تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > يسري حسان > الطريقة المثلى لتعذيب المواطنين في سراي القبة

الطريقة المثلى لتعذيب المواطنين في سراي القبة


استغربت جدا من الموقف، وسألت نفسي: ما الذي سيستفيده هؤلاء من مثل هذا الاختراع العجائبي، الذي توصلوا إليه، لتعذيب المواطنين والتنكيل بهم؟
في التاسعة صباح اليوم، الخميس، تمانية ستة، كان الطابور طويلا أمام شباك التذاكر في محطة مترو سراي القبة، وكلما وصل أحد مستحقي التذكرة المخفضة إلى الصراف، عاد مكسور الجناح والخاطر بدون تذكرة.
سألت ما الحكاية؟ قالوا إللي عايز نص تذكرة يجيبها من صالة الدخول، وفي صالة الدخول وجدت موظفا يحمل كرتونة بها التذاكر، سألته لماذا هذا الإجراء العجيب؟ قال، في جدية شديدة، الدنيا مقلوبة علينا، اكتشفوا إن في ناس بتاخد التذاكر وتبيعها، وفي تعليمات مشددة جدا وع الآخر، ما حدش ياخد نص تذكرة إلا وهو داخل يركب فعلا، عشان نتأكد إنه ح يركب بيها ومش ح يبيعها!
كانت هذه هي المرة الأولى التي أعلم فيها أن هناك بيزنس في تذاكر المترو، طبقة من الأشرار حققت ثراء فاحشا، وامتلكت القصور والفيلات والسيارات الفارهة، وأرسلت أولادها إلى الخارج ليلتحقوا بأكبر الجامعات وأعرقها، وكل ذلك من حصيلة الاتجار غير المشروع في هذه التذاكر.. لعنة الله عليهم.. يأكلون في بطونهم حراما!
أخذني الفضول وحاولت أعرف من الرجل، حامل الكرتونة، كيفية قيام هؤلاء الأوغاد بالاتجار غير المشروع في التذاكر، قال: "الواحد يقطع نص تذكرة، وبعدين يريح شويه، يدخن له سيجارة، ثم يعود مرة أخرى ويشتري نص تذكرة، وهكذا" قلت: يعني الراجل بين كل نص تذكرة والتاني بيدخن سيجارة بخمسة جنيه أو حتى بتلاتة جنيه.. يبقى أكيد بيبيع التذكرة بخمسين ستين جنيه مثلا عشان ترزق وتتعشى!
طب حضرتك احسبها معايا كده، لو ده صحيح يعني: نص تذكرة بتلاتة جنيه، والتذكرة كاملة بستة جنيهات، لو الراجل باع النص ح يبيعه بكام! اكيد مش أكتر من خمسة جنيه، يعني مش ح يجيب حق السيجارة اللي دخنها بين النصين.
طبعا حكاية إن الناس بتتاجر في التذاكر دي، حكاية خايبة وإللى اخترعها ليس أكثر من رجل تافه ومش لاقي حاجة يعملها.
ثم لماذا تترك الناس تقف في طابور طويل، وفي الآخر تقول لهم تذاكركم مش عندنا؟ أليس من الواجب والإنسانية والرحمة والشفقة، والشفشقة، إللي ما أعرفش تطلع إيه أصلا، أن ترحم هؤلاء، ومعظمهم من كبار السن وأصحاب الإعاقة، وتعلق لافتة تخبرهم فيها بأن تذاكرهم داخل الصالة وليست في الشباك، أم أنك مجرد شخص سادي تريد تعذيب مخاليق ربنا وخلاص.
ثم، وعفوا لتكرارها في فقرتين متتاليتين، أليس هناك أربعة موظفين على الأقل يقفون أمام ماكينات الدخول لا شغلة لهم ولا مشغلة، ويمكنهم التأكد من استحقاق الراكب للتذكرة المخفضة من عدمه؟ يعني المسألة بسيطة ومش محتاجة كل هذه السادية.
الغريب في الأمر أنني نزلت في محطة أحمد عرابي ولم أجد هذا الإجراء متبعا، وربما تكون محطة سراي القبة هي الوحيدة التي اخترعته، لو كان ذلك صحيحا لابد إذن من محاسبة ناظر المحطة أو المسئول الذي فعلها.
ثم، وعفوا برضو لتكرارها مرة تالتة، أنتم تسمحون للباعة الجائلين والمتسولين بتحويل المترو إلى سويقة، كل ما تريد شراءه موجود داخل المترو، إلا السمك طبعا عشان ريحته، من ماكينات الحلاقة إلى الشرابات والفانلات والأندرويرات، والكوتشيهات المضروبة والشباشب، وجهاز العروسة، لماذا لا تتشطرون على هؤلاء وتشوفوا شغلكم، ولا هي فيها مصالح ولا إيه بالظبط؟
مستحقو التذاكر المخفضة ناس على باب الله، معاشات، وأصحاب إعاقة وكده، وهذه ليست منحة من حضراتكم، أمثالهم في الخارج يركبون جميع وسائل المواصلات بالمجان.
المواطن مش ناقص تنكيل وتعذيب وبهدلة، وإللي فيه مكفيه، ومستحمل وصابر لأنه يعلم أننا في مرحلة بناء دولة، وهذا التصرف الأحمق من شأنه شحن المواطنين ضد الدولة.
إذا كان ما حدث في محطة سراي القبة اجتهادا شخصيا من شخص غير مسئول فيجب محاسبته فورا، يقف يومين بس في الطابور أمام شباك التذاكر في هذا الجو الخانق، عشان يعرف إن الله حق وما يعملش كده تاني.. بس أنت بتكلم مين!!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية