تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

نبيل الحلفاوى.. الفنان والموقف

قلاع من المحبة، وأخرى من الاحترام، حازها الفنان الراحل نبيل الحلفاوى، أما القلاع الثالثة فهى من الجدل المستمر، فالحلفاوى صاحب موقف داعم ومؤيد لثورة الثلاثين من يونيو، وفى أجواء الالتباس، والريبة، والاستقطابات الحادة، يصبح كل تعزيز لمفاهيم الهوية الوطنية، والدولة المصرية محاطا بالتربص، والعداء المجاني.

كانت تعجبنى شجاعة نبيل الحلفاوى، وقدرته على تقديم خطاب متماسك، حتى لو كان تويتة، أو تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعى، كان يذكرنى بالفنانين الذين افتقدناهم من أصحاب المواقف. فالفن رؤية للعالم، مثلما هو متعة جمالية، ونزعة إنسانية خالصة.

ولم يحز نبيل الحلفاوى شهرة آخرين، حازوا الصفوف الأمامية دائما، وهيمنوا على شباك التذاكر؛ فلم يكن يوما هكذا، وبالمناسبة شباك التذاكر، وهو تعيير قديم ومستهلك، ليس ثمة مشكلة بإزائه على الإطلاق، فمثلما يوجد نجوم شباك فقيرون فنيا، هناك نجوم شباك رائعون قدموا لنا المتعة والشغف والإثارة، واستحقوا مقاعدهم بجدارة.

الخلاصة، أن نبيل الحلفاوى لم يكن هذا ولا ذاك، فى الحقيقة كان نسيجا يخصه وحده من الموهبة، والجدارة، والاختيارات النوعية الدالة، والدأب، والشجاعة فى الإعلان عن موقف متماسك.

وليس غريبا مثلا أن تكون من الأدوار المركزية فى مسيرة الحلفاوى المولود فى عام 1947، دوره فى المسلسل الشهير بأجزائه المهمة (لا إله إلا الله)؛ حين لعب دور البطل المصرى التاريخى حور محب، وحين تنظر إلى طبيعة ونوعية الأدوار التى قدمها الفنان الراحل ستجد أنها جميعها تتسم بالتنوع فى الاختيارات، والتنوع فى طريقة الأداء التمثيلى، وتكنيكاته وفقا لطبيعة الشخصية الدرامية، ومساراتها داخل العمل الفني.

ومن هنا مثلا ستتذكر شخصية (نديم قلب الأسد)، فى المسلسل الشهير (رأفت الهجان)، أو العقيد محمود فى فيلم (الطريق إلى إيلات)، أو رفاعى الجنوبى بملامحه الجادة فى مسلسل(زيزينيا)، أو الطبيب فى مسلسل (الحب وأشياء أخرى)

أو ضابط المباحث الهمام فى (عنتر زمانه)، أو همام الضابط المشغول بثأره من المجرم المراوغ فى (الهروب إلى القمة)، أو ضابط المباحث الذى يسعى لإيقاع زعيم عصابة تجارة المخدرات، من خلال توظيفه (العميل رقم 13)، فى الفيلم الكوميدى الذى يحمل الاسم ذاته.

ويعد دوره (زكريا بن راضي) فى مسلسل (الزينى بركات) علامة حقيقية فى مسيرته الفنية.

غير أن من أهم أدواره على الإطلاق فى الآونة الأخيرة، دوره فى مسلسل (أمر واقع)، حيث الكاتب والمفكر الذى تريد الجماعات الإرهابية توظيفه لصالحها، وتأميمه لمصلحة أجندة معادية للدولة المصرية.

يعتمد نبيل الحلفاوى فى تمثل الأداء لطبيعة الأدوار التى يؤديها على التماهى مع الشخصية قدر الإمكان، وبما يعزز من قيمة الصدق الفنى من جهة، ويخلق نوعا من الإيهام بالواقع من جهة ثانية، وقد ساعدته على ذلك ملامحه الجسدية، وانفعالات وجهه، ولغة الجسد التى أتقنها، فضلا عن الفهم العميق لسيكولوجية الشخصيات والأدوار الفنية التى يلعبها. إن أجمل شىء لدى نبيل الحلفاوى، أنه لم يقلد أحدا، ولم يسع أن يكون غير نفسه، بلا افتعال، أو مزايدة.

أما مناوشاته مع جماهير الكرة، وقد كان مشجعا صميما للنادى الأهلى، فكنت أستمتع بالكثير منها، فقد صدرت عن روح عاشقة لما تحب، ومحبة للجميع ومرحبة بهم فى الوقت نفسه.

كان نبيل الحلفاوى مؤثرا فى الفن، وفى الواقع معا، وليس أدل على ذلك من حالة الحزن التى عمت المنصات المختلفة، والترحم على الفنان الكبير، مثلما ظهر وجه آخر، أصبح معتادا فى السنوات الأخيرة، فكلما رحل إنسان واجه أو رفض الجماعات المتطرفة، انطلق مشايعو الإرهاب والتطرف فى النيل منه، والهجوم عليه، والتشفى فى موته. وهذا سلوك منحط من جهة، وضد الفطرة الإنسانية من جهة ثانية، فالكل سيرحل، والموت حق، وهو حقيقة كبرى فى هذا العالم. والبقاء لله وحده. رحم الله الفنان الكبير، العاشق لوطنه وناسه نبيل الحلفاوى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية