تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

جهادي أم رجل دولة!

السؤال الجدلي والمنطقي عن أحمد الشرع، هل يتم التعامل معه الآن انطلاقًا من تاريخه الجهادي الذي تشكل في حواضن تنظيمات مثل داعش والقاعدة، أم رجل الدولة البراغماتي الذي سيقود هذه المرحلة الانتقالية المهمة ل سوريا نحو الاستقرار،

السؤال رغم مشروعيته إلا أنه يتجاوز الجوانب الأخرى في مدى صواب الربط بين تاريخ القائد السياسي لأي دولة واستشراف مستقبلها وفقًا لهذا التاريخ،

والسؤال الأصوب ربما يقترب أكثر من قراءة مدى انحياز القائد الجديد لصالح الدولة بشموليتها وتنوعها وتعدد مصالحها من عدمه، أو انحيازه لحالة الجمود واستدعاء مُكوِّنه الإيديولوجي لإعادة تطبيقه ولو فرضًا وقهرًا بموجب سلطته على كل أطياف الشعب، وربما فشل الحالة المصرية تحت حكم الإخوان أقرب للنموذج الأخير الذي يجب أخذه في الاعتبار.

إن، التاريخ الإيديولوجي للتحولات في فكر الشرع تنطبق في جانب منها على نظرية نيكولو ميكافيلي القائمة منذ القرن السادس عشر حتى الآن (الغاية تُبرر الوسيلة)،

فالشرع الذي يمثل امتدادًا لعائلة نشأت في أحضان الفكر القومي الناصري، ثم الفكر البعثي، ثم المشاركة في الحكم السوري نفسه عن طريق أحد أقاربه وهو نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع،

قد تكون مبررًا كافيًا لدى البعض لمنحه الفرصة تجاوزًا لأخطاءه السابقة لصالح سوريا وليس لصالح أفكاره وإيديولوجياته التي تبناها منذ 2004، والتي قادته مؤخرًا مصادفة أو موائمة أو ثورة – سمّها ما شئت - إلى قيادة الدولة السورية كواقع مفروض على الخارطة الإقليمية الآن يجب التعامل معه أمام من قبل الشرع وربطه برؤى مشروعة لاستقرار سوريا في ظل غياب أو تجريف نخبها السياسية والفكرية طوال عقود مضت،

وأيضًا لمن رفض الشرع استنادًا إلى تاريخه الملوث بالأفكار المتطرفة وجرائم الإرهاب التي تجاوزت في جانب منها الداخل السوري، وطالت دول جوار تجد إدارتها صعوبة منطقية في قبوله أو التعامل معه كقائد جديد للدولة السورية، وفي الحالتين ستكون النتائج المنتظرة في الأخير رهنًا بمصالح كل طرف، بعيدًا عن المزايدات أو التشنجات في الإعلام أو الساحات الرقمية.

الشرع، العاشق الذي فشل في الاحتفاظ بحبيبته الأولى وهي فتاة من الطائفة العلوية أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية في إحدى مدارس دمشق، هو نفسه الشرع الذي يميل نحو النزعة القومية التي ورثها عن والده، وأيضًا هو نفسه الشرع الذي انضم إلى داعش ثم بايع القاعدة ثم شكّل حاضنة جهادية تتوافق وتطلعه، ضم من خلالها مئات الحركات المسلحة تحت لواءه، سواءً بمساعدة دول إقليمية أو بدون، لكن هذا التنقل في الانتماءات يكشف عن جوانب كثيرة في شخصية الشرع، وهي جوانب من المنطقي استحضارها حال تحليل أو استشراف مستقبل الدولة السورية تحت قيادته.

الإشكالية التي ستُمثل التحدي الأكبر للشرع ليست في انتزاعه اعترافًا دوليًا أو شهادة بانتقاله من الحالة الجهادية إلى الحالة السياسية، فهو في الأخير سينالها عاجلًا أم آجلًا بموجب الأمر الواقع، وإن كانت ستحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والإجراءات على الأرض طالما اختار البراغماتية كمنهج له في هذه المرحلة، لكن الإشكالية الأخطر التي تواجه الشرع الآن هو تعدد الأطراف التي ستطالب قريبًا بحصتها من الحكم، والأخطر هو تنوع إيديولوجيات هذه الجماعات التي لابد من التقيد بها أمام عناصرها خاصة تلك ذات الامتدادات في خارج سوريا،

إلا أن المطمئن نسبيًا في إدارة الشرع – حتى الآن – أنه لم يقدم نفسه كمرجعية دينية يجب الالتزام بتوجيهاته وقراراته من هذا المنطلق، على حساب كونه قائدًا لكل السوريين، وهذا جيد إلى حد ما، لكنه أيضًا يحمل تساؤلات حول مدى قبول الأطراف المشاركة معه في الحكم على استمراره في هذا التوجه، الذي سيوضع يقينًا في اختبارات قد تكون من الصعوبة بمكان الانفلات من آثارها السلبية، التي أيضًا قد تطاله هو شخصيًا، وفي هذا الحالة ستعود الحالة السورية إلى المربع صفر من جديد لتجر معها المنطقة إلى حروب وصراعات قد يتجاوز العنف فيها حدود العقل والمنطق.

الشرع في موقف لا يُحسد عليه، فالشركاء في تحالف إسقاط النظام السوري من غرفة عمليات (الفتح المبين)، وغرفة (العمليات الجنوبية)، و (الجيش الوطني السوري الحر)، ليسوا جميعهم على ذات الفكر والإيديولوجية التي يتبناها الشرع الآن، فكل تحالف منهم يتكون من آلاف العناصر ومئات الجماعات والتنظيمات السياسية والجهادية التي لا تتوافق إيديولوجيًا ودينيًا بل ولا حتى عِرقيًا، عدا عن مصالح كل طرف بها وبعضها ذو امتدادات لدول في الجوار ليست متوافقة على الدوام، وهذا هو التحدي الحقيقي الذي حال الفشل في مواجهته سيؤدي حتمًا إلى صراعات وفوضى في المشهد االداخلي في سوريا كما حدث سابقًا – وما زال - بالعراق وليبيا.

إن الإشكالية الأصعب ليست في محيط الشرع الخارجي قدر ما هي في أروقة القصر الرئاسي في دمشق، وجميعها تتلخص في مدى قدرته على بناء صياغة سياسية تتوافق عليها كل أطراف المصالح ذات العلاقة بالحالة السورية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية