تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الوزراء : الصناعة الذكية ثورة رقمية تضع الدولة على أعتاب العالمية
الصناعة الذكية أحد أبرز ملامح التحول التكنولوجي العالمي في القرن الحادي والعشرين، حيث تُعيد صياغة مفهوم الإنتاج الصناعي عبر دمج تقنيات رقمية متقدمة، مثل: الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة في المراحل المختلفة للعمليات التصنيعية. وقد بات هذا التحول ركيزة أساسية في تعزيز التنافسية الصناعية، وزيادة الكفاءة التشغيلية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، يُسلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الضوء على واقع الصناعة الذكية وتطورها محليًّا ودوليًّا، من خلال استعراض التطور التاريخي للتحول الصناعي، و الاتجاهات العالمية والتجارب الدولية في تبنّي تكنولوجيا التصنيع المتقدم، والتطرق إلى أبرز المبادرات العربية الرائدة في هذا المجال.
و تخطو مصر خطوات متسارعة نحو تبنّي مفاهيم الصناعة الذكية، باعتبارها ركيزة محورية لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة. وفي ظل التحوّل العالمي نحو تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (4IR)، انتهجت الدولة استراتيجية شاملة ترتكز على تطوير البنية التحتية التكنولوجية، وتحفيز الاستثمار، وبناء القدرات البشرية.
تُظهر المؤشرات الاقتصادية نموًا ملحوظًا في سوق التصنيع الذكي على المستوى المحلي، حيث سجّل القطاع إيرادات تُقدّر بنحو 1.15 مليار دولار أمريكي في عام 2021، مع توقّعات بارتفاعها إلى 2.075 مليار دولار بنهاية عام 2025، وصولًا إلى 6.056 مليارات دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 14.33%، بحسب تقديرات مركز الأبحاث Cognitive Market Research. أما من حيث حجم السوق، فيُقدّر أن يصل إلى 537.97 مليون دولار في عام 2025، بمعدل نمو سنوي يبلغ 15.4%، مما يعكس تصاعد الاهتمام بالتقنيات الذكية داخل القطاع الصناعي المصري.
وفي السياق ذاته، أحرزت مصر تقدمًا ملحوظًا في مجال الذكاء الاصطناعي، و بلغ سوق الصناعه الذكيه في مصر خلال 2025 حوالي 538 مليون دولار
كما حافظت مصر على ريادتها القارية في مؤشر جاهزية الحكومات لتطبيق الذكاء الاصطناعي لعام 2024، حيث جاءت في المركز الأول إفريقيًا بقيمة 55.63 نقطة مقارنة بالمركز الثاني إفريقيًا في عام 2023، حيث سجلت 52.69 نقطة. ويعكس هذا التقدم جهود الدولة في تبنّي سياسات واستراتيجيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز البنية التحتية الرقمية كجزء من خطة التحوّل الرقمي الشامل. كما يُبرز تنامي النشاط المحلي في هذا القطاع، حيث بلغ عدد الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي في مصر نحو 246 شركة بحلول عام 2022.
أما فيما يخص الابتكار، فقد شهدت مصر تطورًا إيجابيًا ملحوظًا، إذ ارتفعت في مؤشر الابتكار العالمي من المرتبة 96 في عام 2020، إلى 94 في 2021، ثم إلى 89 في 2022، وصولًا إلى المرتبة 86 في عام 2023، ما يدل على تحسّن تدريجي في البيئة الداعمة للابتكار والتكنولوجيا.
وفي المقابل، أشارت بيانات مؤشر الأداء الصناعي التنافسي لعام 2020 إلى أن مصر جاءت في المرتبة 65 عالميًا، مما يشير إلى الحاجة المستمرة لتحسين جودة البنية التحتية التكنولوجية، وتبنّي برامج عمل تساهم في تحفيز الصناعات عالية التقنية وتعزيز قدراتها التنافسية.
و تأتي المبادرات الاستراتيجية لبناء قاعدة صناعية رقمية ضمن جهود الدولة لبناء مجتمع صناعي رقمي، أطلقت مصر عددًا من البرامج الوطنية بالتعاون مع شركاء دوليين، ومنها:
مبادرة "فرصتنا الرقمية": التي توفر منصة إلكترونية للشركات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة في تنفيذ مشروعات التحول الرقمي الحكومي.
مبادرة "رواد مصر الرقمية": لتأهيل الكوادر في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأمن السيبراني.
مبادرة "تكنولوجيا التصنيع – مانيوتك (ManuTech): التي تستهدف الشركات الناشئة الصناعية وتزويدها بحلول متقدمة ضمن بيئة تحفيزية للابتكار.
مبادرة "مصر تصنع الإلكترونيات": لبناء صناعة إلكترونية وطنية تدعم النمو الصناعي وتعزز القيمة المضافة.
استراتيجيات الذكاء الاصطناعي (2018 و2025-2030): اللتان تركزان على بناء بنية تحتية قوية، وإطار حوكمة فعّال، وتنمية المهارات الرقمية، لجعل مصر مركزًا إقليميًا للذكاء الاصطناعي ، بالاضافة الى مؤشر جاهزية الصناعة الذكية.. تقييم الواقع والتخطيط للمستقبل
وفي هذا الإطار، أطلقت مصر مجموعة من المبادرات والاستراتيجيات بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، وعلى رأسها تبنّي "مؤشر جاهزية الصناعة الذكية" Smart Industry Readiness Index (SIRI)، كأداة تقييم معيارية معتمدة عالميًا لقياس مستوى النضج الرقمي للمصانع. وقد تم تنفيذ أول برنامج تدريبي معتمد للمقيّمين في مصر بالتعاون مع المركز الدولي للتحول الصناعي (INCIT) International Centre for Industrial Transformation والوكالة الألمانية للتعاون الدولي German Agency for International Cooperation (GIZ)، بمشاركة خبراء من مركز تحديث الصناعة Industrial Modernization Center (IMC) وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA) Information Technology Industry Development Agency. وأسفر البرنامج عن تأهيل أول دفعة من المقيّمين المعتمدين لتقديم تقييمات متخصصة للمصانع، وتزويدها بخطط عمل عملية تسهم في تسريع وتيرة التحول الرقمي.
وقد تم بالفعل تنفيذ تقييمات رقمية لمجموعة من الشركات المصرية الرائدة، وتم تكريمها خلال فعالية رسمية نُظمت للاحتفاء بريادتها في التحول الصناعي. كما تم الإعلان عن تأسيس مجتمع من المقيّمين المعتمدين لضمان استمرارية تطبيق منهجية المؤشر على نطاق واسع، وتعزيز التعاون بين الفاعلين الصناعيين والمعنيين بالتطوير.
ويُعد اعتماد مؤشر SIRI في مصر خطوة استراتيجية لتعزيز جاهزية المصانع للتحول الرقمي، وتحقيق التكامل بين البنية التحتية والتشريعات والمواهب الوطنية، مما يرسّخ مكانة مصر كمركز صناعي وتكنولوجي رائد في الشرق الأوسط وإفريقيا.
و بالنسبة إلى المناطق الصناعية الذكية.. محرك الاستدامة والابتكار في إطار التحول الرقمي الشامل الذي تشهده مصر، تتجه الدولة نحو تطوير المناطق الصناعية الذكية كنموذج متقدم لإعادة تشكيل المشهد الصناعي في البلاد. فبدعم من القطاعين العام والخاص، يشهد هذا التوجه نقلة نوعية نحو بنية تحتية أكثر تكاملًا، وممارسات أكثر استدامة، وحلول تقنية تدعم الكفاءة والإنتاجية.
وتتميز هذه المناطق بكونها منصات صناعية متكاملة ترتكز على تقنيات الصناعية الرابعة، مثل إنترنت الأشياء، وتحليل البيانات، والأتمتة الذكية، مما يجعلها أكثر قدرة على تحسين كفاءة العمليات، وتقليل الفاقد، وتوفير بيئة عمل صديقة للبيئة.
ومن أبرز النماذج الرائدة في هذا الإطار، نذكر مجمع e2 العلمين التابع لمجموعة التنمية الصناعية (IDG-Industrial Development Group) ، ومشروعات شركة بولاريس (Polaris Parks) للمناطق الصناعية، ومجمعات شركة السويس للتنمية الصناعية (SIDC).
والاهتمام الحكومي واضح في هذا السياق، حيث تقود وزارة التجارة والصناعة، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO)، مبادرة لإنشاء نموذج بيئي صناعي ذكي في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بهدف تقديم نموذج يُحتذى به في باقي المناطق الصناعية بمصر.
وتتخطى أهمية هذه المناطق الأثر البيئي، لتصل إلى إعادة تعريف مفهوم التكامل الصناعي، عبر مفهوم "التكافل الصناعي"، حيث يمكن للمصانع تبادل الموارد والمخلفات والعمليات، بما يُحقق وفورات تشغيلية ويُعزز التعاون بين مختلف الصناعات ضمن نفس الحيز الجغرافي.
وبالرغم من أن إنشاء هذه البنية التحتية الرقمية يتطلب استثمارات ضخمة، كما في حالة IDG the Industrial Development Group التي تعهدت بضخ نحو 300 مليون جنيه خلال خمس سنوات، فإن العائد المتوقع يُمثل تحولًا استراتيجيًا يضع مصر في موقع تنافسي إقليمي وعالمي، عبر تعزيز جاهزيتها للتحول إلى التصنيع الذكي.
ومع ازدياد اهتمام المستثمرين الأجانب بمثل هذه المبادرات، تبرز المناطق الصناعية الذكية كأداة جذب رئيسة لرؤوس الأموال، وركيزة أساسية في استراتيجية مصر الصناعية نحو تحقيق نمو شامل ومستدام.
مركز تميز تكنولوجيات الجيل الصناعي الرابع (Industry 4.0 Innovation Center – IIC)
ضمن جهود مصر في تسريع التحول نحو التصنيع الذكي، أُطلق مركز تميز تكنولوجيات الجيل الصناعي الرابع (Industry 4.0 Innovation Center – IIC) كمبادرة استراتيجية بالتعاون بين هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (Information Technology Industry Development Agency – ITIDA)، ومركز تحديث الصناعة (Industrial Modernization Centre – IMC)، وشركة سيمنز العالمية. (Siemens).
يقع المركز في مدينة المعرفة بالعاصمة الإدارية الجديدة، ويُعد منصة متكاملة لنقل وتوطين تقنيات الثورة الصناعية الرابعة (Fourth Industrial Revolution – 4IR)، ويهدف إلى رفع الوعي بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها في المصانع الذكية ، توفير التدريب العملي على تقنيات الأتمتة (Automation) والرقمنة (Digitization) ، دعم الابتكار الصناعي وتطوير المنتجات من خلال معامل تصميم وتطوير الحلول الذكية.
تمكين المصانع والشركات الناشئة من اختبار وتطبيق تقنيات التصنيع المتقدمة، بما فيها:
الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing)
الروبوتات الصناعية (Industrial Robotics)
أنظمة إنترنت الأشياء (Internet of Things – IoT)
الواقع الافتراضي والمعزز (Virtual & Augmented Reality – VR/AR)
الهندسة العكسية (Reverse Engineering)
تصميم خطوط الإنتاج الذكية (Smart Production Line Design)
ويضم المركز نموذجًا لمحاكاة مصنع ذكي باستخدام تكنولوجيات الجيل الصناعي الرابع، بالإضافة إلى معامل متخصصة للابتكار، والتصميم، والتدريب، موجهة للطلاب، ورواد الأعمال، والمؤسسات الصناعية، بما في ذلك دعم مشاريع التخرج ذات الصلة بالتصنيع الذكي.
كما يستهدف المركز بناء قدرات الكوادر الفنية والمهندسين، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة Small and Medium-sized Enterprises (SMEs) من تبني التحول الرقمي الصناعي، بما يتوافق مع الأهداف الوطنية نحو رفع التنافسية وتحقيق رؤية مصر 2030. ويمثل هذا التعاون خطوة محورية في جعل مصر مركزًا إقليميًّا رائدًا في تصميم وتصنيع الإلكترونيات، ورافعة أساسية لتنفيذ المبادرة الرئاسية "مصر تصنع الإلكترونيات" (Egypt Makes Electronics – EME).

انفوجراف
ولضمان استدامة هذا الجهد، تم تشكيل فريق عمل مشترك من وزارتي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتجارة، إلى جانب "سيمنز"، لمتابعة تنفيذ الاتفاق وحل أية معوقات، وضمان تحقيق التأثير المطلوب في القطاع الصناعي الوطني.
أما في يخص قطاع البترول، وضعت وزارة البترول والثروة المعدنية برنامجًا للتحول الرقمي يشمل استخدام التقنيات الرقمية في رفع كفاءة التشغيل وتحقيق أعلى درجات التشغيل الاقتصادي بمصافي التكرير. وقد تم في هذا الصدد إنشاء غرفة تحكم رقمية لعمليات مصافي التكرير، تشمل نظم برمجة خطية تساعد في الوصول إلى أعلى عائد من التشغيل، ومتابعة المستودعات والمعامل الخاصة بالمصافي. كما تم تنفيذ برنامج تدريبي على إدارة وتشغيل مجموعة نظم البرمجة الخطية لربط مصافي التكرير بمنظومة رقمية موحدة تشمل شركات التكرير وخطوط الأنابيب وأساليب النقل المتاحة، بهدف الوصول إلى الخطط الأنسب للعملية التشغيلية، وظروف التشغيل المُثلى، بما يحقق أعلى كفاءة تشغيلية. وقد بدأت الوزارة أيضًا في تنفيذ مشروع التحكم والرقابة على النفط الخام والمنتجات البترولية، من خلال إنشاء مركز تحكم رئيسي لمراقبة تداول ونقل النفط الخام والمنتجات البترولية عبر خطوط الأنابيب.
ختامًا وفي ضوء ما تناولناه، يتضح أن الصناعة الذكية تمثل تحولًا استراتيجيًّا في مسار الإنتاج العالمي، حيث أصبحت الركيزة الأساسية لتعزيز التنافسية الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة. فمن خلال توظيف تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والأتمتة المتقدمة، أعادت الصناعة الذكية صياغة مفاهيم الكفاءة والجودة والمرونة التشغيلية. وقد أظهرت التجارب العالمية والعربية أن تبني هذا النموذج الصناعي المتقدم يفتح آفاقًا واسعة للنمو وخلق فرص عمل نوعية. وفي حين يواجه التحول للصناعة الذكية بعدد من التحديات مثل فجوة المهارات الرقمية والبنية التحتية، فإن النجاح في هذا التحول يعتمد بالأساس على تبني سياسات شاملة تُعزز الابتكار وتربط بين التعليم وسوق العمل، وتدعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي ظل تسارع التطور التكنولوجي، يبقى الاستثمار في الصناعة الذكية اليوم هو الضامن الرئيسي لريادة اقتصادية وصناعية مستدامة في المستقبل.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية