تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
رمزى .. الآخر الكبير فى الساحل الشمالى!
هناك قصة ذات دلالة، تقول إن سفينة كانت على وشك الغرق، فقام الركاب مسرعين بالقفز فى الماء على أمل السباحة وإنقاذ حياتهم، إلا أن رجلا كانت لديه صرر من الذهب لم تطاوعه نفسه أن يتركها، فربطها حول خصره، وعندما قفز فى الماء، أخذه الذهب إلى القاع وغرق!. مدلول القصة توضيح الفرق بين الحاجة والرغبة!
فالحاجة لا تستلزم إلا القفز فى الماء، بينما الرغبة فى الذهب أوردته إلى الهلاك، فكم من رغبات لا حاجة لها إلا إنها أقوى من الحياة نفسها!.
تزخر وسائل التواصل الاجتماعى بكم هائل من المتع التى تغرى الإنسان بان لا سعادة إلا بتحقيقها فمع فوائد وأضرار هذا الاختراع المبهر، يأتى أخطرها فى نداء «المتعة» الذى لا يتوقف وتوليد رغبات جديدة ومتدفقة لايمكن للفرد أن يلبيها، فأعادتنا هذه «النداهة» إلى طور المرآة لإعادة اكتشاف أنفسنا من خلال انعكاس صورتنا بين الصور اللانهائية التى تحاصرنا فى هذا العالم!
وطور المرآة من أفكار الفيلسوف والطبيب النفسى الفرنسى (جاك لاكان) ليشرح التطور النفسى للطفل لحظة التعرف على صورته فى المرآة وانعكاس المتخيل عن نفسه، وهى الرابطة الأولى بين الجسد الذات وبين تشكل الأنا الموضوع، فالمرآة أول تشكل للأنا الخيالية! كما نرغب أن تكون، ونرغب أن يرانا الآخرون عليها!.
وسائل التواصل مرتع للناس لإظهار الأنا المثالية، بالصورة المتخيلة المتماسكة، كالأطفال عندما ينظرون لصورتهم فى المرآة ويعتقدون أنها حقيقتهم المثالية، ولا يدركون أن هناك أبعادا داخلية أخرى لا تظهر فى الصورة فالمشاعر والانفعالات والغرائز والرغبات الداخلية لا تظهر فى الصورة، فهناك معان لا يمكن تشيؤها لتظهر واضحة فى الصورة الخيالية المثالية التى لا تمت للحقيقة، فنرى كذلك الناس كل يعرض صورته كما يحب أن يراها الناس، بإظهار الكمال والاستعراض بالجمال والملابس والممتلكات أمام الآخرين.
عندما ينتقل الطفل إلى النسق الرمزى بتعلم اللغة ليعبر عن نفسه ويتعامل مع الآخرين، يدرك أن هناك قواعد وقيما وسلوكا تحكم علاقته بالآخر الكبير حتى بلوغه، ليصبح هو الآخر الكبير لغيره، فى مجال الرمز يتعلم قواعد ودلالات تحكم تصوراته وتصرفاته، ويتوقعها من الآخرين، ومن الآخرين يستمد المعيار الافتراضى للجيد والسيئ و الجميل والقبيح
فالآخر الكبير موجود دائما فى النسق الرمزى الذى يشكل هويتنا ويشكل المعنى النهائى لوجودنا، وهو المرجعية التى نتفاعل معها بالإحساس بالفرح أو الحزن، مع أن هذا الآخر الكبير ليس إلا رمزيا!.
مابين النسقين الخيالى والرمزى تتشكل نفسية الفرد وتستثمر الدعايات التجارية، هذه الحالة لتخلق حاجات لا حاجة لها، لترسم الأنا المثالية المرغوبة، وتضع معايير للمتعة والسعادة عند الآخر الكبير من المشاهير والمؤثرين فى وسائل التواصل الاجتماعى، فيحس الفرد بأنه لن يكتمل الإحساس بالنقص الملازم له منذ طفولته إلا بالحصول عليها ولا يسلم من هذا الفخ لا الفقراء ولا الأغنياء، من فيض الصور المتتابعة لرفاهية الأثرياء والمشاهير والمغريات من السلع والقصور والمنتجعات!.
مع تزايد المشاريع الاستثمارية الكبرى التى تبدأ فى الساحل الشمالى بمصر، واستعراض المتع المتخيلة لها من خلال الإعلانات، التى تستغل طبيعة الفرد بارتباطه بالآخر الكبير والإحساس بالنقص الملازم له من طفولته وتكوينه النفسى التأسيسى، فيظهر إحساس عام لديه بالحرمان، وتكبر شجرة البؤس التى تحدث عنها الراحل العظيم (طه حسين) بعدم الرضا بما آتانا الله.
هذا الشعور السلبى لا يميز بين الحاجة والرغبة وعند التحليل البسيط يستطيع الوعى فهم اللاوعى ذلك الذى يقحم أفكارا زائفة عن السعادة، التى يمكن أن تتحقق بالماديات، وهو ما يكذبه الواقع الذى يفيد بأن نسبة الانتحار هى الأعلى بالدول الغنية!
والسعادة تبدأ من فهم اللاوعى والتعايش معه والدراية بكيفية تشكل النفس والواقع ومواجهته كما يشرح (سلافوى جيجيك) فى كتابه عن لاكان!.
والمشروعات السياحية إن لم نتمتع بها بالذات سنتمتع بعائداتها على الاقتصاد الوطنى، عندما توضع بلدنا على الخريطة العالمية كجاذبة للاستثمار، مما يوفر فرص عمل حقيقية تلبى الاحتياجات الاساسية التى لاغنى عنها، أما الرغبات اللامحدودة التى يولدها الآخر الكبير الرمزى، فلن تحقق السعادة، والتى لا تأتى الا بسيطرة الوعى على اللاوعى وهو ما توصل اليه الغرب المتقدم، فمظاهر الرفاهية ليست موجودة فى الواقع اليومى للناس بل يعملون بجديه ومن يخرج عن النظام العام والنسق الاجتماعى المنضبط لا يجد قوت يومه، و لم أر مظاهر للترف منتشرة اطلاقا، فالشقق صغيرة لدرجة أنى وجدت شقة مساحتها 27 مترا وقالت لى إحدى الطبيبات إنها كانت فى شقة 11 مترا، فالتربية والتعليم منذ النشأة الأولى وجهتهم نحو السعادة الحقيقية فى لذة المعرفة!.
أعتقد أن التحديات الاقتصادية لدينا أحدثت نوعا من الإفاقة للتمييز بين الحاجة والرغبة، خاصة أننا شعب متعلم وصاحب وعى تاريخى متميز ومن الشائع حاليا أن تجد النقاش المحامى وسائق الأوبر المهندس وفرد الآمن المحاسب... إلخ .. ففضل ثورة يوليو لا ينكر فى إتاحة التعليم كحق لكل مواطن وليست مسئولة عن الفشل فى تطويره ليتناسب مع حاجة العمل والإمكانات المتاحة!
فليس الشعب المصرى هينا! بل هو قادر على التخلى عن العادات البالية بالتباهى بالأنا المثالية الخيالية.
أعتقد أن لدينا ما هو أسمى من كل شىء ليكون الآخر الكبير الذى نستمد منه كل المعانى هو الله سبحانه وتعالى والتعلق بأسمائه الحسنى للسيطرة على الغرائز والرغبات غير الضرورية و السعادة بما أعطانا، والامتنان لقوته ورحمته بنا فوهبنا العقل والوعى الذى به نشعر بالخير والجمال والحق بالمعنى الأصولى الصوفى للأخلاق، «ولله المثل الأعلى»، لا بمنطق الجهل للمتاجرين بالدين الذين لا يزيدون الحياة إلا تعقيدا، واعتبار الإنسان «كائن راغب» تسليم بفطرته، ولكن الوعى بالذات وباللاوعى كذلك، يمكن الفرد من فهم التعقيدات النفسية لإنقاذه من فخ المقارنات مع الآخر الكبير من النسق الرمزى المحيط ويخرج من طور المرآة للأنا المثالية الطفولى، وإلا وقعنا فى العصاب النفسى المرضى فكما يقول (إيمانويل كانت) الفيلسوف الكبير: بدون إحساس لن نحظى بأى شىء وبدون فهم لا يمكن التفكير فى أى شىء.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية