تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > يوسف القعيد > ماذا يفعل بنا التقدم فى العُمر؟!

ماذا يفعل بنا التقدم فى العُمر؟!

أهدتنى هذا الكتاب المهم الدكتورة كرمة سامى مدير المركز القومى للترجمة بوزارة الثقافة، الموجود فى مبنى دار الأوبرا. وقالت لى إنه كتابٌ مهم جدا. والكتاب من تأليف مارثا نوسيباون، وسول ليفيمور، وهما عالمان أمريكيان يُدرِّسان فى الجامعات الأمريكية، وكتب كل واحد منهما عددا من فصول هذا الكتاب، الذى يقع فى ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير.

والكتاب يتحدث عن أمر يعنينى. بعد أن تقدَّم بى العُمر. وترجمه إلى اللغة العربية الدكتور هشام ممدوح طه المُترجم المعروف. والعنوان الجانبى له: محاورات حول التقاعد والحب والتجاعيد والندم.

كانت هناك الدكتورة عواطف عبدالرحمن أستاذة الإعلام المعروفة، ويبدو أنه اجتذبها صيت الكُتُب التى يُصدرها المركز بعد ترجمتها للغة العربية ترجمة دقيقة وجيدة. والكتاب معنى بتدبُّر العيش، ويقينا فإن الموت لا يرد ذكره فى هذا الكتاب. ولكنه يتوقف طويلا أمام التقدم فى العُمر الذى يعنى أن تُجرِّب وتكتسب حكمة وتُحب وتخسر.

فالكِبَر هو الكثير من الأشياء الأخرى، قد يكون بالنسبة للبعض منا مُنحصرا فى الندم والقلق. ويمكن أن يعنى التطوع والفهم والإرشاد وإعادة الاكتشاف والعفو. كل هذا يتم تحت وتيرة متزايدة للنسيان.

إنه ينطلق من هذه الأفكار ويتحدث عن أُناسٍ لم يعودوا يفكرون فى أنهم يكبرون. لكن الأصدقاء والأقارب والزملاء الصغار كثيرا ما يعتبرون ذويهم من كبار السن كمستودعات للحكمة. بالإضافة إلى اعتبارهم نماذج إنسانية تمشى على قدمين.

وإن كُنَّا نحن البشر خلافا لبقية الكائنات نتعلم ونُسجِّل ونتناقل أخطاءنا ونجاحاتنا على نطاق واسع، ونفعل ذلك بطُرقٍ وسَّعت حدود التجربة الإنسانية، وحشدت حياة الأجيال التالية للتعامل مع فكرة التقدم فى العُمر. وكل هذا يتم بعد أن حققت البشرية تقدُّماً فى الزراعة والصناعة والطيران. لكنها لم تفعل نفس الشىء بالتشارك العاطفى والأبوَّة واختيار القيادات.

وقد يكون مرجع ذلك لأن المشكلات فى تلك المجالات لها أهداف متحركة لا تُقْهر بمرور الوقت عبر التقدُّم العلمى المُتزايد، ويقع الكِبر فى المنتصف بين التحديات العلمية وتحديات العلاقات والتواصل بين الأشخاص.

إننا قد نعيش حياة أطول، ونتمتع براحة أكثر من سابقينا. والكتاب من ألفهِ إلى يائه عن اختيارات التقدم فى العُمر. علينا أن نتقبل أن كِبَر السِن مرحلة من الحياة، نشترك فيها جميعاً، كلٌ منا بطريقته الخاصة. لكننا لابد أن نتعلم من تجارب الآخرين، لأن الناس مع تقدمهم فى العُمر قد تتغير اهتماماتهم وسلوكياتهم وتفضيلاتهم، ويحدث ذلك بطرائق تؤكد التجربة المشتركة.

ومع تقدُّمنا فى العمر هل نصير أكثر أو أقل تنافسية، وروحانية، واحتياجا، وغيرة، وتسامحا، وكرما؟ إنها كلها أسئلة من يُكتَب لهم أن يعيشوا وقد درَّبوا أنفسهم على التعامل مع تيمة الكِبَّر والتقدم فى العُمر.

إن الجسد الذى أصابه الكِبَر موسوم، وعادة ما يشعر المسنون أنفسهم بالخجل من أجسادهم. خاصة التجاعيد والصلع الذى ربما رآها الشباب ساحرة. ولكن كِبار السِن قد يلجأون إلى جراحات التجميل ومحاولات مكافحة آثار الشيخوخة، واحتمالية أن مُعدَّل التدخلات الجراحية قد يعتمد على أحوال المجتمعات التى نعيش فيها ونحنُ نشيخُ سواء فى أوان الشيخوخة أو قبلها أو بعدها.

\هذا الكتاب ذكَّرنى بأن الكِبَر وقتٌ لاسترجاع الماضى. زمنٌ نبحث فيه ونعيد تقييم الحياة الماضية لكلٍ من أغراضنا الخاصة. ولأن جيل الشباب يظن أن لديه بعض الحِكمة فهو لا ينظُر إلى الوراء لتصوره أن هذا النظر قد يجلب الندم والأسى والغضب. مع أن المرء لا يستطيع إطلاقا تغيير الماضى.

أغرانى موضوع الكتاب فلم أُعرف مؤلفه ومؤلفته ولا مُترجمه. والمؤلفان استاذان فى الجامعات الأمريكية، جاءا إلى الدُنيا فى خمسينيات القرن الماضى. أما المُترجم فقد ترجم مئات المقالات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، وترجم كُتُب الحرب النفسية التى تشنها جنوب إفريقيا ضد المواجهة فى الجنوب الإفريقى، ورواية: كوكب القِردة، ورواية: زوجة الساحر، وكتاب عن التاريخ الملحمى للقوة الاقتصادية الأمريكية، وكتاب عن المافيا الروسية.

لكن كل هذا لا يمنع الإنسان من التوقف طويلاً أمام التقدم فى العُمر. خاصة أن الكتاب يحاول أن يؤكد أن البشر فى جوهرهم أنانيون، يمدون يد العون للآخرين فى مرحلة الطفولة المُبكِّرة فقط كوسيلة لإشباع احتياجاتهم. ومع تقدُّم العُمر فإن الكِبر ينطوى على مُخاطرة أن يُعيدنا جميعا إلى طفولة ثانية، والتى نتعرض خلالها للمطالب المُلحَّة للأنا والاحتياجات الجسدية المُباشرة التى يُكوِّنها كل إنسانٍ لحياته. وفهمنا للعالم الأكبر أن البشر جميعا بحاجة للوعى لهذه المخاطر الأخلاقية كى يُكافحوها بقدر ما يستطيع كلٍ منهم، ويُفضَّل أن يكون ذلك بوقار وروح فكِهة وتواضع. وربما كان التواضع من أهم ما يحتاجه الإنسان.

هذا الكتاب يؤكد أنه على المُسنين أن يُركِّزوا على التحكم الذاتى العاطفى، والأمانة هنا لها قيمتها. ولكن الأمانة لا تعنى التفوه بلا تفكير، وبخوف وانزعاج وشكوى. يجب ألا ننسى أن الاهتمام المُبالغ فيه بالذات قد يتم على حساب الاهتمام بالآخرين.

إن محاولة الإنسان تخيُّل منظور أحبَّائه أمرٌ مهمٌ وحاسم. ويزداد أهمية مع التقدم فى العُمر.

يُركِّز الكتاب على معنى الإيثار، وألا يستخدم أحد الناس كمجرد وسائل فى الحياة. مع تقدم الناس فى العُمر يستمرون فى احتياج وحب الأصدقاء وأفراد الأسرة. وقد يعتمدون على الآخرين بشكل غير عادى.

إن أى محاولة لتلخيص هذا الكتاب لا يُمكن أن تنجح ولابد من قراءته، خاصة لمن تقدموا فى العُمر. إنه كتاب عن وسائل لمكافحة التقدم فى العُمر مع أن نهاية العُمر بيد الله وحده.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية