاش يليق بمستوى خطورتها تتمثل فى مدى صلاحيته للتشغيل، مع تقادم تاريخ إنشائه وإصرار الكيان المحتل، بل عزمه على مواصلة عمله والحفاظ عليه بشتى الطرق، حيث يعتبر هذا المفاعل الذى أعطته فرنسا لإسرائيل، وبدأ تشغيله فى أوائل الستينيات، واحدا من أقدم المفاعلات التى لا تزال تعمل حتى اليوم، وكان تصميم نواة المفاعل فى الأصل على أساس أن تعمل لمدة 40 عاما، ويتم الآن دفعها للبقاء فى الخدمة لمدة ضعف ذلك، وفقا لتصريحات الخبراء.
ويرجع ذلك جزئيا إلى غياب الإطار القانونى، الذى سيتم من خلاله بيع تلك النواة، من قبل الدول المنتجة لها لإسرائيل، نظرا لرفض الأخيرة التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ونتيجة لعدم قدرة الكيان المحتل على استبدال النواة النووية، فإن تحفزها على إبقائها فى الخدمة لأطول فترة ممكنة، يشكل مصدر خطورة بالغة، حيث يكتفى باستبدال وتحديث ما يستطيع من أجزاء، فضلا عن وجود علامات لمشاكل، لاسيما فى خزان مفاعلها المصنوع من الألومنيوم.
والأمر المثير للرعب، ما كشفه علماء بجامعة «تل أبيب»، فى إبريل عام 2016، عن وجود 1527 عيبا بقلب الألومنيوم المطلى بالخراسانة، باستخدام تقنية الموجات فوق الصوتية المبتكرة، التى تم إجراؤها لأول مرة فى عام 2007، ومرة أخرى عام 2015.
وبرغم نفى الحكومة الإسرائيلية آنذاك، وجود أى مشكلة بالمفاعل، وزعمها أن اختبار الموجات فوق الصوتية، كان جزءا من إجراءات الصيانة، فإن العديد من الخبراء بالمجال النووى، بما فى ذلك الذين أسهموا فى تأسيس مفاعل ديمونة، بل بعض السياسيين ظلوا لسنوات يدعون إلى إغلاق قلب المفاعل القديم، بسبب المخاطر التى يشكلها.
ومن أشهر تلك الشخصيات عوزى إيفين، أستاذ الكيمياء بجامعة تل أبيب، الذى شارك فى إنشاء المفاعل، وقال فى أحد الحوارات الإذاعية عام 2016، عقب التقارير التى أشارت إلى وجود 1527 عيبا بالمفاعل « إذا سألنى أحد اليوم عن الفائدة من استمرار تشغيل مفاعل تجاوز عمره الخمسين عاما، فالإجابة بالتأكيد ستكون بالنفى».
أما المشكلة الأخرى المركزية المتعلقة بمفاعل ديمونة، فتتمثل فى عدم وجود رقابة مستقلة عليه، بما أن الكيان المحتل ليس من بين الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووى، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تقوم بتفتيش المواقع، ولا يفعل ذلك المفتشون الأمريكيون الذين قاموا بمراقبة المفاعل فى أيامه الأولى، إلى أن قرروا أن فحوصاتهم لا قيمة لها فعليا، حيث تم إخفاء العديد من جوانب الموقع عنهم، والمفارقة التى تصل إلى حد السخرية، أن المفاعل طبقا لتبريرات الكيان الإسرائيلى المحتل يخضع للرقابة من هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، وهى ذات الهيئة التى تتولى تشغيله!
فضلا عن أن الطبيعة السرية للغاية للعمل هناك، تحد من حجم النقاش العام حول مركزية الأبحاث النووية، بل إن المحاولات الرامية للسماح لمكتب مراقب الدولة، الذى يجرى تحقيقات مستقلة فى مختلف الأمور المتعلقة بالحكومة، بنشر النتائج التى توصل إليها بشأن مفاعل ديمونة، تم حظرها وحجبها على مر السنين من قبل مكتب رئيس الوزراء بدعوى الحفاظ على السرية.
وفى عام 2008، قامت جمعية الحد من الأسلحة النووية، بمحاكاة تقديرية للآثار المحتملة لتعرض مفاعل ديمونة لكارثة نووية، ونظرا لأن العديد من التفاصيل حول مركز شيمون بيريز، للأبحاث النووية، تظل سرية وتخضع للرقابة العسكرية، فإن تلك المحاكاة أشارت إلى كونها مجرد تقدير تقريبى للآثار المحتملة الناجمة عن أى كارثة خاصة بالمنشأة.
من أخطر التداعيات التى رصدتها الدراسة، تلك الخاصة بمادة السيزيوم 137، الذى يمثل تحديا مختلفا إلى حد كبير، وهو أحد الجزئيات المشعة، حيث يبقى فى البيئة لفترة أطول بكثير قبل أن يتحلل فى النهاية وفى حال حدوث كارثة نووية فى ديمونة، فإن تلك المادة التى يمكن أن تختلط جزئياتها بسهولة مع المياه الجوفية، ويمتصها البشر والحيوانات والنباتات.
واللافت للنظر، هو تركيز تلك الدراسة التى حملت اسم «رامبيرج»، على ربط ورصد الآثار الناجمة عن الكارثة، بتوقيتها بالنسبة لفصول السنة، وتوصلت إلى أن أى كارثة تقع فى فصل الصيف، فإن السحب المشعة سوف تحملها الرياح بعيدا عن الكيان المحتل باتجاه الأردن، خلافا لوقوع الكارثة فى أواخر فصل الخريف.
قد تكون كارثة المفاعل الإسرائيلى مختلفة عن الانهيار، الذى حدث عام 1986 لمفاعل تشرنوبيل الكارثى، وهى واحدة من حادثتين نوويتين حصلتا على تصنيف 7، وفقا لمقياس الأحداث النووية الدولى الذى يعد مؤشرا لوقوع انفجار كبير له تداعيات واسعة النطاق، والثانية كانت كارثة مفاعل فوكوشيما النووى، باليابان عام 2011.
ولا تزال آثار الانفجار مرئية وملموسة حتى يومنا هذا، حيث تتكشف على البشر والحياة البرية والنباتية، والسؤال الذى يطرح نفسه هل يمكن أن تحدث مثل تلك الكارثة فى المفاعل النووى الإسرائيلى ديمونة اليوم؟ وإلى أى مدى سوف تنتشر المواد المشعة؟
إذا ما نظرنا إلى مفاعل ديمونة، فى إطار مقارن مع مفاعل تشرنوبيل نجد أن لكل منهما مقاييس ونماذج وظائف مختلفة إلى حد كبير، ونتيجة لذلك، فإن تداعيات وآثار أى كارثة ستختلف من حيث الحجم، وفقا لبعض الدراسات الواردة بموقع «THE TIMES OF ISRAEL»، وينطبق الأمر نفسه على مركز سوريك للأبحاث النووية، الذى يعتبر مركزا محدودا. ومع ذلك هناك بالطبع مخاوف تتعلق بإجراءات بالسلامة الأمنية، وغالبا لا يتم مناقشة هذه المخاوف علنا بسبب الطبيعة السرية لتلك المنشآت التى تنتج المواد الانشطارية للأسلحة النووية، وفقا لتقارير وسائل إعلام غربية.
وقد كان كيان الاحتلال حريصا منذ البداية على تحصين هذا المفاعل منذ إنشائه تقريبا، ووضع اعتبارات السلامة فى أعلى مستوياتها، فقد تم بناء مفاعل ديمونة على عكس تشرنوبيل بهيكل احتواء يهدف إلى منع المواد المشعة من الهروب فى حال حدوث انهيار أو كارثة ما، وتم بناؤه تحت الأرض لمزيد من الحماية، ويخضع لحراسة مشددة، تشمل عددا لا يحصى من وحدات الدفاع الجوى، التى تظل فى أعلى درجات الاستعداد خلال الفترات التى تشهد وتتسم بالتوتر الزائد.
وفى عام 2007، صرح قائد بطارية باتريوت للدفاع الصاروخى المكلفة بحراسة الموقع للتليفزيون الإسرائيلى: «إن أى طائرة تنحرف ولو قليلا عن مسارها يتم إطلاق صاروخ اعتراضى»، فضلا عن أن قلب أو مركز المفاعل ذاته مزود بسلسلة من إجراءات الحماية من الزلازل، حسبما صرح إيلى أبراموف، نائب المدير العام للمفاعل عام 2007، لمسئولين أمريكيين، وفقا لتسريبات وثائق ويكيليكس الشهيرة.
وفى عام 2018، وفى تصريحات علنية نادرة قال رئيس هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية، زئيف سنير، أنهم يعملون على تعزيز مفاعل ديمونة النووى باستمرار.
والنقطة الأكثر أهمية بخلاف الإجراءات الدفاعية المحيطة به هى إمكانية وقف جميع العمليات على الفور، فى حال ظهور علامة على وجود مشكلة من دون أن تؤدى مثل هذه الخطوة إلى إظلام أجزاء كبيرة من الأراضى المحيطة به، وذلك وفقا لتصريحات أحد الخبراء الذى طلب عدم الكشف عن هويته.
يمكن أيضا إيقاف تشغيل المفاعلات الحديثة بسرعة، عن طريق إغراق المفاعل بالبورون، وهو عنصر قادر على امتصاص النيوترونات الصادرة عن الانشطار النووى.
لكن تجدر الإشارة، إلى أن هذا لا يزيل المخاطر على الفور، لكن فى غضون دقائق يمكن أن يتم إيقاف التفاعلات داخل بؤرة المفاعل، ويسمح للمفاعل بالبدء فى عملية التبريد، ويشبه الخبراء ذلك الأمر بإناء به مياه فى حال غليان فوق الموقد، وقد يكون الماء بداخلها ساخنا، لكنه لم يعد يغلى، ويمكن أن يبدأ فى العودة إلى درجة حرارة الغرفة.
وبمجرد ظهور مؤشرات الخطر، وإطلاق الإنذارات يقوم المشغل المختص بإغلاق المفاعل، حتى فى حال وردت إشارة أولية إلى نشاط زلزالى أو وجود خلل ما فى المفاعل.
ومن الوقائع الشهيرة التى كان خطر الكارثة النووية يقترب، ما جرى إبان نكسة 1967، حيث أسقطت بطاريات الدفاع الجوى طائرة مقاتلة إسرائيلية، انحرفت عن طريق الخطأ بالقرب من الموقع، وبالتالى فإن عوامل الخطر واردة بأى لحظة.
إحدى المشكلات الرئيسية الأخرى التى تعقب وقوع حادث، أو كارثة هى فقدان الطاقة للمفاعل نفسه، مما يمنع المشغلين من التحكم فى التفاعلات بالداخل، وقد تسبب هذا الأمر فى كارثة فوكوشيما عام 2011، باليابان عندما أدى تسونامى إلى تعطيل المولدات التى تغذى الطاقة للمضخات التى تنقل المبرد عبر المفاعل، وأدى ذلك إلى الانهيارات والانفجارات وفى أعقاب كارثة فوكوشيما، بدأت المفاعلات النووية فى استخدام النسخ الاحتياطية من البطاريات من أجل ضمان حصولها دائما على إمدادات من الكهرباء فى حال وقوع أى حادث، ويرفض الجانب المحتل الإدلاء بأى تصريحات خاصة بمفاعل ديمونة.
وهكذا تظل المنطقة العربية القريبة من المفاعل، فى مرمى الخطر الوارد بين لحظة وأخرى، جراء وجود هذا المفاعل الذى انتهت صلاحيته، والخارج عن القانون مثل الكيان التابع له
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية