تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
غرام وانتقام فى ساحة الوعى بالإنترنت!
قامت العلوم الحديثة على فكرة جوهرية بتسخير الطبيعة لما هو فى مصلحة الإنسان، ولكن الأمر لم يخل من أزمة أخلاقية تولدت عن ذلك وتهدد وجود الإنسان ذاته، من امتلاك الأسلحة الفتاكة، والتغير البيئى، والأزمات الاقتصادية، والأوبئة، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى، التى تكتشف واقع الحال الأخطار التى تحملها من حوادث غريبة تصدم الوعى العام، تعيد نظرية البجعة السوداء فى علم الاجتماع إلى الصدارة، بعد أن ظننا نهايتها مع التقدم العلمى الكبير.
ونظرية «البجعة السوداء» ظهرت عندما اكتشف رحالة هولندى فى أستراليا لأول مرة بجعة سوداء، وكان الكل يعتقد أن كل البجع أبيض، وأصبحت نظرية «البجعة السوداء» دالة على المفاجآت المعرفية، عندما تظهر الأحداث المفاجئة التى تغير كل شيء، وتثبت أن المعرفة نسبية ووقتية ومتغيرة، فلم نتوقع جائحة كورونا أو آثار الحرب الأوكرانية ـ الروسية ولا ارتفاع الدولار ولا انهيارات اقتصادية تشمل الدول الكبرى ولا بزوغ عالم متعدد القوى، وأصبحنا ننتظر كل يوم ظهور بجعة بلون جديد! وقلق إضافى!
وأهمية النظرية أنها تلفت الانتباه إلى الاستعداد الدائم للكوارث حتى نستطيع التعامل معها، فلا يجب أن نستسلم لحلو الأمانى مع أن لقول الشريف الرضى عن الزمان نصيبا من الحقيقة عندما قال: ومتى تأملت الزمان وجدته أجلا وأيام الحياة سقام، نضحى ونمسى ضاحكين وإنما لبكائنا الإصباح والإظلام، ونسر بالعام الجديد وإنما تسرى بنا نحو الردى الأعوام!
لا ينكر عاقل أهمية الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) فى حياتنا، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وبالفعل عمقت ووسعت التواصل بين الناس، إلا ما نجم عن استخدامها الشائع من مهازل فكل يوم بجعة بلون جديد! جعل البعض من العقلاء يطلبون المستحيل بإلغائها من الحياة العامة، وحجتهم إنها سلاح ذو حدين يوضع فى يد التافهين والمهووسين وأحيانا المجانين، فقد صدم الناس من الرجل الذى يطلق زوجته فى عرس ابنته، ويمسك الميكروفون ليهنئ العروسين ويبلغ الزوجة بقراره التعس فى قلب الفرح!
أما تضخيم واقعة المطرود من محل الكشرى فأصبحت محل سخرية ، كذلك مأساة الفنانة المغنية (شيرين عبدالوهاب) التى شغلت وسائل التواصل حتى الآن، لتلوك فى حياتها الشخصية، التى خرجت للعلن كالنار فى الهشيم ليتدخل كل من هب ودب فى شئونها، للمتطفلين! وأخطر ما ألقته علينا هذه الوسائل فضح رجل لزوجته واتهامه لها بالخيانة قبل أن يتأكد من صحة معتقده هذا، فأصبحت الشبكة ساحة للغرام والانتقام بلا وعى يذكر!
كل ذلك وغيره سن التفاهات المتضخمة، ومن التلاعب بعقول الناس بإتاحة الأكاذيب بشكل مكثف حتى تبدو كحقائق مؤكدة، إلا أن كل ذلك لا ينفى أهمية هذا الاكتشاف العلمى الساحق، الذى يصب فى مصلحة تطور الوعى، فعلى أهميته العملية إلا أن فائدته فى تطوير الوعى والنضج الاجتماعى تعتبر هائلة فى الوجه الإيجابى لفضيلة الفوضى الخلاقة!! لا نستطيع تقييم الظواهر بشكل مستقل عن وعى الإنسان، فتفاعل الوعى مع الظاهرة يعطى فهما أكثر عمقا للواقع، وكما يرى الفيلسوف الألمانى (هيجل) أن تاريخ العالم ليس إلا تطورا للوعى نحو حرية الإنسان، وتولى الفلسفة الظاهرية للفيلسوف الألمانى (هوسرل) التفاعل بين الظاهرة والوعى الأولوية لفهم العالم الخارجى، أهم من بحث الظاهرة فى ذاتها بشكل منعزل عن الإنسان ومشاعره وآرائه، فهى مقاربة بديلة للحقيقة الموضوعية، لتصل لجوهر الأمور بشكل أشمل من خلال الوعى، وهى الفلسفة التى غيرت مسار علم النفس، ونجد أن تفاعل الناس مع «الإنترنت» قد نجم عنه العديد من السلبيات فالناس تأكل وتشرب وتنام وتحب وتكره وتلعب فى فضائه وأسوأ ما فيه الغرام والانتقام بسهولة متاحة للجميع فأظهر أسوأ ما فينا فى "التريند" السائد، وكلما كان صادما كان منتشرا على ساحة الوعي! وحالة التشابك بين الوعى والظاهرة تختلف من فرد لآخر حسب الزمن والعمر والمكان والبيئة ليصل لتأويل للتجربة، ويعدل موقفه منها باستمرار، كما يرى (هايدجر)، الذى أعتبره نموذجا صوفيا فى البحث الوجودى عن الحقيقة ضمن السياق الزمنى العام لها، هذا التشابك يؤدى لتطور الوعى فى طريقة تفاعله بشكل أكثر جدية وحرية وجوهرية مع الظاهرة، لتكون أكثر إيجابية، وتنحسر سلبياتها تلقائيا، بإهمال الوعى لها، وهو ملاحظ بشكل متزايد من تعليقات الناس التى تشمئز من التفاهات، وأصبحت أكثر وعيا وإدراكا للأكاذيب، وأصبح العديدون منا يستخدمها بحذر وفى الأغراض المفيدة فقط، وليس أدل على ذلك من الوعى العام بكوارث الهوجات العربية العدمية والتى أثبتت أن القضية برمتها مسألة وعى!
الإرتباك والتشوش من فواجع الغرام والانتقام المتتالية تصب فى تطور الوعى وتعميق التجربة الإنسانية، خاصة مع تطوير المؤسسات التعليمية والتربوية لتنشيط العقل، فى مواكبة تطور الاكتشافات العلمية، وتأثيرها على ساحة الوعى الإنسانى الحائر!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية