تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«دانينوس» قال لى

ولدت بعد ثورة 23 يوليو بأكثر من عشرين عاما.
سنواتى الأولى كانت فى مجتمع «الفيديو ـ كاسيت» باستهلاكيته وفرديته، وبعيدا تماما عن «الصورة» التى تغنى بها عبدالحليم حافظ يوما: «تماثيل رخام ع الترعة، وأوبرا فى كل قرية عربية».

الأهم، لم يكن هناك أثر حقيقى لفلسفة وطنية شاملة مثل تلك التى تناهض الاستعمار بمختلف أشكاله، أو التى تنشد وحدة عربية غير مفروضة، وتنتصر لـ «الفلاح أبو خير وجمايل».

ولم يكن هناك وجود لهذا الإنسان الرمز، الذى قد ينتقده كثيرين، لكنه أيضا يجمع كثيريين حوله. سمعت حكايات أمى المعددة لمناقب الزعيم عبدالناصر وزمانه، ومناقشات أبى الهادئة حول تاريخ الثورة وآثارها.

آثار تبدو بعيدة جدا جدا لا تلمسها يدى فعليا.

لكن لـ «دانينوس» رأى أخر. فسيرة المهندس اليونانى المصرى أدريان دانينوس، كما رواها الأديب وائل السمري، تأتى بالخبر الوافى لأحد أهم أثار الثورة.. «السد العالى».. الفلسفة والمشروع القائم، والذى يعاد اختباره هذه الأيام، رغم مرور 73 عاما على الثورة صاحبة «السد».

رواية «لعنة الخواجة» تنصف، بالتزامها ناصية الوثيقة والإبداع فى تضفير الوقائع التاريخية بالسرد الأدبي، واحد من أبطال التاريخ المنسيين، وما أكثرهم. دانينوس، صاحب مشروع «السد» الذى يثبت أن مجتمع ما قبل ثورة يوليو لم يكن كله شر.

صحيح كان هناك الفاسد المستقوى بجنسيته الأجنبية. لكن هناك دانينوس، ذا الأصول اليونانية – الفرنسية، الذى أنشأه والده على حب مصر والسعى لخيرها، فلم يتردد عندما وجد فى الثورة ومساعيها، فرصة لتحقيق حلمه بـ«بيت وغيط» لكل فلاح.

الهوية عند دانينوس لم تكن ملتبسة، فتعددية روافده تصب كلها فى خدمة مصريته.

وهو يثبت أيضا أن الأحلام والنوايا الطيبة لا تقيم وطنا.

فلولا معارف دانينوس المتشعبة بين علوم الزراعة والقانون وغيرهما، ولولا دراسته المتعمقة لمشروعه الذى وهبه العمر قبل المال، ما كان لرجال الثورة، وأولهم المهندس محمود يونس، أن يمنحوا مشروعه الاهتمام.

ويثبت أيضا تفوق مبدأ «الإنجاز» على «التقدير». فرأى فى قيام «السد» تعويضا عن التقدير الوافى الذى كان يستحقه. وتفهم أن حداثة تجربة الحكم مع حماسة البدايات للنظام الجديد، وجهت الكثير من مواقفه، مثل المواءمات التى جرت مع الشريك الروسي، بتحييد حلول جاء بها مشروعه، وأثبت التاريخ صحتها.

دانينوس كان يرى أن الإنجاز والمعرفة سينتصران له، ولو بعد حين، وأن التاريخ لا يعترف بالحلقات المفقودة، يستعيدها دائما للدارسة والاعتبار. وهل هناك خير من هذه الأيام لاستعادة حلقة دانينوس والسد والثورة؟

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية