تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

هيرودوت يتحدث عن مصر

لأهمية هذا الكتاب بالنسبة لهيرودوت يسمونه كتابه الثانى. ورغم أنه كتب تسعة كُتب فى حياته، فإن هذا الكتاب أحبهم إليه لأنه اختص به وطننا الحبيب مصر، وشعبنا العظيم المبتكر الذى لفتت عظمته وجلائل أعماله وفضائله أنظار الدنيا. واقتادت العيون نحو دياره الحلوة المترفة. وما حملت أرضها من مختلف البدائع والروائع.

 

شعبنا عظيم لا يشك فى ذلك أحد. آمن بربه ووطنه، لا تعرف أنه اتفق لغيره من شعوب الأرض. وأحب وطنه أرضا وسماء وماء وهواء وزرعا وحيوانا، ثم قدَّس كل أولئك. ولم يكن حُبه ذاك مصدره الهوى، ولكن كان مصدره اليقين بحيث أضحى لدى أصحابه من قواعد الإيمان. وشعبنا آمن بكرامة إنسانيته، فاستحق الخلود. واحتل من تاريخ الإنسانية صفحة الذهب من هذا الوجود.

حسبُنا أن تاريخ هذا الشعب قد أضحى نغما حلوا فى فم الدهر. يُغنيه فيطرب له الكون، وسيظل يطرب ما بقيت مصر وبقى فى الدنيا من يُقَدِّر تاريخ مصر. هذا كتاب كتبه مؤلفه منذ خمسة وعشرين قرنا من الزمان، فأطلع الدنيا كلها على كثير مما لم تكن تعرف من صور الحياة التى عاشها أسلافنا على ضفاف النيل. وهى صور مُشرقة وضَّاءة. ثم إنها فوق ذلك مُشرِّفة، تُرضينا وتُسعِدنا وتعطينا حقنا فى اختيار مكاننا فى الحياة.

والكتاب الذى نشرته الثقافة الجماهيرية فى سلسلة عنوانها: حكاية مصر، يرأس تحريرها صبرى سعيد، ويدير التحرير الدكتورة انتصار محمد، أما سكرتيرة التحرير فتتولاها الدكتورة ماهينور فؤاد. وشكرا للثقافة الجماهيرية من قبل ومن بعد. فهذا الكتاب الذى يقع فى أكثر من 350 صفحة من القطع المتوسط يُباع بخمسة عشر جنيها فقط. وهذا ما لابد من أن نشكر هذا الجهاز العظيم عليه.

والكتاب عنوانه: هيرودوت يتحدث عن مصر. ترجمه عن الإغريقية الدكتور محمد خفاجة. وشرح الترجمة كلها الدكتور أحمد بدوى فى حالة من التعاون العلمى النادر الذى يندر تماما أن نجده الآن. ولذلك أعتبر أن إعادة طباعته للأجيال الجديدة عمل يستحق التوقف أمامه والإشادة به.

إن الجميع يقولون عن هيرودوت إنه أبو التاريخ. ولهذا تعتبر الدنيا أن تُراثه لن يكون مِلكا لشعبٍ من الشعوب، وإنما هو مشاع مشترك بين شعوب الدنيا فى الشرق والغرب. ومن يقول إنه ملأ الدنيا وشغل الناس لا يتجاوز الصواب، لأنه ما أكثر ما رددت الأيام اسم هيرودوت، وما أكثر ما ستُردده، وما أكثر ما نظر الناس فى تُراثه وما سينظرون، وما أكثر ما كتبوا عنه وما سيكتبون، وما أكثر ما جادلوا فيه واختلفوا فى أمره، وما أظن أن جدلهم فيه واختلافهم فى الحكم على تراثه قد انتهى. بل ما أظن أنهم سوف ينتهون من ذلك فى وقت قريب.

واسمه من الأسماء المُركَّبة، فهو مكوَّن من «هيرا» معبودة الإغريق المعروفة، و«دوت» أو دوتا المأخوذة من فعل أهدى أو أعطى. فالاسم إذن هو هدية هيرا أو عطاء هيرا. وقد ولد هيرودوت فى الركن الجنوبى الغربى من آسيا الصُغرى، ويختلف الباحثون فى تحديد تاريخ مولده. فمنهم من يجعله نحو 484 قبل الميلاد، ومنهم من يجعله بعد ذلك بخمسة أعوام. إلا أنهم يختلفون آخر الأمر على أنه مجهول النسب، وهو نفسه يكاد يُشير إلى هذا فى تواضع ومن طرف خفى.

كانت أسرته معروفة موسرة غير مُعسرة، مؤثرة فى توجيه السياسة التى كانت تهدف يومئذ إلى الحُرية والخلاص من ظُلم الطُغاة. عمه أو خاله يانياس كان من الشعراء المعروفين المُجيدين. وما من شك أن أسرة هيرودوت الفتى قد تعرَّضت لألوانٍ من المحن التى أثرت فى حياته، وقد كان مشاركا فيها قبل أن يبلُغ العشرين من سنين عُمره.

وفى المقدمة المهمة للكتاب يقول هيرودوت إنه زار الهرم، ومن المؤكد أن مصر كانت أيام الاحتلال الفارسى تكره من يحتلها. وإن كان من ترجموا الكتاب يُقللون من ثقافة هيرودوت ومن عِلمه ودِقَّته ورؤيته وحصافته وصِدقه. وفى الحق فإن الطعن فيه وفى قبيلته والتجريح فى عقائدهم لم يكن بالشيء الجديد. فإن ذلك يعود إلى زمان الدولة القديمة.

وإن كان صاحب المُقدِّمة يرى أن هيرودوت بشر من أمثالنا يُخطئ ويُصيب، وأن له كجميع البشر حسنات وسيئات. وإن الحسنات يُذهِبن السيئات. ويعترف الدكتور أحمد بدوى بأنه لو كان مكان هيرودوت وعاش حياة كحياته، ولقى ما لقى من ظروف دهرِه، إذن لأخطأ أضعاف ما أخطأ، ولضل أكثر مما ضل.

ويعترف صاحب المقدمة بأنه قسا عليه. وكان من واجبه أن يُشفق عليه، وأن يعذُره ويعتذر له. لا يأخذ عليه غير ما ادعاه من أن رواته كانوا من الثُقات. على حين تكون الأدلة على أنهم لم يكونوا كذلك. ولهذا فإن صاحب المقدمة يحاول الخروج بحقيقة واضحة أن الرواة الإغريق الذين رووا حياة هيرودوت كانوا يخلون من القيمة التاريخية.

إن هذا الكتاب يؤكد أن مصر كانت معشوقة المؤرخين والرحَّالة، ويتضمن الكتاب حديث هيرودوت أبو التاريخ كما كان يُطلق عليه عن مصر والبدائع والروائع. إنه هو الذى قال فى قديم الزمان: مصر هبة النيل. وتحدَّث عن الزراعة فى مصر القديمة ودور نهر النيل فى استقرار الدولة المركزية المصرية وعادات المصريين وتقاليدهم ومدى ارتباطهم بالنيل العظيم.

إن هذا الكتاب بالفعل كنز معرفى وفكرى داخل كتاب ورقى لعملاقين من عمالقة الفكر والثقافة فى مصر. علاوة على قيمة هيرودوت، فهما الدكتور محمد خفاجة، والدكتور أحمد بدوى اللذان قدما لنا هذا الكنز المعرفى النادر.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية