تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
إنهم يتاجرون فى الإحباط
كان المفكر والفيلسوف الألمانى فريدريك نيتشه يعلن بوضوح: إن التشاؤم علامة انحطاط، وعلينا أن نتتبع ولادة الأمل من رحم المأساة. وقد حظى مفهوما التفاؤل والتشاؤم بمدونة كاملة فى الفلسفة، ومثلا مبحثين مهمين داخلها، وبدا كل منهما يعبر عن رؤية للعالم، منطلقة من تصورات بنيوية تعضد من الانحياز لأى منهما، فالتفاؤل يعنى الانحياز للسعادة، والأمل، والفرح بالوجود الإنساني، فى حين ينحاز التشاؤم إلى الشقاء، واليأس، والإحباط. وقد تسربت تجليات المفهومين المركزيين إلى حقول معرفية وجمالية أخري، من بينها الأدب، فرأينا مثلا رواية فولتير الشهيرة (كانديد أو التفاؤل)، والتى مثلت بحثا عن قيم التسامح من خلال أدوات التعبير الجمالى المفعمة بالصدق الفني، وحرارة الشعور، فالتفاؤل الذى صاحب كانديد ممثلا فى أفكار معلمه الفيلسوف بانجلوس كان تجليا للروح الأوروبية الناهضة من العتامة، مثلما مثلت أفكار البطل الضد (الفيلسوف مارتن) تعبيرا عن تصور وجودى مأساوى عن العالم يرى الشر أصلا للوجود. وفى الآن وهنا، ثمة محاولة ممنهجة لتسييد روح محبطة، تتأسى باستمرار على ما فات، وتتعامل مع الواقع بوصفه جحيما أرضيا لا نهائيا، ومن اللافت للنظر أن معظم أصحاب هذه التدوينات لا يمتون لما يحكون عنه بأى صلة، لكنها الرغبة العارمة فى إشاعة اليأس والقنوط، ويعزز هذه المعانى شبكة ممتدة من الواجهات الإعلامية، والمنصات التى لا تكف عن تدعيم المشاعر السلبية، وتصدير طاقات الإحباط، والفوضي.
وحينما نتأمل الفضاء الإلكترونى بدقة، نجد أن ثمة كتابات ناضجة، قد تميل إلى تلمس عناصر الخلل الموجودة فى المجتمع، وتقدم رؤية موضوعية تجاهها، بل وقد تطرح حلولا مبتكرة لمواجهة العراقيل والمشكلات، وهذا النمط حيوى لأنه يصدر من تصور موضوعي، شريطة انطلاقه من أرضية وطنية، تنهض على تفعيل التفكير النقدي، والخيال الإبداعي، وانحيازه إلى قيم الدولة الوطنية، والهوية المصرية.
وفى الضفة المقابلة تجد كتابات ملآنة بالسواد، وبث الكراهية، مسكونة بفقدان الثقة فى الإصلاح، وتلجأ إلى التعميم المستمر، ولا ترى شيئا إيجابيا فيما يصنع على الأرض، وهذا النمط من الكتابات يتبناه البعض عن جهالة، وسوء تقدير للتحديات، والظروف الداخلية والخارجية المعقدة، والسياق المركب إقليميا، ودوليا، أما البعض الآخر فيتبنى ذلك الطرح عن قصدية مريبة، تتلاقى فى غاياتها مع الأصوات المعادية للدولة المصرية، والتى تنعق ليلا ونهارا من منصات مشبوهة فى الخارج، وعلى الفضاء الافتراضي. وفى عالم من السيولة اللانهائية، وثورة تكنولوجية هائلة، وإعلام رقمى مهيمن، وكون معقد، ومتسع يشهد انفجارات معرفية متزايدة، بفعل تسارع نظرية المعرفة من جهة، والتنوع اللانهائى فى أصوات الفاعلين الإعلاميين من جهة ثانية، إذ لم تعد الفاعلية الإعلامية مقتصرة على المنابر الإعلامية الكلاسيكية، وإنما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى تشهد أعدادا لا نهائية من منشئى المحتوى الإعلامي، وفى هذا السياق جميعه، وفى ظل تحديات داخلية وخارجية تخوضها الأمة المصرية، وتشهدها المنطقة العربية، والإقليم، والعالم، تتعزز حتمية مواجهة الشائعات المعطلة للبناء، وضرورة مجابهة التصورات الرجعية، والهدامة، الساعية إلى تقويض البنيان العام للدولة المصرية، عبر حروب غير تقليدية، تتولى فيها أجهزة استخباراتية معادية للدولة المصرية أدوار الفاعلين الإعلاميين من خلال بث مئات الشائعات يوميا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلال كل المنابر الإعلامية التحريضية التى يتكئ خطابها على إثارة البلبلة، وصنع الفتن، وإدخال الجماهير عصر الشك والريبة.
إن أسطورة الحياد التى أشاعها هربرت شيللر من قبل فى كتابه « المتلاعبون بالعقول» تسقط بجدارة أمام سيل الأكاذيب والشائعات والتحريض المستمر ضد الدولة المصرية، وبما يؤكد فى الآن وهنا، ضرورة الانحياز إلى كل ما هو وطني، وحر، ونبيل، وتقدمي، انحيازا حتميا، وجوهريا صوب كل ما يعزز من قدرتنا على التقدم، والاستمرار.
كان عالم الاجتماع الفرنسى الشهير بيير بورديو فى كتابه «التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول» يشير إلى الدور المفصلى الذى يلعبه التليفزيون فى السيطرة على العقل العام، كان بيير يشير إلى التسعينيات من القرن الماضي، أما الآن فقد أصبحنا نعيش نسق السيطرة الإعلامية الرقمية من خلال أدوات متعددة، وهو ما يوجب علينا الحذر، والانتباه لكل ما يحاك ضدنا، وكل ما يسعى إلى إثنائنا عن مواصلة العمل الجاد، والخلاق، والمستمر.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية